السوريون والتدفئة مازوت أسعار نار وشحار
الجمل ـ حلب ـ باسل ديوب : مع بداية موسم الشتاء يبدأ سعي الأسر السورية لتدبر أمر التدفئة، البيئات السورية متنوعة بشكل مذهل فمن المناخ الساحلي الدافئ نسبياً، إلى بيئة الجبال الباردة، إلى الداخل الجاف.
لا تتنوع الوسائل بتعدد البيئات فحسب، بل يلعب التفاوت الطبقي والاجتماعي دوراً كذلك في تنوع مصادر وطرق الحصول على الدفء، وإن كانت صوبيا المازوت لا تزال أم الدفا والعفا، فإن طرقاً أخرى تراثية، أو محلية تنضم إلى أخرى حداثية في تزويد البيوت السورية بالحرارة خلال فصل الشتاء البارد ، حتى أن تعويضات العمال، والموظفين السوريين،ما تزال تضم في مقدمتها تعويض التدفئة الذي يبلغ 870 ليرة سورية ،والذي تعتريه زيادة دورية كلما قررت الحكومة رفع أسعار المازوت الذي يشكل المادة الأساسية في التدفئة.
نزداد شباباً
و الصوبيا هي وسيلة التدفئة رقم واحد في سورية، يلتف حولها المواطنون أكثر من التفافهم حول حكومتهم وخططها الإصلاحية المتعثرة ، ومع بداية موسم البرد بين تشرين الأول، وكانون الأول، حسب المنطقة ينشغل السوريون بما يسمونه " تركيب الصوبيات " ويغدو مشهد رب الأسرة وهو يحمل " صوبيا " أو " بوري " أو " كوع " أو " تي " وهي التسميات المحلية لتجهيزات الصوبيا ، مألوفاً جداً ، وتتنوع مستويات، وتقنيات صوبيا المازوت من شكلها الأكثر بدائية، وتوفيراً في المواد، والتي يبلغ ثمنها 600 ليرة إلى التي يعتمد تشغيلها على الكهرباء، وتوفر احتراقاً شبه كامل للمازوت ويمكنها تدفئة منزل صغير .
ولكل نوعية مشاكلها، فالصوبيات الأقل استهلاكاً للوقود، وبالتالي الأقل إصداراً للحرارة كثيراُ ما تدفع دخانها إلى البيت بدلاً من الأعلى لعدة أسباب، وهذا ما يعني تعايشاً رهيباً مع دخان المازوت الذي لم يتم احتراقه، وعدة طلعات إلى سطح البناء لمعاينة اتجاه الريح ، و تغيير المنفذ بحسب الاتجاه ، وكثيراً ما " تنفـُض " الصوبيا بوجه مشغلها أو بشكل فجائي تبعاً لحالة الريح في الخارج، وهذا يعني تطاير الهباب والدخان منها باتجاه بابها و انتشاره على أرض الغرفة بما تحويه من فرش أو ثياب أو غير ذلك، ويصبح الأمر كارثياً فيما لو كانت ربة المنزل تعتمد على حرارة الصوبيا في تنشيف الملابس.
"نفض" الصوبيات
مع أول مطرة باردة يسارع السوريون لتركيب صوبياتهم بعد " نفضها " ، ونفض الصوبيا يعني إجراء صيانة شاملة لها ،تنظيفها، وفتح ثقوب الهواء فيها ،وإزالة طبقة هباب الفحم المتيبسة، والملتصقة بـ "الفرن " تتجمع الصوبيات أمام محل " أبو أحمد " مسبّع الكارات في حي الميدان في حلب ، من الطيور الملونة إلى الصوبيات إلى الدلالة العقارية ، كل هذه المهن تتجمع في محله وفي شخصه ، نفض الصوبيا يكلف ما بين 100 – 500 ليرة حسب نوعيتها وقيمتها ، قطع الغيار تؤمن فوراً ، وشهري الخريف قبيل الكوانين تجعله يعمل 20 ساعة في اليوم .
يتردد "فادي " القادم من الجزيرة للسكن في بيت مستأجر بين استعمال الصوبيا الموجودة في سقيفة المنزل وبين استخدام مدفأة كهربائية ، يحزم أمره، و يقرر تركيب الصوبيا، لكنه سرعان ما يتراجع فور إنزال البوراي التي تطاير منها هباب الفحم المتراكم فيها و انهال على ثيابه وأرض المنزل ، فالطالب المستأجر قبله لم ينظفها ، " الشحار " الذي ملأ الممر جعله يتراجع فهو قد خشي من تكرار مشهد " الشحار " مع كل هبة هواء ، وفي النهاية اشترى مشعاً كهربائياً مستعملاً طاقته 300 كيلو واط . " لا أعرف كم ستكون فاتورة الكهرباء لكن صوبيا المازوت مرهقة جداً ، وفي حال حصول انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، كما حصل في الصيف الماضي فسأركب الصوبيا "
" بشرى " طالبة الحقوق والوحيدة لأمها الأرملة لا تنتظر مساعدة أحد من الجيران والأقارب " ركبت الصوبيا بنفسي كما أفعل في كل عام ، ليس ذلك سهلا ً ، كثير من الشباب لا يستطيعون تركيب صوبيا، وتشغيلها بشكل جيد ، في العام الماضي لم أنظفها فور فكها ، لكني دفعت الفرق الآن "
بينما قرر "أبوياسين " وهو بقال أن يستبدل كل صوبيات وبواري المنزل القديمة بأخرى جديدة " كلفني ذلك كما رأيت ، 6800 ليرة ، في كل عام أعبى ء خزان المازوت سعة 4 براميل مرتين يعني أدفع ثمن المازوت حوالي 11 ألف ليرة "
المازوت للأشقاء
ربما لم يتبق من اشتراك اللبنانيين مع السوريين فيما كان يسمى وحدة المسار و المصير بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان ،سوى استهلاك المازوت " السوري "معاً ..
تستورد سورية حاجتها وحاجة بعض الأشقاء اللبنانيين وبالأخص من أبناء المناطق الحدودية ، و تشهد هذه المناطق الحدودية بين البلدين حالات مبتكرة من أساليب تهريب المازوت فمن نقل المازوت في عبوات بلاستيكية سعة 50 ليتر على ظهور البغال والحمير، إلى مد الخراطيم عبر عدة كيلومترات أحياناً لتهريب مئات آلاف الليترات ، الإجراءات المشددة التي تتخذها الحكومة لكبح التهريب جعلت الأزمة خانقة في المناطق الحدودية بالنسبة للمستهلك السوري ، لكن التهريب ما زال مستمراً !!
ثلاثة ملايين طن من المازوت تستهلكها سورية سنوياً ، ومع نهاية كل فصل شتاء تسري الشائعات باقتراب أوان رفع سعر المازوت، إلا أن أوضاعاً معقدة يتداخل فيها الإقليمي بالداخلي تجعل من ذلك عسيراً على أي حكومة إصلاحية عتيدة، والحجة جاهزة السعر العالمي 35 ليرة لليتر الواحد بينما يباع " مدعوماً " بسبع ليرات لكن في نفس الوقت كلفة ليتر البنزين في المصافي السورية لا تتجاوز السبع ليرات بينما يباع بثلاثين ليرة .
بينما تقول التوقعات بأن سوريا ستستورد بين عامي 2005 – 2010 ما قيمته 14 مليار دولار من المازوت.
ورغم انخفاض سعره قياساً بالسوق الدولية فإن حصول المواطن السوري على المازوت هو ضرب من الإبداع ، إذ أصبح من المألوف في السنوات المنصرمة في بعض المدن السورية كحمص مثلاً أن تشاهد طابوراً من المواطنين من حاملي العبوات البلاستيكية بين 5 – 20 ليتر أمام محطات الوقود ، لا بل أحياناً ترى طفلاً أو طفلة تحمل " طاسة " الصوبيا مع " بيدون " البلاستيك في الطابور وهذا إن دل على شيء فهو يدل على بحبوحة مالية حلت على العائلة مكنتها من تعبئة "طاسة" الصوبيا وعلاوة عليها " بيدون " مازوت ليوم إضافي . ما يعني أن وقود التدفئة أصبح يؤمن يومياً كالخبز لدى شريحة واسعة من المواطنين ، بالتأكيد مشهد المواطنين هذا في محطات الوقود مشهد غير حضاري لكن قرار منع البيع للمواطن مباشرة لم يمنعهم من اللجوء إلى المحطات في أوقات الأزمة .
في بعض الأحياء الشعبية في حلب كالميدان والشيخ مقصود هنالك دكاكين تخصصت ببيع المازوت، وسعر الليتر فيها عشر ليرات ، معظم المشترين يحملون عبوات بلاستيكية بين 5 – 20 ليتر ،
دفء أقل !
في مدارس سورية مخصصات تدفئة تعتمد على عدد الوظائف القائمة في كل مدرسة وقد توالى تقليص الكمية من سنة لأخرى ،يضاف إلى ذلك تكرار حصول تأخيرات في توزيع القسائم على المدارس، ما يعني حرمان الطلاب من التدفئة لفترات متفاوتة ، اذ يوزع مخصص قدره 100 ليتر لكل وظيفة في الفصل الأول و 75 ليتر في الفصل الثاني قد تتقلص إلى 50 في بعض السنوات .
ورغم أن وزارة التربية تسعى جاهدة إلى تطوير أدائها التربوي والتعليمي، إلا أنها لم و لا تفكر في تطوير طريقة تزويد مدارسها بالحرارة ، كالاعتماد على الطاقة الشمسية أو أقله تجهيزها بشوفاج مركزي ، فرغم أن مدارس المدن السورية تتألف في معظمها من عشرات الغرف الصفية، إلا أن نسبة ضعيفة منها ،ولا تكاد تذكر مجهزة بشبكة تكييف مركزية " شوفاج " ولا تزال بمعظمها تعتمد على الصوبيا ، وما يعنيه ذلك من هدر للمازوت، وإرهاق للمعلم والتلاميذ ، وتزدهي المدارس السورية بمشاهد لا يمكن تخيلها في غير بلادنا ففي المدارس الريفية من المألوف جداً أن تجد كومة تراب أسفل الصوبيا لمنع المازوت المتسرب منها من الانتشار ، وفي المدن تحل نشارة الخشب محل التراب ، وكثيراً ما يؤدي ذلك بوجود تلاميذ وطلبة لم يدخلوا يوماً إلى مخبر، ويتوقون لإجراء التجارب على عملية الاحتراق إلى إشعال النار فيها ، وما يسببه ذلك من اضطراب وإقلاق للعملية التربوية .
في حين تكاد تخلو مدارس الوزارة من جهاز إطفاء واحد !
حلم هل يتحقق ؟؟
أما في الريف والبادية فكثيراً ما يسعى المواطنون لتدبر أمر التدفئة بعيداً عن مازوت الدولة، في جرود الساحل يتم اختلاس الحطب من الأحراش والغابات لشريحتين الأولى مدقعة في فقرها ، والثانية يشكل وجود الموقد في قصورها طقس رفاهية، في حين لا يمكن للبدوي الذي "لا تركب" معه قصة وجود الصوبيا في خيمته ، ولا يمكنه العيش بدون أن تعبث عصاه في الجمر المتقد في موقده الترابي وسط الخيمة ، والطريف في الأمر أن الشجيرات الرعوية التي تنفق عشرات الملايين على زراعتها تتحول إلى حطب قليل الجدوى حرارياُ للتدفئة والطبخ .
مشكلة المازوت وما تتحمله خزينة الدولة ، تدفع الحكومة لبحث سبل التخلص من هذا العبء، ولهذا الأمر استقبلت شركة " محروقات " السورية وفداً من شركة " إكراش " التركية التي تزود ثلاثة ملايين ونصف المليون مشترك في مدينة إستنبول بالغاز عبر شبكة يبلغ طولها 1300كم ، ضم الوفد بعض المدراء والعاملين في مجالات الدعم الفني والتخطيط و التدريب و التسويق في الشركة التركية ، و ذاك كان وجه الضيف فلم يصدر أي شيء رسمي بهذا الاتجاه .
فكرة مد شبكة أنابيب غازية في المدن الكبرى قائمة ، و بانتظار تنفيذها يكون الغاز السوري قد بدأ بالنضوب كالنفط ، استخدام الغاز في التدفئة المنزلية عبر الشبكات مستخدم على نطاق واسع في أوربا، بينما لا تزال مدافىء الغاز في سورية تحصد المزيد من الضحايا نتيجة عدم الاحتراق الكامل الذي ينتج عنه غازات سامة أدت إلى هلاك أسر بأكملها أثناء النوم ، والحكومة ما تبرح تذكر بانخفاض سعر المازوت قياساً بالدول المجاورة تمهيداً لرفعه .
الجمل
التعليقات
المازوت
ذكرتني بسنوات
شيء
يمكن على
كتابتك يا جمل
أكرر :لازم
من أربع أيام
إضافة تعليق جديد