«أوضة سورية» ..اغتراب الفرد عن واقعه

01-02-2009

«أوضة سورية» ..اغتراب الفرد عن واقعه

يتحدث عرض أوضة سورية للمخرجة علا الخطيب عن معاناة زوجين شابين من ضيق الحال وصعوبات الحياة، بعد أن تزوجا ضد رغبة ذويهما، ما أدى الى تخلي الأهل عنهما.

وتركهما يواجهان أهوال الحصول على لقمة العيش. فحاضرهما المأزوم هذا قد حوّلهما الى شخصين حالمين يسكنان الماضي، وتداعبهما رغبات غير مشبعة تجاه المستقبل. ولكن ثمة شروخ بدأت تعلن عن نفسها متحدية العاطفة المتأججة لأحدهما تجاه الآخر، فالزوج ـ سعد الغفري، يفقد الثقة بنفسه وبزوجته المخلصة ـ كوزيت حداد. فما يعانيه من سوء الطالع يجعله يشك برغبتها على الاستمرار بهذا الزواج المتعثّر والخائب، لأن ضغوط الحاجة والفاقة هي أكبر من أن يتحملها شبابه الغض المحروم من التعاطف الإنساني في مجتمع لا يعترف إلا بلغة المصالح، حيث لا وطن للفقير في وطنه، ولا عزاء لمن يفقد العون أو المساعدة إنها قضية اغتراب إذاً، وهذا الاغتراب يلج الى ذواتنا ويستوطن في خرائبها بعد أن ينال منها الوهن ما يناله. ولكنه اغتراب يناقض مفهومه، لأن التناقض الرئيسي لدى الزوجين في عرض «أوضة سورية»، هو في عدم قدرتهما على العيش بكرامة، أي الفقر هو مشكلتهما الكبرى مع العلم أن العرض لم يقدّم أسباباً مقنعة لبقاء الزوجة الشابة في المنزل، رغم قدرتها على العمل، ما يخلق إمكانية لتحسين وضعهما المعيشي. 
 أما التناقض الثانوي في العرض فهو يقدّم نفسه في تجربة زواج تعاني من تعقيدات كثيرة، أهمها ما تواضع عليه المجتمع من مسبقات يصعب تجاوزها دون ثمن، والمقصود هنا اقتران رجل بامرأة لا تنتمي الى دينه. ونحن هنا أمام تناقضين لا رابط منطقياً بينهما، أي ليسا سبباً ونتيجة، فالواقع الموضوعي الذي عبّر الزوجان عن حقيقته من خلال صعوبة إيجاد منزل بأجر رخيص يتناسب مع دخلهما المتواضع، بسبب اضطرارهما لترك الغرفة التي يسكنانها، إضافة الى نمط العلاقات الاجتماعية الفاسدة أخلاقياً التي يجب أن يتعاملا بها كشرط أساسي لتحسن وضعهما المادي، ونلمس هذا الأمر من خلال تذكرهما لمشهد السهرة التي دعاهما إليها أحد الأصدقاء، وفي هذه الأمسية يستدلان على الطرق المثلىِ لجلب المزيد من النقود، بالطبع هي طرق ملتوية ولا إنسانية. ‏

وفي النهاية يحدث الشقاق بينهما ويفترقان، حيث يفشل الحب في إنقاذ زواجهما من الفشل، فالزوج العاجز عن الإيفاء بوعوده بحياة رغيدة يسكنه الشك بحبيبته وأخلاقها، معتبراً أن ظرفهما الصعب قد يجعل منها زوجة خائنة. لقد سعت المخرجة الى كسر تلك الواقعية الفجة والمأساوية بعدة طرق، منها استخدامها للهجة السورية المحكية، ما منح الممثلين القدرة على التعبير عن تفاصيل الحياة اليومية بمرجعياتها العديدة، وإمكانية ارتجال مواقف ساخرة تجاه واقعهما المأساوي. يضاف الى ذلك عدم الالتزام بمكان واقعي وابتكار شكل غرفة خاصة يمكن تحريكها دائرياً حسب الحاجة، أما الجدران فهي غير ثابتة ويمكن لها أن تنفرج بطريقة عرضانية للإفادة منها في تغيير المكان أو الحدث، حيث يشتمل نص «أوضة سورية» على السرد من خلال استحضار الزوجين للأحداث التي واجهتهما في ماضي علاقتهما، بينما تعلن الدراما عن نفسها هنا من خلال مجريات الحدث المتصاعد بين الشخصين في المكان ذاته وهو غرفتهما الضيقة، والزمان ذاته عبر تكثيف المواقف واختزال الحالة الدرامية بزمن العرض دون انقطاعات أو نقلات في زمن الأحداث. 
 وهذه التقنية في الإعداد تنسجم مع روحية الرؤية أو وجهة النظر المقدمة ضمن العمل ككل والتي تركز اهتمامها على واقع جيل الشباب ومعاناته. ‏

 

‏ ماهر جلو

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...