من يحلب بلدان العالم الثالث؟
الجمل : في هذه الأيام، ما تزال عملية "قصف" العالم بفوائد ما يسمى بأيديولوجيا العولمة مستمرة. ومطلوب من بلدان العالم الثالث، ولكن بصيغة الأمر، أن تقوم بـ (عولمة) و(تحرير) اقتصادياتها أمام حركات تدفق رأس المال الأجنبي، وأن تقوم أيضاً بـ (إزالة الضوابط ورفع القيود عن الأسعار وإلغاء الدعم)، وأن تقلل الإنفاق العام، عن طريق بيع كل الشركات والمؤسسات العامة إلى القطاع الخاص.
وكما يقولون، فإن القيام بكل ذلك سوف يحقق التنمية التي تحتاج إليها هذه البلدان. وفي هذا الصدد نجد أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يفرضان على كل البلدان النامية ما يعرف بـ (برامج التكيف الهيكلي) باعتبارها شرطاً متبعاً وأمراً لازم التطبيق والتنفيذ، إذا أرادت هذه بالبلدان الحصول على مساعدة هذه المؤسسات المالية والنقدية الدولية، والتي هي بالأساس مؤسسات تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.
إن برامج التكيف الهيكلي، لم يحدث، أن عملت على فائدة ومنفعة الأغلبية العظمى في البلدان التي طبقتها. وبدلاً عن ذلك فقد جعلت من البلدان النامية أشبه بالمستعمرات، وأدت إلى انتشار وتعميق الفقر بين الأغلبية السكانية، إضافة إلى أنها أعطت المزيد من السلطة والقوة والمرابح العظيمة للمؤسسات والشركات المتعدية الجنسية والعابرة للقومية، وذلك عن طريق تمكينها من شراء المنشآت الوطنية في البلدان النامية، وذلك بسبب الدعم الذي تناله هذه الشركات عن طريق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية.
اهتم الكثير من الخبراء بما أوردته منظمة العمل الدولية، حين قالت بأن النمو الاقتصادي العالمي قد فشل في أن يخلق المزيد من فرص العمل الجديدة والجيدة، والتي يمكن أن تساعد في تخفيض مستويات الفقر. وذكر تقرير منظمة العمل الدولية: «حالياً، ما يزال نصف العمال في العالم لا ينالون أجوراً تكفي لسد حاجتهم وحاجة أسرهم.. أي أنهم يرتفعون فوق خط الفقر بحوالي 2 دولار يومياً».
أشار تقرير منظمة العمل الدولية بأنه عندما يرتفع الناتج الإجمالي 1%، فإن نمو العمالة المقابل يكون فقط 0,3%.
ومن ثم، وعلى خلفية ذلك، يبرز سؤال هام: متى نجد أن ما يسمى بالعولمة، يقدم المنفعة والفائدة للعاملين وأسرهم؟
وبالطبع فإن الإجابة التي يقدمها الاستعمار الجديد تكون على النحو التالي: إن على الشعوب أن تتعلم الانتظار، وأن تصبر قدر استطاعتها. ولكن إذا التزمت الشعوب بهذه النصيحة، فإن الطبقات العليا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تنتظر كي تسترد أموالها من مناجم وبنوك ومصانع البلدان النامية والمتخلفة.
وفي هذا الصدد يقول بعض خبراء الاقتصاد الدولي، بأن الغرب يقوم بضخ الأموال من جهة، لكي يقوم باستيراد أضعافها، مستخدماً المزيد من الوسائل الفاسدة، التي تضر اقتصاديات البلدان النامية وتحقق منافع أكبر للغرب.
يقول بيكر، وهو أحد رجال الأعمال في الولايات المتحدة: «سُحبت تريليونات الدولارات من بلدان العالم الثالث الأشد فقراً، وأودعت في بلدان العالم الأكثر ثراء. وإن الشركات الغربية المتعدية الجنسيات، والبنوك وحتى الأفراد الغربيين، متورطون في عملية (حلب) بلدان العالم الثالث، و(تجفيف) اقتصادياتها ومواردها. وقد انتهكوا كل النظم والمواثيق الدولية، من أجل القيام بشفط التريليونات من هذه الدول الفقيرة. وإن عمليات تبييض الأموال وغسلها، وكذلك التحركات اللاقانونية وغير المشروعة لتريليونات الدولارات، قد أدت جميعها إلى انكسار العقد الاجتماعي و"هدمت" تماسك الجسد الاجتماعي. وهو أمر سبق أن ضمنه آدم سميث في جوهر "نظام السوق الحر"».
كشفت الخبرة العملية في الولايات المتحدة، أن ستاً من أكبر عشر شركات أمريكية لم تكن تدفع أي ضرائب للاقتصاد الأمريكي، وأن فضيحة إفلاس شركة إنرون الأمريكية تكشف (المهزلة) التي تستغل بها الأسماء التجارية الأمريكية الكبيرة النظم الاقتصادية داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية.
«قامت شركة إنرون الأمريكية، كما اتضح بعد إفلاسها، باستخدام أكثر من 800 عملية تجارية في جزر الكاريبي لإخفاء ديونها والتزاماتها المالية» وهناك أيضاً رأي يقول بأن الغرب قادر على كسر ظهر الفقر في سائر أنحاء العالم، إذا كانت هناك إرادة سياسية للتعامل مع التهرب الضريبي وسوء استغلال النظم المصرفية والبنكية. ولكن بدلاً من ذلك، ظلت البلدان الغربية أكثر رغبة في النظر إلى مصادر المال الحقيقية، طالما أن الأموال المبيضة والمغسولة وعمليات نقل المخدرات والمضاربات غير القانونية والرشاوى، وأموال الفساد والابتزاز والإرهاب والجرائم، وكل ما يشكل مالاً قذراً.. وهذا جميعه يجد ترحيباً حاراً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إن الرأسمالية لا يمكن بتاتاً أن تحارب الفقر، وذلك لأنه لا يمكن لها أن تقوم إذا لم يكن هناك فقراء. فمن الضروري لوجود الرأسمالي، أن يكون هناك أحد ما قد تم تجريده من كل وسائل الإنتاج. وهؤلاء الذين يجردون الآخرين، يقومون بتوظيف الذين تم تجريدهم كشغيلة أجراء. وإذا طرحنا السؤال من جهة أخرى: كيف يتأتى لشخص يمتلك وسائل الإنتاج، الرغبة في العمل كأجير؟ فستكون الإجابة بأن هذا أمر غير ممكن وغير معقول.
وهكذا نجد أن فكرة توقع قيام الرأسمالية بعمل ما من أجل القضاء على الفقر، ليست مستحيلة وحسب، بل ولا معنى لها؛ وبالتالي فالطبقات الثرية العليا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سوف لن تسمح بالقضاء على الفقر، كما أن "حكوماتها" لن تسمح بذلك أيضاً، طالما أن عملية القضاء على الفقر، من وجهة نظر الرأسمالية، هي «عملية غير قانونية، أو ربما إجرامية»، وسوف تكون من وجهة نظر الرأسمالية الغربية سارية، حتى لو كان فقراء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر وأشد فقراً من نظرائهم في البلدان النامية والمتخلفة.
إن واحداً من أبرز الأسباب التي جعلت الشركات والمنشآت المتعدية الجنسية في أمريكا والغرب، تنقل بعض عملياتها وأنشطتها إلى البلدان النامية والمتخلفة، يتمثل في الفساد المتفشي وسوء التنظيم السائد في هذه المجتمعات، وذلك بسبب الرغبة الشديدة من جانب أمريكا والغرب في عدم السماح لدول العالم الثالث – المستعمرات السابقة – بتحقيق أي قدر من التطور والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي؛ وبالتالي فهي تسعى دائماً لإعادة إنتاج الحالة الاستعمارية، بما يجعل بلدان العالم الثالث تخضع لنوع من "الاستعمار المتجدد".
الجمل : قسم الترجمة
المصدر: غلوبال ريسيرتش
إضافة تعليق جديد