واشـنـطن تـدشـن مـرحلـة اختـبار النـوايا مـع دمشـق
«التفاؤل الحذر» كان عنوان لقاء الساعتين في وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن، امس، بين مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة السفير جيفري فيلتمان، والسفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى، ليدشن الطرفان مرحلة اختبار النوايا، بعد شبه انقطاع دام سنوات، رغم ان وزارة الخارجية الاميركية حاولت، بقدر الإمكان، التقليل من أهمية الاجتماع، وهو الاول للإدارة الجديدة مع مسؤول حكومي سوري.
وبدا السفير السوري عقب اللقاء، مرتاحا لمجريات المناقشات مع فيلتمان، السفير السابق في بيروت. وقال ان المحادثات جاءت «لاستكشاف آفاق العلاقات السورية الأميركية وسبل تحسينها، وسمح لنا اللقاء ببحث سبل إجراء حوار جدي على المستويين الدبلوماسي والسياسي ومناقشة كافة المواضيع التي تقلق الطرفين». وأضاف ان اللقاء «ساده جو بناء واتسم باحترام متبادل يستند الى رغبة الولايات المتحدة في الحوار مع سائر العالم، عملا بما اسماه الرئيس (باراك) اوباما: الحوار على قاعدة الاحترام».
وتابع مصطفى ان النقاش «تركز بصورة اساسية على محاولة إيجاد الحلول وليس تسجيل المواقف»، مشيرا الى انه تم الاتفاق بين الجانبين «على أن يعقب هذا الاجتماع، الذي يمثل خطوة اولى، اجتماعات أخرى عديدة». وعند سؤاله عن احتمال لقاء وزير الخارجية الاميركي هيلاري كلينتون بنظيرها السوري وليد المعلم الأسبوع المقبل على هامش مؤتمر الدول المانحة من اجل غزة في مصر، أكد السفير السوري ان المسألة لم تبحث. وقال «بحثنا مسائل جوهرية حول مستقبل العلاقات بين بلدينا». كما أكد عدم التطرق في اللقاء الى تعيين سفير اميركي في دمشق قريبا.
من جهته، قال المتحدث باسم السفارة السورية في واشنطن احمد سالقيني، ان الأجواء كانت «ايجابية بشكل عام»، مؤكدا ان الاجتماع جاء «مطولا وعميقا من الطرفين، من اجل استكشاف العلاقات السورية الاميركية ومحاولة تقريب وجهات النظر وإيجاد حلول للمشاكل التي تواجه المنطقة». وذكر ان الاجتماع «تطرق لكل المواضيع، وكان نقطة بداية لحوار مستقبلي».
وتابع سالقيني ان الاجتماع لم يتضمن «تسجيل مواقف كما كان يحصل مع الادارة الاميركية السابقة»، رغم ان الطرفين لم يتوصلا بعد الى «مرحلة اتفاق على المواضيع، بل تعريف المشاكل وسبل معالجتها»، مؤكدا على اتفاق بين فيلتمان ومصطفى «ان يعقب هذا الاجتماع اجتماعات اخرى لمتابعة النقاش».
من جهته، قال مسؤول في الخارجية الاميركية، ان فيلتمان «يلتقي العديد من المسؤولين أثناء أداء واجبه». وتابع ان الاجتماع بين فيلتمان ومصطفى كان «فرصة لمناقشة الإمكانيات المتاحة في العلاقات الثنائية وطرح قضايا تهم الجانبين». وأضاف «سوريا تؤدي دورا مهما في المنطقة وأملنا ان تؤدي الحكومة السورية دورا بناء في تشجيع السلام والاستقرار». لكنه امتنع عن التكهن اذا ما سيلتقي فيلتمان دوريا مع مصطفى، او عن مستوى الحوار مع سوريا في المرحلة المقبلة.
