وزارة السياحة : الذراع اليمنى لفريق الحكومة الاقتصادي
(فلنرمي عجينة السياحة على حائط الاقتصاد الذي نريد أن نصلحه فاما أن تلزق وتلتصق واما لا). هذا هو المثل الشعبي / الاقتصادي السائرة عليه حكومتنا خلال سنوات عمرها المديد الحالي كما يبدو, فالى جانب "اشهار" التحول من الاقتصاد شبه الاشتراكي الى اقتصاد السوق "الليبرالي", والاتفاق على التوجه والتوجيه نحو السياحة, نكاد لا نعثر لها على ابداعات وخطط وحلول اقتصادية "جذرية وتغييرية" أخرى. وكلام رئيس الحكومة مثال واضح عندما قال " بأن السياحة هي الرافعة الرئيسية لعملية التنمية الاقتصادية التي نسعى اليها " (تشرين 26/2/2008). وفيما لو تركنا جانبا الخوض في شعار "السياحة هي الحل", الذي تضمره الحكومة دون اعلان, والذي لا نعتقد بصحته ولا حتى بمردوده. نجدنا ملزمين بأن نرى واقعنا السياحي من جهة, وكيف "تـُفصـّل" السياسة السياحة قياسا اليه.
لأول مرة في سوريا.. تعالوا تجدوا كل ما تحتاجونه من ترف !..
فوزير سياحتنا لا يوفر مناسبة الا ويتحدث فيها بالأرقام عن "كلفة" المشاريع السياحة التي تم الاتفاق على "البدء" بها, ويردد في هذه المناسبات أيضا مفردات ومصطلحات عديدة, أكثرها اثارة واشكاليـّة مصطلح " المنتج السياحي " وتطوير هذا المنتج, الذي يـُفهم منه أننا اما بصدد انتاج أوتقديم وطرح جديد ما على الصعيد السياحي, أو أننا قمنا بالفعل بعملية الانتاج والطرح هذه.. والحقيقة أن كثيرا من القوانين والقرارات المتعلقة بالسياحة في سوريا, هي التي طرحت وقـُدّمت, لكن لمن هي موجهـّة ومن تستهدف ؟ واذا كان الرد بأنها الى المواطن موجهة وفي مصلحته تصبّ, ما نصيبه منها ؟ أوبالعاميّة : هل سيلعق اصبعه منها ؟ والاجابة المتواضعة هي : لا.. لا نظن ذلك, ونحن نسمع ونرى ونقرأ, ونشعر أيضا, أن شركات ضخمة دخلت البلاد, مطبـّلة مزمـّرة بأسمائها الرنـّانة التي تكاد تحجب الضوء عن واقع اقتصادي مرتبك وظروف معيشيـّة في مرحلة التأزّم, كما تفعل باعلاناتها الضخمة المنتشرة في الطرقات العامة وفي الصحف, وفيها كثير من وعود بالترف, بالرفاهيـّة, بالفنادق المخمـّسة الأنجم, بالمسابح, بدخول الكثير والكثير "لأول مرة في سوريا".. اعلانات ترويجيـة عن مشاريعها السكنيـّة الفخمة وبعضها " الأكثر..تألقا ورقيا في سوريا" كما يقول أحدها. والذي لا نعرف ان كان يخاطب المواطن أم من بقوله "احجز فيلتك أو شقتك.." وهذا كله "الآن في سورية"!.. فالسياحة المقترحة على الشعب, والمفترض بأنها للشعب أولا, هي بعيدة عن هذا الشعب.
وفي البلاد التي تشابه سوريا بتكوينها الجغرافي والسكـّاني, تكون السياحة عندها عبارة عن فعل ثقافي من ضمن سياق ثقافة ومجتمع البلد, فهي أقرب الى أسلوب عيـش, ولذا فهي تقوم على فكرة "تواصل واحتكاك" السائح مع كل عناصر البلاد التي هو قادم اليها ويريد التعرف عليها, وهذا نلمسه كلما صدفنا سياحا أجانب, حيث نشعر بهذا "التـّوق" عندهم للتعرف على أهل البلد وسكانها, والحديث معهم. فهناك دائما عند السائح الحقيقي والجدّي رغبة في استكشاف المكان الذي هو آت اليه, لا بأن يرى فيه الكثير الكثير مما هو موجود عنده في بلاده. فهو يأتينا فاتحا حقيبة عقله وخياله وأفكاره ليأخذ من عندنا ماهو جديد عليه. الا أن هذا الاحتكاك له وجه آخر, مكانه وأرضه عقارات وفنادق وبيوت "معقـّمة" لا تنتمي الى نسيج المجتمع, مع رزمة من الكازينوهات والبارات والمسابح المزيـّنة بفتيات البيكيّني. واحتكاك كهذا هو المطلوب ربما, والمقصود بسياسة وزارة السياحة وتوجهاتها.
الوزارة تتحول الى دلاّل عقاري !!..
