مجمع اللغة العربية بدمشق يعقد مؤتمره السنوي السادس

05-11-2007

مجمع اللغة العربية بدمشق يعقد مؤتمره السنوي السادس

يعقد مجمع اللغة العربية بدمشق مؤتمره السنوي السادس بعنوان (لغة الطفل والواقع المعاصر) في قاعات المحا ضرات بالمجمع في المدة من 5 ـ 7 تشرين الثاني 2007م.

وبهذه المناسبة لابد من التعريف بمجمعنا العزيز وتاريخه الحافل بالنشاطات الثقافية والادبية والعلمية منذ إنشائه في 18 حزيران 1919 وحتى يومنا هذا. ‏

كادت اللغة العربية أن يقضى عليها باعتبار أن اللغة التركية كانت هي الرسمية في البلاد وكان الموظفون الأتراك يتولون معظم الدوائر الحكومية، بل إن المثقفين العرب والموظفين كانوا يتكلمون المصطلحات التركية. لذلك كان لزاماً على الحكومة العربية تعريب كل الدوائر الرسمية والدواوين والمدارس، وقد تم ذلك بسرعة فائقة، فتألفت لجان عديدة وكان أولها (شعبة الترجمة والتأليف) التي أنشئت في 28 ت2 1918، وكانت مهمتها جعل اللغة العربية رسمية في دوائر الدولة واستبدال المصطلحات العربية بالتركية، فكان لابدّ من الاستعانة بأساتذة اللغة العربية وأدبائها من أمثال:(سليم الجندي ـ أنيس سلوم ـ خليل مردم بك ـ عبد القادر المغربي ـ فارس الخوري ـ رشيد بقدونس ـ عبد الرحمن الشهبندر و أديب تقي وغيرهم من الأساتذة الأفاضل تغمدهم الله برحمته). ‏

ونتيجة للسرعة وضغط العمل ارتأت الحكومة العربية ضم أعمال شعبة الترجمة والتأليف في (ديوان المعارف) في 12 شباط 1919 وأسندت رئاسته إلى الأستاذ محمد كرد علي، رحمه الله وكانت مهمته هذا الديوان: التأليف وتأسيس دارللآثار والعناية بالمكتبات ولاسيما دار الكتب الظاهرية، وبأمر من حاكم سورية العسكري (علي رضا الركابي) في 8 حزيران 1919 استقل المجمع العلمي عن ديوان المعارف وعهد برئاسته إلى الأستاذ محمد كرد علي وأول من سمّي من أعضائه ـ رحمهم الله جميعاً ـ وهم السادة (أمين سويد توفي 1936 ـ أنيس سلوم توفي 1931 ـ سعيد الكرمي توفي 1935 ـ عبد القادر المغربي توفي 1956 ـ عيسى اسكندر معلوف توفي 1956 ـ ومتري قندلفت توفي 1934وعز الدين علم الدين توفي 1966، ثم انضم إليهم الشيخ طاهر الجزائري توفي 1920). ‏

كان السادة أعضاء المجمع الأفاضل يعقدون جلساتهم في إحدى الغرف العلوية من دار الحكومة، حتى أصدرت الحكومة العربية أمرها بالانتقال إلى مبنى المدرسة العادلية، هذه المدرسة التي قامت بحماية اللغة العربية ورعاية الفقه الإسلامي قديماً والحمد لله ماانقطع عنها العلم وتدريسه منذ انشائه عام 619هـ، ويقول العلامة محمد كرد علي: غوكأن المولى تعلقت إرادته فقضى ألاّ يخلي العادلية والظاهرية من علم ينشر وأدب يذكر فاختارهما مباءة للمجمع العلمي يقيم فيها سوق العلم والأدب بعد الكساد على النحو الذي كانت عليهف وكان لابد من ترميم مبنى المدرسة العادلية حيث أنفقت عليه أموال طائلة لإعادة الطراز العربي القديم إليه، وكان للمهندس الرسام توفيق طارق الفضل الكبير في إعادة البناء كما كان، فعادت البهجة والزخرفة ودقة الصنع إلى هذا البناء الأثري الهام. ‏

عقد المجمع العلمي العربي أولى جلساته بمقره الجديد في 1337هـ ويقول العلاّمة محمد كرد علي ـ رحمه الله ـ في مقالته بمجلة المجمع1/6: (تألف مجمعنا العلمي العربي في أول الأمر من ثمانية أعضاء ورئيس وقد وكل إليه النظر في اللغة العربية وأوضاعها العصرية ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها وتعريب ماينقصها من كتب العلم والصناعات والفنون عن اللغات الأوروبية، وتأليف مايحتاج إليه من الكتب المختلفة المواضيع على نمط جديد). ‏