وشدد المسؤول الاميركي على تشجيع الادارة الاميركية للتفاعل الاجتماعي مع سوريا، قائلا «نريد تشجيع التعاون المستمر وتبادل الفرص بين الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة»، معتبرا انه على المستوى الشعبي، هناك «تقليد عريق في الانخراط بين الولايات المتحدة وسوريا». وكرر ان فيلتمان طرح في الاجتماع «دعم سوريا لمجموعات وشبكات إرهابية وسعيها في الحصول على أسلحة نووية وغير تقليدية والتدخل في لبنان وتردي أوضاع حقوق الإنسان».
وفي دمشق، قالت دوائر دبلوماسية، ان وزارة الخارجية الأميركية ستعمل على تقييم اللقاء، خاصة في ضوء عدم تأكيد تقارير حول إمكانية قيام فيلتمان بزيارة دمشق، مضيفة «شعر الطرفان بان هناك اتفاقا مشتركا بينهما على متابعة التعاون».
وكانت وزيرة الخارجية الاميركية حاولت التقليل من أهمية اللقاء عند سؤالها حوله اثر اجتماعها مع وفد من كوسوفو، معتبرة انه من السابق لأوانه القول ما اذا كان سيحدث «ذوبانا للجليد» في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا. وأوضحت «نقوم بتعــامل روتيني مع السوريين في إطار جهودنا الدبلوماسية العادية.. من السابق لأوانه التحدث عما يحمله المستقبل».
وتابعت كلينتون «من الواضح اننا نعمل بجدية، مثل مبعوثنا الخاص (للشرق الاوسط) جورج ميتشل، للتحاور ليس فقط مع الإسرائيليين والفلسطينيين، بل مع كل الجيران في المنطقة وخارجها». واضافت «سنواصل الالتزام الذي أعلناه حين عينا مبعــوثنا الخاص لمحاولة جمع الأطراف ســويا من اجل السلام والاستقرار في الشرق الاوسط».
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت وود، ان احتمال حدوث تحسن في العلاقات مع سوريا يعتمد على كيفية استجابة دمشق لبواعث قلق الولايات المتحدة، خاصة إزاء «تدخلها في لبنان ودعمها لحركة حماس». واوضح «نريد التواصل مع سوريا لكن لدينا الكثير من بواعث القلق.. نريد انتهاج طريق جديد في الشرق الاوسط.. نريد التحاور مع سوريا، لكن يتعين على سوريا اتخاذ بعض الخطوات».
وكانت وزارة الخارجية الاميركية، اعلنت الأسبوع الماضي ان لقاء مصطفى وفيلتمان، يعكس رغبة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في التحدث بشكل مباشر الى سوريا ودول اخرى على خلاف مع الولايات المتحدة، على اعتبار ان «التحدث مباشرة الى سوريا سيدفع مصالح الولايات المتحدة الى الأمام».
وتستعد كلينتون لبدء جولة في الشرق الاوسط الأسبوع القادم تشمل اسرائيل والضفة الغربية ومصر، حيث تشارك في مؤتمر إعادة اعمار غزة، الذي يشارك فيه ايضا وزير الخارجية السورية وليد المعلم. وقال مسؤولون أتراك انها ستزور أنقرة ايضا.
ورغم استقرار الخارجية الاميركية على مواقفها، وتحفظ سوريا في تقاربها، شيء ما تغير بعد اجتماع امس، مع نبرة من الطرفين تختلف عن الاجتماع الاخير بين وزيرة الخارجية السابقة كوندليسا رايس ونظيرها السوري وليد المعلم في نيويورك في تشرين الثاني 2008. فيلتمان كان شخصا آخر، يستعد لمنصب آخر هو مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، الى جانب أسماء كبيرة، مثل جورج ميتشل ودنيس روس.
كان هناك نوع من «التفاؤل الحذر» الذي صدر عن أجواء هذا الاجتماع، ليبدأ مخاض اختبار النوايا بين واشنطن ودمشق بعد شبه انقطاع دام سنوات. العوائق تبدو معروفة، والترقب ينصب على الفرص المتاحة، فيما ان هذه الادارة، لا تخجل بالقول انها تريد حوارا مع خصومها.
جو معكرون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد