آشوريو سوريا: مرَّ الكثير من الغزاة.. وبقينا
خريطة السيطرة في الجزيرة السورية التي قلبت معالمها تبعات الأزمة، فرضت معادلة جديدة لمعارك الشمال الشرقي، طرفها الأول تبدل في المنطقة بين «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وتنظيمات إرهابية عدة حتى وصل «داعش»، والطرف الثاني حمل في صفه فصائل مسلحة عدة تدافع عن وجودها، بمؤازرة الجيش السوري، وهي التي سميت بالقوى الوطنية والتي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة من دون البحث في الصورة العامة.
وتتنوع الفصائل المسلحة، بحسب قوميات هذه المنطقة وإثنياتها، بين «الحزب الديموقراطي الكردي» الذي ينتشر على طول الخط الحدودي من المالكية وصولاً إلى غرب الحسكة، وتنظيم «الصناديد»، المكون من العشائر العربية في المنطقة وأبرزها شمر ويتركز وجود عناصره في اليعربية على الحدود العراقية وفي محيط معبر الربيعة والمالكية والرميلان والجوادية والطاش، وتنظيم «قوات حماية الجزيرة» (السوتورو) السرياني، الذي ينتشر عناصره في الأحياء المسيحية في القامشلي والحسكة وباقي تجمعات السريان في الجزيرة.
وعلى طول الخط الذي يصل ناحية تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي بالبلدات الآشورية المحاذية لنهر الخابور ينتشر عناصر «ناطوره» وهم من الشباب الآشوريين، وجلّهم لم يكن يعرف الحرب والقتال، فمنهم طلاب جامعات وأطباء وأصحاب مهن حرة.
روبير، الذي كان يعمل قبل الأزمة مدرباً لفريق كرة قدم، يتحدث عن تنظيم «ناطوره» الذي يقوده، وانطلق مع بداية الأزمة على شكل لجان شعبية كانت مهمتها حماية القرى. وأثناء الجولة بصحبته على طول القرى المحاذية للخابور، لا يمكن لمن يصل إلى تلك المنطقة ألا يشعر برهبة المكان الذي دمّر «داعش» معالمه الضاربة في جذور الحضارة السورية.
ويقول روبير خلال الجولة، «هي مأساة شباط العام 2015 والفاجعة، هي اللحظة التي نهشت فيها ذئاب الظلام جسد سوريا. الثالثة فجر 23 شباط كانت ساعة الصفر، فظيع هو المشهد وقاس».
تعبير «مدينة أشباح» يلبس قرى الخابور، كل التفاصيل تتحدث عن الواقعة السوداء: ألعاب الأطفال المدماة المرمية على الطرق، البيوت الأثرية فتحت فيها «الطلاقيات» لتمركز القناصين من الدخلاء الجدد، المكتبات أحرقت، وبقي منها رماد على قارعة طريق قرية تل نصري، التي دمرت فيها كنيسة السيدة العذراء في ليلة عيد الفصح الذي صادف فترة الهجوم، فيما بقي صليبها شامخاً يتحدث عن العقيدة الراسخة التي انتصرت على الشراسة الزائلة.
ويقول المقاتل في «ناطوره» جان، إن «مذبحة الآشوريين في تلك الليلة كان مخططا لها. منذ عشرات السنين ومنسوب النهر لم يتغير، ويمكن أن يقطعه أي شخص من جانب إلى آخر سيراً على الأقدام، لكن في تلك الليلة فتحت تركيا، التي ينبع الخابور من أراضيها، المضخات بالكامل. لم يعد بإمكان من هرب تحت جنح الظلام من القرى التي كان داعش يهاجمها أن يعبر إلى الطرف الآمن لينجو من سكين الموت، ولم يعد بإمكان أمهر السباحين أن ينجو، حيث يمكن لعزم التيار اقتلاع أصلب الأشجار».
ويضيف: «كان الصمود على تلة كنيسة مار جرجس في تل تمر بفضل العناية الإلهية، لأن تل تمر طوقت من كل الاتجاهات، بعدما سقطت قرى تل شاميران، تل طلعة، أبو تينة، تل قوران، خريطة، تل طال، تل هرمز، تل مخاضة، تل جزيرة، المغاص، والحفيان. مرت علينا أيام وليال صعبة. الصواريخ لم تتوقف على منطقتنا، صمودنا استمر ثلاثة أشهر ومن ثم بدأت قوات ناطوره بالتعاون مع كل القوى الوطنية في الجزيرة بعملية استعادة السيطرة. دحرنا داعش من القرى في 23 أيار إلى جبل عبد العزيز، ومن ثم تقدمت القوى الوطنية وسيطرت على معظم نقاط الجبل الذي كان يعتبر قاعدة العمليات الرئيسية لداعش في المنطقة. وانتهى منذ ذلك الوقت ظلام داعش وعاد الهواء نقياً آشورياً سورياً بامتياز، سنبقى نقاتلهم حتى آخر آشوري».
وعلى مدخل الطريق الواصل بين قرية تل شاميران وتل طلعة يحضر أبو ستيفن مواد البناء لإعمار الغرفة الأولى من منزله المدمر بالكامل. وكان عناصر «داعش» قد كتبوا إلى جانب بيته عند احتلالهم المنطقة «الدولة الإسلامية باقية». يقول وفرحة العودة ترتسم بين خطوط جلد وجهه الهرم: «نحن الباقون وهم إلى مزبلة التاريخ. منذ لحظة هروبنا من القرى، لم نكن نشك للحظة بأننا لن نعود. قبل هؤلاء الدواعش مرّ التتار والمغول والكثير من الغزاة ولم تندثر حضارتنا الآشورية. المحبة وإرادة العيش موجودة في نفوسنا، والبناء سيتم بسهولة».
سيف عمر الفرا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد