«إذا اللبـاس كلـو تغيّـر.. الجيبـة مـا رح تتغيّـر»
بدا أبو عبدو وسيماً بزيّه الجديد، وهو ينظم السير على مفترق طرق في حي راق في العاصمة دمشق. مسدس وضع في جعبة سوداء على خصره الأيمن، بنطال رمادي اللون، قميص أبيض زينته «كتّافيات» صفراء، فيما أضفت جزمة سوداء بعض الجدّية عل مظهره. أمّا القبعة ذات اللون الخاكي، فهي الشيء الوحيد الذي بقي، ليذكر بزيّ الشرطة القديم.
من على الطرف الآخر للشارع، صاح أحد المارة ممازحاً، وبصوت سمعه معظم من في الشارع: «مبروك مبروك.. صاير متل الملاك الأبيض».
وسامة أحمد السيوف، أو أبو عبدو، المستجدة، لم تعكرها تعليقات المارة الساخرة والجارحة في معظم الأحيان، فاكتفى بابتسامة هادئة، تنمّ عن عدم اكتراث.
مسلسل المضايقات لم يتوقف عند هذا الحد، فسرعان ما دوت قهقهة عالية من أحد السائقين، وقد خرج نصف جسمه من شباك «السرفيس»، قرب إشارة المرور، حيث يقف أبو عبدو، ثم خاطبه بجرأة توحي بأنهما يعرفان بعضهما بعضا منذ زمن: «صحيح اللباس أبيض.. بس النفوس من جوا سودا».
هنا تتبدد وسامة أبي عبدو، يبتسم بمرارة، يصمت للحظة، ثم يقول: «مفكرين كل الشرطة حراميّة، يا أخي في ناس عندها ضمير.. الله وكيلك».
رغم كل هذه التعليقات المبطنة، يلاحظ أبو عبدو أن الناس بدأت تشعر، و«لأول مرة»، أن الشرطي مواطن مدني «متلنا متلو»، فاللون الأبيض «لون مفرح للنفس»، بينما اللون العسكري القديم «له هيبة».
إلا أن محمد الذي ينظم السير أمام إحدى السفارات، غير راض عن تغيير زيّه الجديد، فهو سرعان ما سيتسخ، خاصة أنه يقف نحو تسع ساعات يومياً في «عز دين الشمس»، كما يقول، ثم إنه يعيش بمفرده و«لا يجد من يغسل له الثياب يوميا». كما أن محمد لم تعجبه الكتافيات الصفراء: «هل نحن شرطة أم طلاب في مدرسة..!».
محمد المهموم بزيادة الراتب الذي لا يكفي لسداد إيجار منزله و«حق الدخانات»، يبرر ما يصدر عن الناس من اتهامات لعناصر الشرطة: «الناس لديها حق عندما تنظر إلى الشرطة كما تنظر إلى اللص». يصمت قليلاً قبل أن يضيف: «شلون الواحد ما بدو ياخد مصاري بهيك ظروف»، يقولها كأنما يبرر لنفسه أيضاً: «أنا بالنسبة إلي ما بفرض على حدا يدفع .. اللي بيحب يعطيني ما بقلو لأ».
في شارع آخر يقع في منطقة شعبية، يطلق أنور الحمودي، سائق «التاكسي»، نكاته من دون حرج أو خشية. يقول متهكماً: «إذا اللباس كلو تغير الجيبة ما رح تتغير». ثم يتابع بشيء من الجدّية: «بتمنى يتحسن سلوك الشرطة ويتعاملوا معنا باحترام أكتر، وأهم شي يبطلوا ياخدوا ميات الليرات (السورية) ع الطالعة والنازلة».
زيّ الشرطة القديم، ذو اللون الزيتي العسكري المعروف بـ«الخاكي»، ارتبط بالفساد والرشوة في ذهن المواطن السوري، عن شرطي المرور والشرطة عموماً، لذا تحاول وزارة الداخلية تغيير هذه الصورة السلبية من خلال الزيّ الجديد.
لكن أنور لا يرى أن الزيّ الجديد لعناصر شرطة المرور والجوازات، سيغير نظرة المجتمع إلى رجل الشرطة، كما تهدف إدارة المرور، «فلا بد أن تتحسن أوضاع الشرطي المادية قبل تغير لون ثيابه، وحتى قبل تعميم التجربة على بقية المحافظات السورية الأخرى».
ويختم أنور ممازحاً، وكأنه غير مقتنع بما تحدث عنه: «بدك الكلام المزبوط.. صح الشرطي بيرتشي، بس ما بخوف متل غير ناس..!».
عمر عبد اللطيف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد