أحلامهم بدأت بشهادة عليا سرعان ما تنازل عنها البعض مع اقرب منصب
حملت السنوات الماضية في طياتها الكثير من التجارب حول اختيار المرشحين لشغل المناصب الحكومية ، فما أن يثار الحديث عن قرب إجراء تغيير في الوظائف الحكومية حتى تبدأ حمى التساؤلات والنقاشات إزاء الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه في هذا المنصب القيادي أو ذاك ، وبموازاة ذلك بدا أن ثمة توجهاً حكومياً للاستعانة بأساتذة الجامعات لشغل المناصب الحكومية في الوزارات والشركات والمؤسسات وبدا هذا التوجه مدعوماً - حسب رأي البعض - بقلة خبرة الكوادر في القطاع العام والتي رغم إتقان بعضها للخبرة العملية والفنية إلا أنها لا تزال غير ناضجة بعد لاستلام زمام المنصب نظراً لضعف مؤهلاتها الإدارية والقيادية .
غير أن رأياً كالذي سلف أثار ولا شك حفيظة الكثير من الكوادر العاملة في القطاع العام فهؤلاء يعتبرون أن إسناد المنصب للوافد الأكاديمي هو إجحاف بحقهم خاصة إذا كانت الحجة نقصاً في خبرات القطاع العام ، فهذه الكوادر ترى أنها الأقدر على التعاطي مع مشاكل هذا القطاع وحلها لذلك لابد من إسناد المناصب لها،وهي التي راكمت خبرات خلال سنوات عملها.
- ما يجدر قوله في البداية إن مسالة ندب أو إعارة أساتذة الجامعات لشغل المناصب الوظيفية ليست مقتصرة على دولة دون غيرها بل هي موجودة في كل دول العالم لاعتبارات يتصدرها الخبرة الأكاديمية للأستاذ الجامعي والتي يمكن توظيفها بالشكل الأمثل في مجال العمل الإداري وهي مسالة أجازتها كل قوانين العمل في هذه الدول وفي هذا السياق فقد أجاز قانون تنظيم الجامعات السورية ( رقم 6 ) لعام 2006 ندب وإعارة أعضاء هيئة التدريس إلى الوظائف الحكومية في الدولة واعتبر انه : يكون الحد الأقصى لمدة الندب الكلي أو الجزئي أو لكليهما معاً، لعضو هيئة التدريس للقيام بعمل وظيفة عامة ست سنوات.
وانه يجوز لعضو هيئة التدريس المندب جزئياً أن يستمر بالتدريس في جامعته وفقاً لما يأتي:
ست ساعات أسبوعياً على الأقل إذا كان مدرساً.
خمس ساعات أسبوعياً على الأقل إذا كان أستاذاً مساعداً.
أربع ساعات أسبوعياً على الأقل إذا كان أستاذاً.
كما يستمر بالإضافة إلى ذلك بالاضطلاع، في جامعته، بواجباته المترتبة على ذلك .
وأشارت المادة 53-من القانون انه لاتحسب مدة الندب الكلي لغير الجامعات أو المعاهد العليا في الجمهورية العربية السورية في عداد المدة اللازمة لتعيين عضو هيئة تعليمية في وظيفة تعليمية أعلى .
ورأت المادة 80- أنه مع مراعاة أحكام المادة /48/ من قانون البعثات العلمية رقم /20/ لعام 2004 يجوز نقل عضو الهيئة التدريسية إلى وظيفة عامة بقرار من الجهة المنقول اليها بعد اخذ رأي جامعته وموافقة مجلس التعليم العالي.
وأوضحت المادة 81- أ : يجوز ندب عضو الهيئة التدريسية جزئياً او كلياً لمدة محدودة من جامعة إلى أخرى داخل الجمهورية العربية السورية او للقيام بعمل وظيفة عامة بقرار من الجهة المندب إليها ، وذلك بعد موافقة مجلس الجامعة وبعد اخذ رأي مجلسي الكلية والقسم.
واعتبرت الفقرة ب : يحتفظ المندب جزئياً براتبه وتعويضاته بما فيها تعويض التفرغ وتعويض التفرغ الإضافي.وجاء في الفقرة ج : تتحمل الجهة العامة المندب إليها ندباً كلياً راتبه وتعويضاته وفقاً للأحكام النافذة لديها.