فهذه هي نوعية المشاريع السياحية التي اتفقت الحكومة مع أصحابها على اقامتها في بلادنا, مشاريع سكنيـّة نوعيـّة فخمة متخصصة وتكاد تكون مغلقة على فئة من الناس, أو بتعبير أدق, على طبقة منهم, هي بالتأكيد تستهدفهم بالدرجة الأولى والأخيرة. أما النوع الآخر من الاستثمار السياحي الذي فكـّرت به وزارة سياحتنا وبدأت تتوسّـله, هو الدليل الأشد قطعا وجزما على قصر النظر والكـُفر بـالطاقة البشرية والفكرية الخام التي تمتلكها البلاد, والذي نتعرّف عليه بنظرة سريعة الى كرّاسات وبروشورات الترويج الاستثماري للبلاد, والذي تتكفله وزارة السياحة, ولا تكل أو تمل من عرضه في كل مؤتمر أو حدث اقتصادي, حتى يخال المرء أن هذه الوزارة تحولت الى "مكتب عقاري", حيث نجد أن أبرز مواقع سوريا الأثريـّة كتدمر وقلعة دمشق وقلعة الحصن في حمص وغيرها, معروضة للاستثمار السياحي في كرّاس كبير يسمـّى : دليل المشاريع, مناطق التطوير السياحي الكبرى ! ما يوحي بعدم قدرة وزارة الثقافة بشكل خاص, والحكومة بشكل عام, على ادراة هذه المواقع والاستفادة منها وترويجها. وقد تم "توثيق" هذا العجز والاقرار به بداية العام المنصرم عبر الاتفاق غير الذكي الذي تنازلت به وزارة الثقافة لشقيقتها السياحة بادارة واستثمار الآثار السورية جميعها, أي :قشـّة لفـّة" كما يقال بلغة السوق. فهل من المنطقي أن ما عجزت عنه الوزارة المختصـّة وصاحبة العلاقة هنا, أي وزارة الثقافة, بخصوص ادارة موقعنا الأثرية, ستتمكن وزارة السياحة من تحقيقه, خاصة وهي تعمل بمنطق وتفكير "المكتب العقاري" ؟
لماذا تتعامى وزارة السياحة عما يمس البلاد سياحيّـا..
ومما يغيب عن بال وزارة السياحة الاهتمام به وتشغيل الفكر قليلا في شأنه, الخوض فيما يخص المشهد السياحي العام للبلاد, فنسأل عبر أمثلة من هذا المشهد : هل حالة المكان الموجود فيه الآن موقف انطلاق البولمان في حرستا بدمشق, بهوائه العفـِن وروائح اختلاط عوادم سيارات المازوت بروائح بَـول عابري الطريق, والأوساخ المنتشرة هناك, هي حالة سياحية.. و هل الزي الرسمي الذي يرتديه رجال شرطة المرور بأقمشته ذات المظهر الخشن وأحذيتهم الباهتة السواد وقفازاتهم وقبعاتهم المبقـّعة, هو مظهر سياحي. وهل مشاهد ازدحام السرافيس والسيارات العمومية الصغيرة والكبيرة عند محطات الوقود, والمشاجرات والسباب والشتائم التي تجري فيها هي مشاهد سياحية..وهل تحوّل سيارات النقل العامة من تاكسي وسرفيس في شوارع دمشق وضواحيها الى جوامع تمشي على أربع عجلات, حيث يجبر سائقوها ركابهم على سماع خـُطب ومواعظ مشايخ ماأنزل الله بهم من سلطان على البشر, بأصوات قبيحة ومتشنجة وغاضبة, هو تحوّل نحو السياحة أيضا..؟؟ أم أن هذا لا يهم طالما المواطن ليس سائحا يحق له هذا الترف المعيشي, وطالما السائح المقصود بسياستنا, هذا الثري الغريب, يعيش معزولا عن هذا المشهد.
ليس من الضروري اذا الاشتغال على المواطن..سياحيا
والغريب, أنه اذا اتفقنا أن لكل شريحة من الناس سياحتها, حسب امكانياتها, التي تتضاءل بالنسبة للغالبية منهم, هو أن الحكومة التي تعلن على لسان رئيسها ونائبه الاقتصادي ووزير سياحتها, وعلى كل المنابر التي تتوفر لها, أرقاما وأرقام, عن مداخيل ماليـّة ستدخل البلاد, وارتفاع النسبة الفلانيـّة, ونمو المعدل الفلاني, آخذة بـ"قص" أجور تحسيناتها السياحية من جيب المواطن العادي, كما هو حاصل الآن في طرطوس حيث تفرض رسوم على منازل الناس, كل بحسب قربه من الكورنيش البحري الذي تم أخيرا وبحمد الله فتحه أمام الطراطسة بعد تحسينه, ووصلت هذه الرسوم لتكون ظالمة وغير منطقية بالنسبة لكثير من الناس لا تطل منازلهم على البحر ولا تشمّ رائحته حتى. وهذا يغلق الباب في وجه الحديث عن "اشراك" الفرد أو المواطن العادي في أي سياسة سياحية, حالية أو مقبلة, واقتراح العمل على فكرة " المواطن / الدليل " التي بكثير من التوعية وبقليل من الوقت قادرة على زرع الوعي السياحي في نسيج الحياة اليومية للناس. فهل تدرك حكومتنا وفريقها الاقتصادي كما يدرك الناس, بأن السياحة ليست العلاج السحري لمشكلاتنا الاقتصادية الآخذة بالتعمّق, وأنها لا هي ولا حتى العلاج يأتيان بـ"كبسة زر".
حسان عمر القالش
المصدر : بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد