الحقيقة السورية
مؤلم الاعتراف بأن ما يجري في سوريا لم يعد يشبه أي انتفاضة شعبية، بل هو يشبه حربا أهلية، لا يمكن إنكارها أو تمويهها بأنها ثورة شعب على نظام، أو قمع نظام لشعب. فقد انحدرت الغالبية العظمى من الأشقاء السوريين، الى هوياتهم الدينية القاتلة، بسرعة مذهلة، وبطريقة لا تخلو من المفاجأة حتى بالنسبة الى أقرب الناس اليهم، اللبنانيين.
منذ اللحظة الاولى لانفجار الصراع، في منتصف آذار الماضي، كان مدوياً، وبشعاً في آن، الشعار والهتاف والسلوك الطائفي المتبادل، بما يتخطى الحالة الليبية أو اليمنية أو البحرينية. فجأة تبين أن السوريين جميعا يعيشون على كره وحقد أكبر بكثير مما كان يحاول النظام ان ينفي، ومما كان الشارع يفصح. وفجأة ايضا ارتسمت خطوط تماس داخل المدن والبلدات والقرى، كان يعتقد أنها حكر على اللبنانيين وحدهم، وخلاصة تراثهم وتقاليدهم.. فإذا هي لعنة تحل اليوم على سوريا، وتسقط جميع الاقنعة القومية والوطنية والاسلامية التي ارتداها النظام والشعب طوال العقود الاربعة الماضية.
ما يُحكى عن الفصل الطائفي والمذهبي الحاصل هذه الايام بين الاشقاء السوريين، لم يعد حالة استثنائية تقتصر على بعض مناطق الاشتباك والتوتر، التي كانت حتى الامس القريب مناطق تعايش واختلاط وتصاهر، وهو يفوق بخطورته كل ما تنقله وسائل الاعلام مهذباً ومغلفاً بالسياسة، وما يتسلل في بعض الاحيان عبر الشاشات ذات البث المباشر، يتعدى كل ما يمكن ان يخطر في البال.. وهو لا يعيد الى الاذهان سوى تلك الصور اللبنانية البشعة عن ذرى الحرب الاهلية، التي يحاول اللبنانيون شطبها من الذاكرة من دون جدوى، لكنها لا تنفك تعود اليهم عند كل مفترق سياسي أو أمني، أو حتى رياضي.
أي تجاهل لتلك الحقيقة السورية المرة، لا يخدم إلا في إطالة أمدها، وفي إفساح المجال لأسوأ ما يمكن أن تنتجه كل حرب أهلية، من الرغبة الدفينة بالاستئصال والتصفية الكاملة للآخر، الى الحاجة لاستنفار البيئة الطائفية الخاصة بخطابات تجعل التسوية الوطنية مستحيلة، مع كل ما يستتبع ذلك من عمليات تطهير متبادلة للجغرافيا، بحيث يصبح لبنان أو العراق هما النموذج الوحيد المتاح، الذي تمهد له أنهار غزيرة من الدماء والدموع، على أنّ ما هو حاصل في ليبيا واليمن، اللذين باتا يتقدمان على سوريا في أن ثمة لغة سياسية متبادلة وثمة خطة سياسية محددة، هما على تواضعهما وتعثرهما أفضل بكثير من الانحطاط أو الفراغ السوري المزدوج، على مستوى النظام الذي لا يزال ينتظر دراسة اللجان النيابية لمشاريعه الاصلاحية، وعلى مستوى المعارضة التي لم تتشكل حتى الآن لا في جبهة ولا في ائتلاف ولا في تيار.. أو على مستوى الوسيط الخارجي العربي أو التركي الذي يمكن ان يتدخل في لحظة ما ويجمع الفرقاء السوريين حول طاولة واحدة!
قبل أيام انعقدت في موسكو ندوة لخبراء روس في الشؤون العربية، معظمهم اكتسب خبرته من الحقبة السوفياتية، انتهت الى خلاصة مرعبة في دقتها، هي ان الثورات العربية، يمكن ان تستغرق عشرات السنين، بعكس أوروبا الشرقية التي غادرت الاتحاد السوفياتي بثورات مخملية نموذجية وخاطفة!
ساطع نور الدين
المصدر: السفير
التعليقات
إن هذا المقال قائم على
إن هذا المقال قائم على
تلفيق جملة و تفصيلاً
الحقيقة السورية
مأجور
تحليل لبناني بامتياز
إضافة تعليق جديد