13 فيلماً عربياً في «مهرجان تورنتو».. واجهة للأحداث

12-09-2013

13 فيلماً عربياً في «مهرجان تورنتو».. واجهة للأحداث

يستدعي الرقم تأمّلاً بأحوال بيئة جغرافية وثقافية. «مهرجان تورنتو السينمائي الدولي» يستضيف، في دورته الـ38 (5 ـ 15 أيلول 2013)، 13 فيلماً عربياً أُنتجت مؤخّراً. الرقم دافعٌ إلى قراءة اللحظة، خصوصاً أن أفلاماً عدّة تحاول اختراق الآنيّ، المتمثّل بتأثيرات الحراك الشعبي، لفهم الواقع، وتأريخ الراهن، وإعمال العقل. الرقم دعوة إلى التساؤل عن السينما العربية الجديدة أيضاً، التي تستمرّ في إنتاج المختلف، بصرياً ودرامياً وجمالياً، من دون أن تقطع مع واقعها وثقافات مجتمعاتها وحكايات ناسها. «مهرجان تورنتو» يُعتلقطة من «عمر» للفلسطيني هاني أبو أسعد (عن «إنترنت») بر أحد المهرجانات المهمّة في أميركا الشمالية، على الرغم من غياب المسابقة الرسمية والجوائز. أي أنه واجهة سينمائية لإبداعات العالم. الإبداعات الجديدة، التي يُمكن أن تُعرض في مهرجانات سابقة، تجد في تورنتو متنفّساً إضافياً يتيح لها توزيعاً في مدن مختلفة. التنافس ليس على الجوائز، بل على الموزّعين والمنتجين. لهذا، يستدعي الرقم (13 فيلماً عربياً) تأمّلاً بما آلت إليه أحوال السينما العربية المعاصرة، أو بما يُمكن أن تؤول إليه أيضاً.
لن يكون التأمّل نقدياً. العناوين المشاركة في البرامج المخلتفة لـ«مهرجان تورنتو» تكشف استمراراً سينمائياً للاختبار والتجريب. اختبار آليات العمل السينمائي، وتجريب أساليب تكسر النسق المعتمد، وتحاول العثور على مفاهيم جديدة للصورة. مثلٌ أول: «رسالة إلى طيّار رافض» لأكرم زعتري. المخرج اللبناني يحفر عميقاً في الذاكرة اللبنانية، ويستعين بأدوات بصرية تروي من دون أن تنطق، وتسرد من دون أن تتغلّب الكلمات على الصُور. أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982، رفض طيّار إسرائيلي قصف مدرسة في الجنوب. تم استدعاؤه. أُرسل طيار آخر لتنفيذ المهمّة. القصّة بسيطة وعادية. لكن الصُوَر المستخدمة في «رسالة إلى طيار رافض» لا تقف عند الحدث نفسه، ولا تنسحب من المشهد العام، بل تذهب بعيداً في تفكيك تجريبيّ لتلك اللحظات الراسخة في ذاكرة بلد يُراد له النسيان. مثلٌ ثان: «سُلّم إلى دمشق» للسوري محمد ملص. التقوقع المكانيّ داخل بيت بغرف كثيرة مدخلٌ إلى فهم صورة إنسانية أبطالها شباب سوريون مقيمون في منزل دمشقي واحد، في ظلّ النار التي تُحاصر مدينة وشعباً. الاختلاف بين هذين الفيلمين كامنٌ في الشكل وأسلوب المعالجة. التجريب البصري والفيديوي ميزة سينما صنعها أكرم زعتري فيلماً بعد آخر. السرد الكلاسيكي للقصّة وجد، مع محمد ملص، أنماطاً تعبيرية متنوّعة، وإن صبّت كلّها في نطاق إنساني مفتوح على أسئلة العلاقات والانفعالات والارتباط براهن مُشبع بالموت والخراب.
العناوين الأخرى متنوّعة. الحراك الشعبي المصري وفضاءاته المختلفة حاضر في فيلمي «الميدان» لجيهان نجيم و«فرش وغطا» لأحمد عبدالله. فلسطين، بناسها وحكاياتهم الموزّعة على الحبّ والخيبة والاختناق داخل الحصارات الكثيرة، موجودة في أفلام «حبيبي بيستناني عند البحر» لميس دروزة، و«عمر» لهاني أبو أسعد، و«فلسطين ستيريو» لرشيد مشهراوي، و«غيرّافادا» لراني مصالحة. المجتمع المغربي نواة فيلمي «جيش الإنقاذ» لعبد الله طايع و«روك ذو كاسبا» لليلى مراكشي: الأول عن العلاقات المثليّة وموقعها داخل هذا المجتمع، والثاني عن طنجة وما تحتويه من قهر وألم وعادات وتفاصيل. التجريب البصري لعبة الفلسطينية بسمة الشريف في «أبعد مما تراه العين». أما اللبناني علي شرّي (القلق)، تاريخ الزلازل في بلده حجّة سينمائية لقراءة أنواع الزلازل كلّها التي ضربت وشوّهت ومزّقت. بينما استعان التونسي نجيب بلقاضي بالكوميديا الساخرة والسوداء لسرد حكايات مستلّة من قعر المجتمع وأنماط عيشه في «بستاردو».
المُشاهدة وحدها كفيلةٌ بتبيان مدى جودة تلك الأفلام. لكن المواضيع المختارة إشارة واضحة إلى رغبة هؤلاء السينمائيين في جعل الصورة تعبيراً وبوحاً وحواراً مع الذات وتواصلاً مع الآخر. المواضيع المختارة إشارة إلى أن سينمائيين عرباً عديدين مستمرّون في تفكيك الواقع والبيئات والذاكرة، بحثاً فيها، وتنقيباً عن معالمها والملامح.

نديم جرجورة

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...