- إذاً الأمر جائز قانوناً لكن ذلك لم يمنع البعض - كوادر القطاع العام - من التشكيك في جدوى هذه المسالة معتبرين أنهم أحق بها وهذا ما أشار إليه احدهم ( فضل عدم ذكر اسمه ) بقوله إن تعيين أستاذ جامعي لشغل منصب قيادي في أي وزارة او مؤسسة هو أمر وارد ومقبول في حال كان اختصاص الشخص المندب لهذا المنصب يتناسب مع طبيعة العمل المندب إليه فهنا يستطيع الأستاذ الجامعي أن ينجح في مهمته وان يكسب ود وثقة من حوله على أساس أن " من يفهم باختصاصه يرتاح ويريح " وهناك الكثير من النماذج التي بات يشار إليها بالبنان في هذا المجال والتي استطاعت ان تترك بصمة واضحة خلال فترة إدارتها للمؤسسة فتكللت مهمتها بالنجاح والتوفيق . ولكن بالمقابل - يضيف - ان من أساتذة الجامعات المندبين من لا علاقة لاختصاصه الجامعي بالعمل الموكل إليه وهنا يقع المحظور وتكون الحصيلة على شكل نتائج سلبية في علاقات العمل وآلياته وجودة المنتج إذا كانت المؤسسة إنتاجية او جودة الأداء إذا كانت مؤسسة إدارية. ويرى المصدر انه يجب البحث عن الخامات المتميزة في القطاع العام وإتاحة الفرصة لها للظهور والتميز والاستفادة من خبرات عملها خاصة أنها الأعرف بمجال عملها والأقدر على مجاراته أو كما يقال " أهل مكة أدرى بشعابها " وكوادر القطاع العام أدرى بمشاكل قطاعها وأقدر على حلها من أي وافد حتى ولو كان أستاذاً جامعياً .
ويتساءل : إذا بقي إسناد جزء كبير من المناصب لأساتذة الجامعات فمن سيخرج كفاءات القطاع العام المهملة في المؤسسات إلى دائرة الضوء ثم ما فائدة التدريب والتأهيل لهذه الكوادر إذا لم يتسن للآخرين الاستفادة منها ، ويلفت إلى انه في الغالب ثمة شعور لدى كوادر القطاع العام أن اختيار القياديين سيكون على أساس الخبرة والمعرفة بأمور العمل، ما يشجعهم على التنافس لزيادة المؤهلات المطلوبة والإقبال على التدريب عن طريق الدورات التدريبية التي يصرف عليها مبالغ طائلة داخلياً وخارجياً او بالجهد الشخصي ، ولكن بعد كل هذا يصاب هؤلاء بخيبة الأمل وهم يرون ان المنصب تجاوز كل مؤهلاتهم وخبراتهم وقفز عليها ليحط رحاله في الجامعات .
- الهيئة التدريسية تنظر للأمر من وجهة نظر اعتبرها البعض أنها تندرج تحت ما يسمى ربط الجامعة بالمجتمع وهنا يشير الدكتور راكان رزوق معاون رئيس جامعة دمشق لشؤون البحث العلمي إلى أن إعارة الأستاذ الجامعي لشغل الوظيفة الحكومية يندرج تحت مبدأ ربط الجامعة بالمجتمع فلأفراد الأخير الحق بالاستفادة من الخبرات التي راكمها الأستاذ الجامعي خلال سنوات تدريسه واعتبر ان الأمر ليس اختراعاً سورياً بل موجود في كل دول العالم .
ورغم تأييده للأمر يشير رزوق إلى أن - من وجهة نظره الشخصية - صوابية شغل الأستاذ الجامعي للوظيفة العامة مرهون بمدى الفائدة التي حققتها المؤسسة أو الوزارة أثناء شغل هذا الأستاذ لإدارتها فهناك العديد من النماذج التي استطاعت ان تترك أثراً يحتذى به وبالمقابل لم يستطع البعض ردم الهوة بين النظرية والتطبيق فلم يضيفوا إلى وظائفهم أي جديد .
ويضيف رزوق ان من ايجابيات الأمر أيضاً انه ينعكس إيجاباً على أداء الأستاذ الجامعي بعد انتهاء مدة ندبه او إعارته وعودته للتدريس في الجامعة ففي هذه الحالة يكون الأستاذ الجامعي قد راكم طوال سنوات ندبه خبرة عملية يستفيد منها في التدريس كأن يستشهد لطلابه بنماذج عملية من ارض الواقع أو من وحي مهامه أثناء شغله للوظيفة ما يساعدهم على الدخول في الحياة العملية بشكل أسرع بعد التخرج .
وفيما يتعلق بانقطاع الأستاذ الجامعي عن التدريس وبالتالي تعرضه لنسيان كثير من خبراته التدريسية خلال مدة ندبه أشار رزوق إلى أن الأمر لن يصل إلى هذا الحد فالكثير من أساتذة الجامعات المندبين لم يتخلوا عن التدريس وواصلوا محاضراتهم الجامعية وان بعدد ساعات اقل ومنهم - حسب رزوق - من يتساعد مع زميل له في الجامعة على تقاسم المحاضرات وهناك من يتخصص بالتدريس لطلاب الدراسات العليا دون غيرها أو للإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه وبذلك يكون قد ضمن التواصل بين منصبه الإداري الجديد ، و عمله الأساسي كأستاذ جامعي .
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما قاله الدكتور محمد فائد حاج حسن مدير شؤون الهيئة التعليمية في وزارة التعليم العالي والذي اعتبر انه من البديهي أن يكون الأستاذ الجامعي قادراً على إدارة المنصب الوظيفي بل النجاح فيه ، على اعتبار أن الإدارة والقيادة هي فن وعلم معاً وهي مواصفات يتقنها الأستاذ الجامعي ولكن هذا النجاح يتطلب تعاوناً بين المدير ( الأستاذ الجامعي ) ، و كوادر المؤسسة العاملة معه وعليه ( المدير ) أن يتعامل بايجابية مع حساسية هذا الكادر مع كل وافد أكاديمي للمنصب وان يكون مدركاً أن هذا الكادر هو أساس نجاح العمل لذلك فالتعالي عليه وتهميشه قد يؤدي إلى فشل الأستاذ الجامعي في مهمته ووظيفته الجديدة .
- نشير في هذا السياق إلى أرقام تقريبية لواقع الاستعانة بأساتذة الجامعات في الوظائف الحكومية ( مديرون - مستشارون - معاونو وزراء - وزراء ) وندلل على ذلك بمقالة الزميل زياد غصن في مجلة ابيض واسود ( العدد 229 ) حيث أشار إلى انه ووفقاً للتركيبة الحكومية القائمة حالياً فإن هناك ما يقرب من 35 % من الوزراء ينتمون إلى سلك عمل التدريس الجامعي أو بمعنى آخر هم كانوا (أساتذة جامعة) ويضاف إليهم نحو 12.9 % تقريباً يحملون شهادات دكتوراه لكنهم كانوا سابقاً يشغلون مناصب أخرى.
أرقام الزميل غصن تتقاطع في جزء كبير منها مع مسألة أخرى في غاية الأهمية وهي النزيف الحاصل في الكادر التدريسي الذي يسعى جاهداً إلى تحسين وضعه المادي عبر التعاقد الداخلي والخارجي أو الندب والإعارة ما قد يسبب نقصاً حاداً في أساتذة بعض الكليات ولعل من المفيد هنا الاستئناس بما أورده تقرير التنمية البشرية والذي لفت إلى ارتفاع في عدد خريجي دبلومات الدراسات العليا إلا أنه أعرب عن اعتقاده أن أسبابه" وظيفية وليس لأسباب البحث العلمي" مشيراً إلى أن معدل تخريج سورية للدكتوراه قد تراجع في عام 2003 إلى(11.2%) بعد أن كان في عام 2000 حوالي(14%) محذراً من النزيف الكبير في حجم طالبي الاستيداع والندب والإعارة لأهم عقولنا بين الأساتذة الجامعيين وقال التقرير "إن 30% من خيرة أساتذتنا في الجامعات ينزفون منها" لافتا إلى أن 20 خريجا من أصل مئة موفد لمتابعة الدكتوراه في البلدان الغربية يعودون فقط والسبب كما يرى التقرير"المشكل المادي".
الدكتور محمد فائد حاج حسن نفى أن يكون ندب الأستاذ الجامعي أو إعارته للقطاع الحكومي سبباً في حدوث نقص في الكادر التدريسي واعتبر أن هناك فائضاً في أساتذة الجامعات في بعض الكليات يمكن أن تغطي النقص إن حصل هذا إضافة إلى زيادة أعداد المعيدين في الأقسام التي يحصل فيها بعض النقص جراء التعاقد او الندب او الإعارة ، أما أصحاب الاختصاصات الفريدة - والكلام لحاج حسن - فلا يجري إعارتهم اذا كانت أقسامهم بحاجة إلى اختصاصاتهم .
ولكن رغم ذلك يبدي حاج حسن بعض الملاحظات على ندب الأستاذ الجامعي فمن وجهة نظره الشخصية يعتبرأن مدة ست سنوات هي مدة طويلة لانقطاع الأخير عن طلابه وبحثه العلمي فالعمل الأكاديمي هو بالأساس احتكاك بين الأستاذ وطالبه وهذا يتنافى مع العمل الوظيفي ، ويستدرك حاج حسن بالقول إن الأمر يمكن تفاديه عبر استمرار الأستاذ بالتدريس وإن بحجم محاضرات أقل وهذا ما يجعله على تواصل مع أبحاثه وطلابه .
عمار الصبح
المصدر: مجلة المال
التعليقات
ابتسم أنت في سورية
في بلدي سورية
ليس في سورية فقط
ويسألون لماذا
ما هذا المنطق الغريب؟
أحلامهم بدأت
إضافة تعليق جديد