مصر: «جبهة الإنقاذ» تواجه «الإخوان» بـ«البرلمان الموازي»
بعد تأكيد قرارها بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، وجدت «جبهة الانقاذ» ـ الوعاء الأكبر للمعارضة المدنية في مصر- نفسها في مأزق يلخصه سؤال: ما هي الخطوة المقبلة؟ ويبدو أن هذا السؤال شكل أرقاً لقيادات الجبهة خلال اجتماع جديد عقد يوم أمس.. ولكن ما انتهى إليه الاجتماع لا يبدو أنه قدم إجابة شافية على السؤال المأزق.
المؤتمر الصحافي للجبهة أشار إلى اتجاه أحزابها الليبرالية إلى الاندماج في تكتل حزبي كبير، يقابله اندماج مماثل للأحزاب اليسارية، بالإضافة إلى البدء في إنشاء فضائية تعبر عن توجّهات الجبهة وتقدم البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب إطلاق حملة إعلامية ضخمة لدفع المصريين إلى مقاطعة الانتخابات التي تجرى أولى جولاتها في 22 نيسان المقبل.
القرارات السابقة لم تهتم بالحديث عن التفاصيل، مكتفية بالعناوين الرئيسية، والتأكيد مرّة جديدة على مقاطعة كل الأحزاب المشاركة في الجبهة للانتخابات، بعدما تسربت أنباء عن احتمال إغراء حزبي «الوفد» و«المصري الديموقراطي» بالمشاركة في مقابل منح الحزبين معاً سبعة مقاعد في الحكومة التي سيتم تشكيلها عقب الانتخابات البرلمانية.
وقال البرلماني السابق وعضو المكتب التنفيذي لـ«جبهة الإنقاذ» وحيد عبد المجيد، في حديث إلى «السفير»، إن خطوة اندماج الأحزاب المكوّنة لها جاءت بعد شهرين ونصف الشهر من العمل المشترك لنحو ثمانية أحزاب مدنية أحدثت نوعاً من التقارب بين قياداتها، وكشفت عن إمكانية للعمل المشترك، وأن الأمر تطور مؤخراً إلى
مناقشات تفصيلية، وصلت إلى حد الاتفاق المبدئي على تشكيل مجلس رئاسي من رؤساء الأحزاب المندمجة لإدارة الحزب الأكبر لفترة انتقالية قبل الانتهاء من مرحلة دمج الأعضاء والفروع ووضع لائحة جديدة.
لكن عبد المجيد نفى وجود جدول زمني لتحقيق هذا الاندماج مبررا ذلك بأنه لا بد من عودة قيادات هذه الأحزاب إلى قواعدها للتوصل إلى قناعة بأن هذه الخطوة هي الأفضل. وأكد أن هذا الاندماج لا علاقة له بمقاطعة الانتخابات، موضحاً أن المقاطعة ستمنح هذه الأحزاب فرصة أكبر لتطوير عملها، ولافتاً إلى أنه من المرجح أن تندمج الأحزاب الليبرالية «الوفد - الدستور - المصري الديمقراطي - المصريين الأحرار - المؤتمر» تحت اسم أحدها، ربما يكون الوفد باعتباره الأعرق والأكثر ارتباطاً في أذهان المصريين بمحاولات عدة للكفاح الوطني.
يُذكر أن «حزب الوفد» تأسس عقب ثورة العام 1919 التي طالب فيها المصريون بالاستقلال عن الحكم البريطاني، والتي تزعمها المحامي البارز والقيادي الشعبي سعد زغلول. وكان «الوفد» حزب الأغلبية قبل «ثورة يوليو» العام 1952، وتعرّض للحل بقرار من «الضباط الأحرار» عقب وصولهم إلى السلطة. ولم يعد الحزب إلى العمل السياسي مجدداً إلا في العام 1979، عندما أصدر الرئيس أنور السادات قراراً بعودة العمل الحزبي لمصر مرة أخرى.
ويتمتع «حزب الوفد» بوضع مالي جيد، وكيان تنظيمي متين، وتوجد له مقار عدة في القاهرة والمحافظات، لكنه عانى في السنوات الماضية من مشاكل داخلية واهتزاز في أدائه السياسي، ويرأسه حالياً رجل الأعمال السيد البدوي صاحب الاستثمارات الضخمة في مجالي الأدوية والإعلام (يمتلك مجموعة فضائيات «الحياة»)، والذي تقدّر ثروته الشخصية بنحو 500 مليون جنيه مصري (نحو 75 مليون دولار).
ومن المتوقع أن البدوي سيلعب دوراً بارزاً في إطلاق الفضائية المتحدثة باسم جبهة الإنقاذ، لكونه يمتلك الخبرة في ذلك، بالإضافة إلى أنه أطلق منذ عام أول فضائية حزبية «المصري» لتكون منبراً إعلامياً لحزب الوفد، إلا أن الفضائية لم تحقق أي انتشار أو مردود، وهو أمر يلقي بمزيد من الشك على جدوى إطلاق فضائية تعبر عن وجهة نظر المعارضة، لكون أن طبيعة المشاهد المصري لا تتفق مع فكرة وجود فضائيات حزبية، كما أن غالبية الفضائيات الخاصة والمؤثرة في مصر الآن، تتبنى موقفاً معارضاً للإخوان. في وقت تجد فيه الفضائية الوحيدة المعبرة عن سياسة الجماعة «فضائية 25» صعوبة شديدة في التأثير على غير أعضاء الإخوان. الذين يتابعونها من منطلق أن ذلك بمثابة واجب تنظيمي وعقائدي.
وفي محاولة لتقديم البديل، تذهب جبهة الإنقاذ خلال أيام إلى تشكيل برلمان موازٍ لذلك الذي سيتنافس فيه الإسلاميون بعد نحو شهر، وحكومة موازية لتلك التي تشكلها جماعة «الإخوان»، كوسيلة للضغط ولممارسة دور المعارضة، وهو تكرار لمنهج سبق أن قامت به بعض أطياف المعارضة في أواخر عهد مبارك، بعدما تعرّضت الانتخابات البرلمانية العام 2010 إلى موجة كبيرة من التزوير العلني لمصلحة مرشحي «الحزب الوطني» الحاكم.
وكانت المفارقة أن أيمن نور، الليبرالي السابق، ورئيس «حزب غد الثورة» المقرّب من «الإخوان» الآن، والذي قرّر المشاركة في الانتخابات المقبلة، هو مَن تبنى الفكرة حينها، بل وخصّص مقر حزبه لممارسة فعاليات البرلمان الموازي، وهو ما دفع الرئيس المخلوع حسني مبارك ليقول معلقاً على ذلك جملته الشهيرة «خلّيهم يتسلوا»، لتقع بعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر فقط ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أجبرت مبارك على التنحي... فهل يمكن تكرار السيناريو مجدداً؟
يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة حدوث ذلك، قائلاً لـ«السفير» إن الظروف متغيّرة، وأن السبب الرئيس لإنجاح فكرة البرلمان الموازي هو أن يكون معبراً عن كل أطياف المعارضة، ما يجعله وسيلة ضغط مؤثرة على الحزب الحاكم، لكن الظاهر حتى الآن أن هناك بعض أحزاب المعارضة، حتى لو كانت إسلامية أو ضعيفة التأثير، ستشارك في الانتخابات.
لكن نافعة، وبرغم عدم إعجابه بفكرة البرلمان البديل، استدرك قائلا إن هناك في كل الأحوال محاولة من المعارضة لتنظيم صفوفها وخلق بديل للحزب الحاكم والابتعاد عن حالة السيولة التي تحيط بها، معتبراً أن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها لها منطق، لكن النتائج الإيجابية التي ستعود على المعارضة ستكون فقط حينما تظل محتفظة بموقف موحد مشترك، فهل تستطيع المعارضة ذلك حقاً؟ يبدو أن على الجميع الانتظار حتى موعد بدء الانتخابات فهو وحده يحمل الإجابة الشافية.
محمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد