أوروبا و«تسليح» المعارضة: نافذة الحل لا تغيّر المواقف
ما قبل «التفاهم» الأميركي - الروسي حول سوريا، مثل ما بعده. ليس فقط لأن تفسيرات «التفاهم» تترجم دائما بطرق ملتبسة تحمل على السؤال: هل اختلفوا على تفاهمهم، أم تفاهموا على خلافهم؟!
على كل حال، هذا ما يتضح من صدى لقاء موسكو في بروكسل. يبدو أن لا مفاعيل تذكر، بالنظر للنقاش حول رفع حظر الأسلحة لتوريدها إلى المعارضة المسلحة. قبل الإعلان عن «المؤتمر الدولي» حول سوريا قدم البريطانيون رؤية مفصلة تدعم رغبتهم بتوريد الأسلحة إلى «الائتلاف » المعارض. قالوا إن هذا بهدف الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، ليأتي إلى طاولة التفاوض. بعد «التفاهم» قالوا إنه لا يغير شيئا، فالهدف تغيير «حسابات» الأسد، وإلا فما الفائدة من قدومه للتفاوض ما دامت حساباته هي ذاتها.
هذا ما ينقله مصدر ديبلوماسي أوروبي مطلع عن كثب على النقاشات الأوروبية المستمرة حول حظر الأسلحة على سوريا. النقاشات تتكثف لأن صلاحية نظام العقوبات على سوريا تنقضي مع نهاية أيار الحالي، وينبغي تمديدها. سابقا، دحرج الأوروبيون خلافاتهم إلى الأمام مرتين، بتمديد العقوبات لثلاثة أشهر بدلا من سنة، ويبدو أنها دحرجة أكثر غير مرغوبة لأسباب عديدة.
الأسبوع الماضي قدمت بريطانيا وثيقة، سياسية وتقنية، تحاجّ فيها بضرورة توريد الأسلحة إلى «الائتلاف». الوثيقة التي حصلنا على نسخة منها اقترحت صياغتين لتعديل الحظر، إما برفعه عن «الائتلاف» أو بإزالة لغة «المعدات غير القاتلة» من الصيغة. النتيجة واحدة. قدم البريطانيون أسبابهم لتقوية «المعارضة المعتدلة»، واقترحوا ضمانات وتصورا لآلية رقابة على أن الأسلحة ستستخدم فقط بغرض «حماية المدنيين».
لم يعجب هذا معارضي رفع الحظر، وخصوصا النمسا، التي قدمت بدورها وثيقة مناوئة، لكنها ذات طابع سياسي. معارضة التسليح ليست جديدة على النمساويين، القلقين حول مصير جنودهم الذين يشكلون أكثر من ثلث تعداد قوات حفظ السلام في الجولان السوري المحتل. المستشار النمساوي فيرنر فايمان، ووزير خارجيته مايكل شبينديليغر كررا معارضتهما مرارا أن تسليحا أكثر سيترجم تصعيدا أكبر للصراع. برأيهما، توريد الأسلحة ضد القانون الدولي الذي يمنعها على غير الجهات الحكومية، وضد قانون للاتحاد الأوروبي يمنع توريدها إلى مناطق صراع.
البريطانيون كانوا متحسبين، وأكدوا سلفا في وثيقتهم أن تعديل حظر الأسلحة سينفذ بما يضمن «بوضوح تطبيقا صارما للقانون الدولي». ليست مزحة، إذا كان القصد بناء على قرار من مجلس الأمن. لكن هذه الأخيرة بالتأكيد مزحة: بيان جنيف لم يمر حتى يمر قرار لتوريد الأسلحة.
وبعد إعلان «التفاهم» الأميركي - الروسي بساعات، كان خبراء الاتحاد الأوروبي وممثلون عن دوله، يجتمعون لنقاش تمديد نظام العقوبات. جاء معارضو توريد الأسلحة مغتبطين بالأخبار عن مؤتمر مرتقب يجمع النظام والمعارضة. قالوا لأندادهم ان «التفاهم» خلق نافذة وليس من الحكمة إغلاقها عبر تعديل حظر الأسلحة لصالح المعارضة. رد البريطانيون، كما ينقل المصدر، بأنه «حتى لو كانت نافذة، لكن هذا لا يعني ألا نرفع حظر الأسلحة عن المعارضة. هؤلاء (نظام الأسد) نعرفهم، ونحتاج إلى تغيير حساباتهم. فما الفائدة إذا جاؤوا إلى طاولة المفاوضات مع نفس الحسابات».
صدى كهذا لـ« التفاهم» لا يبشر، فالرد يأتي من بريطانيا، التي لا يخفى تناغم سياساتها حد التطابق مع الولايات المتحدة. توجه بريطاني كهذا من السذاجة التفكير بألا يكون جاء من تنسيق كامل مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لملف الأزمة السورية. ليس هذا فقط، كان لافتا أن يصل سيد البيت الأبيض إلى تطويل جمله حول رحيل الأسد في فحوى تتكرر منذ مدة في البيانات الأوروبية. أوباما أصبح يتحدث، بما معناه، أن رحيل الأسد ليس شرطا مسبقا للتفاوض لكن على أن يقود إلى مستقبل لسوريا من دونه. جمل أوباما تزداد طولا. مسافة كبيرة باتت تفصله عن «عليه الرحيل». جمله الآن تعكس تعقيدا وتسوية تواجهان اتخاذ الموقف الأميركي، طبعا بما لا يعكر اللعب المسترخي. الأوروبيون تعقيدهم مفهوم، وهو محصلة تفاهم 27 دولة. منذ أشهر يعلنون دعم «حوار سياسي» مع وجوب «الأخذ في الاعتبار الشروط الضرورية التي من شانها أن تؤدي إلى انتقال سياسي وإلى مستقبل من دون الأسد». طول العبارات من استرخاء واحد، وإن تفاوتت الأسباب.
الموقف البريطاني الساعي لتوريد الأسلحة للمعارضة يعكس أيضا رهانا أميركيا، فالإدارة المسترخية للصراع السوري على حالها. في روسيا وأميركا، لا أحد مستعجلا للحل، بما يعني أنهما يكسبان أو هكذا حساباتهما. وهذه الأخيرة، من سيغيرها؟! كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يضربان كفيهما. مع فرق الحجوم والتقاليد الديبلوماسية، وحجم الاسترخاء طبعا، لا ينقص إلا أن يفعل وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي والسعودي سعود الفيصل!
ممثلو بريطانيا يقولون لمن يحمل لهم ضرورة مداراة «التفاهم» الذهبي: «الروس لم يقولوا انهم سيوقفون توريد الأسلحة للنظام. نحتاج إلى إرسال إشارة، وتوريد الأسلحة سيُفهم النظام أن عليه تغيير حساباته».
في الوثيقة يقول البريطانيون إن «الائتلاف » أهل بتلقي الأسلحة، ويكررون تعهداته حول مستقبل سوريا. يعتبرون أنه حتى من يتلقى المساعدة الحالية للمعارضة «حددوا مسبقا بعناية كبيرة»، وأنه بناء على كل هذا «يمكننا التأكد، بدرجة كافية من الثقة، أين وكيف ستخدم المعدات» القاتلة، في حال تعديل الحظر. مع ذلك، يقرون بأنه «علينا ضمان أن يوفي الائتلاف بالتزاماته». كيف؟ يتحدثون عن آلية التقييم المتكرر، والمراقبة والمراجعة لكيفية استخدام أي من المعدات المقدمة.
المصدر الأوروبي يوضح ان طرح بريطانيا يمثل «السقف»، وأنه من المستبعد جدا أن يحقق إجماعا لا يمكن بدونه تمرير أي قرار أوروبي. بحسب المصدر، ورغم ما يطفو، سأل مسؤول في الاتحاد الأوروبي الفرنسيين والبريطانيين هل أنتم مستعدون فعلا لهذه الخطوة؟ كان يختبر هذا الإصرار المعلن على توريد الأسلحة للمعارضة. «لكن لم يكن هنالك جواب»، يضيف المصدر.
ألمانيا قالت سابقا انها لن تستخدم «الفتيو»، رغم معارضتها، وأن «من يريد توريد الأسلحة لا نستطيع منعه». ليس واضحا بدقة كيف ستتصرف. تركيزها على تعديل عقوبات أخرى تفيد المعارضة ومناطق سيطرتها، خصوصا تعديل حظر عمل المصارف والخدمات المالية. لا يزال هناك اجتماع لسفراء الاتحاد وخبرائه في 23 أيار الحالي، يليه اجتماع وزراء الخارجية في 27 منه. حينها سيتخذ القرار الذي سيشكل مؤشرا على درجة «التفاهم» الأميركي الروسي، وسيكون اختبارا له.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد