«إسرائيل» «أرض ميعاد» للدراما الأميركيّة
تعود بدايات ظهور قطاع الدراما في الكيان الإسرائيلي إلى عام 1993، حين أنشأت حكومة العدو «القناة الثانية» في التلفزيون الإسرائيلي، ومَنَحَت شركتي «ريشيت» و«كيشيت» امتياز إنتاج البرامج والمسلسلات.
إلا أنّ التحول في انتشار المسلسلات الإسرائيلية ظهر مع غزو هذه الأخيرة سوق الدراما الأميركي العام 2008. حين بدأ المنتجون في أميركا (وأوروبا في ما بعد) باقتباس الأعمال العبرية وتحويلها إلى مسلسلات محليّة، حقّقت شهرةً واسعة وأرباحاً مادية طائلة، كمسلسل «هوملاند» الشهير مثلاً. وفي السنوات الأخيرة، زاد إقبال المنتجين الأميركيين بشكلٍ ملحوظ على شراء حقوق الأعمال الإسرائيلية وتقديمها على الشاشات الأميركية، خصوصاً بعد فوز «هوملاند» بجائزة «غولدن غلوب» عن أفضل عمل درامي للعامين 2012 و2011.
السبب الرئيسي لانتشار تلك الظاهرة أخيراً، هو ثمن الأعمال العبرية المنخفض إضافةً إلى انسجام قصص تلك الأعمال مع ما يريده السوق الأميركي خصوصاً لناحية الرسائل السياسية والثقافية التي تتضمنها.
أول مسلسل إسرائيلي وصل إلى الشاشة الأميركية الصغيرة كان مسلسل «بي تيبول» (بطولة عاصي دايان ابن وزير الحرب السابق موشيه دايان). وقد حولته شبكة «هوم بوكس أوفيس» إلى عمل بعنوان «إن تريتمنت» (تحت العلاج)، وهو دراما سيكولوجية تسرد قصص طبيب نفسي مع مرضاه. لكنّ هذه الصناعة الإسرائيلية لم تبلغ «العالمية»، حقاً إلا حين عُرضت سلسلة «هوملاند» الشهيرة المقتبسة عن المسلسل الإسرائيلي «هاتوفيم» (أسرى حرب) والذي يحكي عن حياة ثلاثة أسرى لجيش العدو الإسرائيلي بعد استعادة اثنين منهم من «تنظيم إرهابي في لبنان» (المقاومة). وتتطرّق النسخة الأميركيّة من العمل، إلى حياة جندي أميركي بعد تحريره من تنظيم القاعدة خلال حرب العراق وعودته إلى بلاده، واشتباه عميلة في وكالة الاستخبارات الأميركية بكونه بات مخبراً للقاعدة.
أثارت النسخة العبرية من العمل جدلاً لكونها تطرّقت لموضوع يعتبر من المحرمات في الكيان الإسرائيلي وهو على وجه التحديد، ضعف الجندي الإسرائيلي. واتخذ العمل زاويةً سيكولوجية ورصد الصراعات التي يعيشها جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، عقب عودته من أسرٍ دام سبعة عشر عاماً مع إثارة لأسئلة حول إمكانية اندماجه في المجتمع من جديد. وعرض المسلسل في وقتٍ كانت المفاوضات جارية لإطلاق سراح جلعاد شاليط من قبل حركة «حماس».
أمّا النسخة الأميركية فتركّز على الإثارة والتشويق ولا عجب من أن تبلغ كلفة الحلقة الأولى من النسخة الأميركية ثمن موسمين من النسخة العبرية، بحسب كاتب العمل جدعون راف. وكما نتذكّر، فإنّ «هوملاند» أثار جدلاً كبيراً في الإعلام العربي، بسبب مقارباته السطحية لعالم ما بعد 11 أيلول 2001. كما أنّه يحتوي على كلّ التنميطات والأفكار الاستشراقية الكارهة للإسلام والعرب. ولقد تعرف الجمهور اللبناني إلى المسلسل الأميركي بشكلٍ واسع في تشرين الأول الماضي، حين انتشر مقطع منه على «يوتيوب» يظهر أحداثاً من المفترض أنها تجري في شارع الحمراء في بيروت، إلا أن المسلسل كان يصور الشارع بشكلٍ يتناقض وحقيقته، فيظهره بؤرةً للعنف ويجعله يشبه المناطق التي تحكمها المجموعات الإسلامية المتشددة.
هذا الأمر أثار حفيظة كثيرين وعلى رأسهم وزارة السياحة إذ توعّد الوزير فادي عبود آنذاك بملاحقة القيمين على العمل قانونياً لتشويههم صورة لبنان، إضافةً إلى تصوير هذه الحلقة في حيفا في فلسطين المحتلة. كما أن الحلقة نفسها تظهر عميلة الاستخبارات الأميركية، تلاحق عنصراً من «حزب الله» لعلاقته بتنظيم القاعدة. هنا يظهر الخلط العشوائي وقلة المعرفة بالمفرق بين الحزب اللبناني وتنظيم القاعدة... وكأن كل من تراه الولايات المتحدة عدواً هو تابع لمنظمة واحدة.
لائحة الأعمال الأميركية المقتبسة عن أخرى إسرائيلية لن تتوقف هنا، إذ إن تجربة «هوملاند» حثت الكثير من شركات الإنتاج والتلفزيونات الأميركية لشراء الأعمال العبرية. على سبيل المثال اشترت شبكة «سي بي سي» مسلسل «شالوش» (ثلاثة) العبري بعد شهرٍ من نيل «هوملاند» جائزة «غولدن غلوب».
وللعرب كذلك حصتهم من الأعمال العبرية التلفزيونية، إذ عرضت قناة 33 الناطقة بالعربية في التلفزيون الإسرائيلي، مسلسلات موجهة إلى العرب في الأراضي المحتلة، لكن طبعاً بالأسلوب الدعائي الإسرائيلي. وأشهر تلك المسلسلات «شغل عرب» الذي استمر لثلاثة مواسم والرابع قيد التحضير. المسلسل يحكي قصة كوميدية عن عربي يحاول «أن يندمج في المجتمع اليهودي بكل الطرق»، كما تعرّف عنه مواقع الكترونية. إلا أنّ المسلسل يبتعد عن الفكاهة ليصبح عنصرية مقلوبة تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. خصوصاً وأن كاتب العمل سيد قاشوع هو صحافي عربي، غير أنه فاز بجائزة «رئيس الحكومة الإسرائيلية للكتّاب الشباب العبريين» العام 2005، حين شغل أرييل شارون المنصب.
في الآونة الأخيرة، تساءلت الصحافة الغربية إذا كانت «إسرائيل» هي «أرض الميعاد للمسلسلات التلفزيونية» لكثرة انتشار هذه الأعمال، واصفةً قطاعها الدرامي بالـ«مبتكر غير المكلف». لكن فات الإعلام الغربي أن يشير إلى أنّ كل تلك الأعمال العبرية هي جزءٌ من أجهزة الدعاية الإسرائيلية. فمعظم تلك الأعمال من إنتاج الحكومة الإسرائيلية، وهي تتمحور حول الحرب والأعمال العسكرية (مثلاً مسلسل «عواميد الدخان» الذي تجري أحداثه في الجولان المحتل) إضافةً إلى العداء للعرب تحت عنوان «العداء للإرهاب». أما الأعمال الاجتماعيّة فلا تفعل إلا تكريس عادات المجتمع الإسرائيلي، وطقوسه الدينية اليهودية.
جوي سليم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد