وثائق جديدة: هجمات باريس كانت ستكون أكثر دمويّة
حصلت شبكة «سي أن أن» الأميركيّة على آلاف الوثائق والصّور من مصادر أوروبيّة مطّلعة على التّحقيقات الخاصّة بهجمات باريس في تشرين الثّاني الماضي، تُظهر أنّ تنظيم «داعش» لم يكن يهدف فقط إلى زعزعة أمن باريس، إنّما إلى ضرب أهداف عدّة في مدن أوروبيّة مختلفة.
وتُشير الوثائق إلى أنّ شبكة «داعش» المتطوّرة، والمسؤولة عن الضّربات الخارجيّة، خطّطت لإلحاق هجمات باريس بأخرى أكثر دمويّة في عددٍ من الدّول الأوروبيّة. وتكشف الوثائق معلوماتٍ جديدة حول معتقلَين اثنين متّهمَين بالتّخطيط لهجمات باريس. وللمرّة الأولى، يتمّ الكشف عن اسم متّهمٍ جديد يُدعى عبد طبعوني مرتبط بخليّة باريس الإرهابيّة، كان فارّاً لأشهرٍ عدّة بعد الهجمات، وتمّ اعتقاله خلال شهر تمّوز الماضي.
الوثائق، الّتي يبلغ عددها 90 ألفاً، تطلّبت أشهراً من العمل والمتابعة من قبل فريق «سي أن أن». وهي تحتوي على كمّ هائل من المعلومات من نتائج التّحقيقات والبيانات الّتي تمّ سحبُها من الهواتف المحمولة الّتي تقدّم نظرة دقيقة على الفرع المسؤول عن العمليّات الخارجيّة في التّنظيم الإرهابيّ، والّذي يُعرف باسم «الأمن الخارجيّ».
تُلخّص «سي أن أن» ما جاء في الوثائق بالآتي:
- تقديم صورة شاملة عن وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي يستخدمها الإرهابيّون المتّهمون، كبرامج «فايبر»، و «تليغرام»، و «واتسأب»، والّتي يكون أغلبها مشفّراً. وفي هذا السّياق، تنقل «سي أن أن» عن مسؤول أوروبي رفيع المستوى مختصّ بمكافحة الإرهاب قوله إنّ «داعش» استفاد من خاصّيّة التّشفير الّتي يقدّمها برنامج «تليغرام» من أجل التّواصل.
ويُشير محلّل الشّؤون الإرهابيّة في «سي أن أن» بول كروكشانك إلى أنّ «المجموعات الّتي تستخدم الرسائل المشفّرة لديها القدرة على إحداث ثورة في مخطّطاتها الإرهابيّة عبر السّماح لجميع الخلايا بالتّواصل مع بعضها البعض خلال الأوقات الحاسمة».
ـ كيف يقوم «داعش» بحماية عمليّاته؟ على سبيل المثال، يقوم التّنظيم باستخدام أسماء مستعارة حتّى داخل الفريق الواحد.
ـ كيف يتبادل الإرهابيّون المتّهمون الاستشارات اللّوجستيّة داخل الشّبكة، بما فيها استخدام أو عدم استخدام أسمائهم الحقيقيّة مع الآخرين عند عبور الحدود، وكيفيّة التّسلّل عبر تلك الحدود خلسةً وبطريقةٍ غير شرعيّة؟
ـ تكشف الوثائق أسماء الدّول الّتي كان مخطّطاً أن تتعرّض إلى هجماتٍ من قبل «داعش»، ومنها هولندا وبريطانيا، وكذلك فرنسا بما فيها أماكن التّسوّق وكذلك المحالّ التّجاريّة.
إرهابيّون مدمنون على الأفلام الإباحيّة
تعتبر «سي أن أن» أنّ قيام الأجهزة الأمنيّة الأوروبيّة باعتقال رجلين تعتقد السّلطات أنّهما كانا يعتزمان السّفر إلى فرنسا ومعهما انتحاريّان اثنان قاما بتفجير نفسيهما خارج ملعبٍ في باريس خطوةً مهمّة جدّاً. وتشير الوثائق إلى أنّ الرّجلين يُدعيان عادل حدّادي وهو جزائريّ، ومحمّد عثمان وهو باكستاني.
قبل ستّة أسابيع من هجمات باريس، خرج حدّادي وعثمان من الرّقة في سوريا. من هناك، انتقل الرّجلان، مع انتحاريَّي باريس أحمد المحمّد ومحمد المحمد، إلى السّواحل التّركية بداية شهر تشرين الأوّل الماضي.
لم يكن الرجال الأربعة على معرفة بأسماء بعضهم البعض الحقيقيّة، كما لم يعرفوا المهام النّهائيّة التي أُرسلوا من أجلها. جلّ ما قاله حدّادي للمحقّقين حول هذه النّقطة هو إنه أُرسل إلى فرنسا من أجل «القيام بشيءٍ جيّدٍ لله».
وتكشف الوثائق أنّ القائد المُبهم في «داعش»، ويُدعى أبو أحمد، كان مسؤولاً عن الإرهابيّين الأربعة. كان ينقل لهم طريقة تحرّكهم، كما كان يصلهم بالمهرّبين والسّيّارات من أجل التّنقّل، يعطيهم هواتف خلويّة مزوّدة ببرامج معدّة مسبقاً، يؤمّن لهم جوازات سفر سوريّة مزوّرة، ويزوّدهم بالأموال كيفما تنقّلوا مستخدماً طرقاً وبرامج مشفّرة لا يُمكن تعقّبها، ناهيك عن أنّه نادراً ما كان يُخبر الرّجال الأربعة بخطوتهم المقبلة.
من إزمير في تركيا، انتقل الإرهابيّون الأربعة إلى اليونان عبر أحد القوارب مع عشرات اللّاجئين. لم يتمكّن حدّادي وعُثمان من تجاوز الحدود اليونانيّة إلى فرنسا، إذ تعرّضوا للتّوقيف على يد البحريّة اليونانيّة بعد اكتشاف جوازات سفرهما المزوّرة. أحمد المحمّد ومحمّد المحمّد تمكّنا من العبور والتّنقّل في أوروبا وصولاً إلى ملعب باريس حيث نفّذا هجماتهما. ولم توضح البحريّة اليونانيّة كيف تمكّن هؤلاء الاثنان من تجاوز الحدود اليونانيّة.
بعد توقيف حدّادي وعثمان، تمّت مصادرة جواز سفريهما وأموالهما، وتمّ توقيفهما لمدّة شهر. منع التّوقيف الرّجلين من أن يكونا جزءاً من العمليّة الإرهابيّة في باريس. في نهاية شهر تشرين الأوّل، أطلقت السلطات اليونانيّة سراح حدّادي وعثمان. وعلى الفور، تواصل الرّجلان مع أبي أحمد، الّذي أوصل لهما مبلغ ألفي يورو. وبمجرّد أن استلما الأموال، عاد الثّنائيّ الإرهابيّ إلى طريقة «التّنقّل مع اللاجئين».
هواتف حدّادي وعثمان أعطت المحقّقين فرصةً كبيرةً للوصول إلى معلوماتٍ خاصّة وسرّيّة. حدّادي، على سبيل المثال، يجيد اللّغة العربيّة بطلاقة، بينما عُثمان، الذي لا يُجيد سوى لغة الأوردو، مدمنٌ على تصفّح المواقع الإباحيّة. أحد الأشخاص الّذين تواصل معهم حدّادي تقنيّ في أحد أهم المراكز النّوويّة في أوروبا، وقد وُضع على الفور تحت المراقبة من قبل السّلطات الفرنسيّة. وفي 14 تشرين الثّاني، وقبل يومٍ واحدٍ من اعتداءات باريس، وصل حدّادي وعثمان إلى النّمسا، حيث طلبا اللجوء السياسي في أحد مخيّمات مدينة سالزبورغ.
قبل أيّام من اعتقالهما، كان حدّادي وعثمان ينتظران وصول شريكهما الثّالث عبد طبعوني الّذي سافر من سوريا إلى سالزبورغ في تشرين الثّاني متوجّهاً إلى مركز اللاجئين حيث يقبع الرّجلان. وهي المرّة الأولى الّتي يظهر فيها اسم هذا الموقوف على وسائل الإعلام.
وفي اليوم التّالي لوصول طبعوني إلى المخيّم، دهمت السلطات النّمساويّة المكان وألقت القبض على حدّادي وعثمان مع بعض المشتبه بهم في اعتداءات باريس، إلا أنّ طبعوني كان مختفياً. ولم تعثر السلطات سوى على هاتفه الخلويّ إلى جانب سرير حدّادي. وعلى الرّغم من نفي حدّادي وعثمان معرفتهما بطبعوني، إلا أنّ السّلطات عثرت على رقم حدّادي محفَّظاً داخل هاتف طبعوني.
وفي تمّوز الماضي، ألقت السّلطات البلجيكيّة القبض على طبعوني وهو مغربيّ. وأبلغت السّلطات البلجيكيّة «سي أن أن» بأنّه سيتمّ تسليم المطلوب إلى السلطات النمساوية قريباً. أمّا حدادي وعُثمان، فقد تمّ تسليمهما إلى السلطات الفرنسيّة حيث يواجهان تهم الإرهاب.
وقد يتمكّن المحقّقون، عبر المعلومات الّتي حصلوا عليها من هواتف الموقوفين، من الوصول إلى خلايا نائمة، كشفت مصادر أوروبيّة لـ «سي أن أن» أنّ عددها يُمكن أن يكون قد أصبح كبيراً.
(«السّفير»، «سي أن أن»)
إضافة تعليق جديد