وبمقر المجمع كانت بداية الخير، حيث عمل المجمع على جمع الآثار القديمة من تماثيل وأدوات وأوانٍ ونقود، كما اهتم بجمع المخطوطات القديمة الشرقية النادرة، والمطبوعات العربية والأجنبية على اختلاف موضوعاتها، وكان لإصدار مجلة خاصة بالمجمع ينشر فيها أعماله وأفكاره من أهم الأعمال الأدبية بالإضافة إلى وضع المصطلحات العلمية العربية، وطباعة أهم الكتب التي تساعد على حفظ اللغة العربية والتراث الاسلامي. ‏

كانت أولويات المجمع الاهتمام باللغة العربية، لذلك عمل المجمع في سنواته الأولى عملاً شاقاً و دؤوباً على خدمة اللغة العربية بصمت وإخلاص وكان نشاطه يدور في عدة محاور: ‏

1 ـ المجال اللغوي ‏

2 ـ المجال الشعبي ‏

3 ـ حفلات ومهرجانات ‏

4 ـ تتبع عثرات الأقلام والأفمام ‏

وسنتحدث في هذه المقالة بشكل مختصر عن هذه المحاور وتبدأ: ‏

المجال اللغوي: كانت مشكلة التعريب للمصطلحات الإدارية من أهم المشكلات التي تصدى لها المجمع وواجهها بأسلوب علمي حيث طلب من الاختصاصيين على كل المستويات (معاهد التدريس الجامعية والثانوية والابتدائية) إعلام المجمع عن الألفاظ وصفاً وتعريباً، وتجمعت لديه قوائم بهذه الألفاظ فبدأ بدراستها فأبقى بعضاً منها على حاله لصحته وعروبته وبدّل غيره كل التبديل وعدّل الآخر تعديلاً جزئياً أو كلياً، وقد جاءت هذه الألفاظ في ثلاثة أقسام: ‏

القسم الأول: كلمات عربت أو حوّلت عن أصلها مثل تعريب: (الطابو: التمليك، البوليس: الشرطة، الرابور: التقرير). ‏

القسم الثاني: كلمات عدلت بعض التعديل (أوراق مرسولة: صادرة ـ أوراق مورودة: واردة، مأمور الاطفائية: الاطفائي). ‏

القسم الثالث: كلمات مختلفة مثل (دوسيه: إضبارة أوملف، روزنامة: تقويم، صوبا: مدفأة وكان أعضاء المجمع (تغمدهم الله برحمته) يعتمدون في تعريبهم على كتب اللغة العربية التي سموها (المراجع الموثوقة): (تاج العروس ـ المخصص ـ الصحاح ـ أساس البلاغة ـ تهذيب الألفاظ ـ فقه اللغة ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ـ المزهر ـ غريب الحديث). ‏

كما استعانوا في جهودهم بخبرة من سبقهم في هذا المجال في العالم العربي أمثال (العلامة أحمد تيمور باشا رحمه الله) اعتماداً على مراسلات ومكاتبات بين أعضاء المجمع وبينه حول الكتب والرسائل التي نشرت في مصر باللغة العربية من تعريب ألفاظ المصطلحات العلمية والفنية وماألف في تصحيح الألفاظ العلمية، كما نشر المجمع رسالة (الرتب والألقاب) لأحمد تيمور باشا وفيها أسماء الرتب العسكرية والألقاب المختلفة ووزعها على دوائر الدولة الرسمية. ‏

المجال الشعبي: كان للمجمع دور عظيم في إحياء بعث اللغة العربية وصوغها في قالب حديث حيث خصص من إحدى قاعاته (قاعة للمحاضرات) افتتحها يوم الأحد 17 نيسان 1920 واستمر بإلقاء المحاضرات القيمة كل أسبوعين، ولما وجد المجمع إقبال الناس وتهافت طلاب العلم على هذه المحاضرات جعلها مرة كل أسبوع، وقد بلغ عدد الحاضرين يومها أربعمئة، وهو عدد كبير في تلك الأيام إذا ما قيس على سعة القاعة، ما اضطر كثيراً من الحاضرين للوقوف على النوافذ والأبواب لمتابعة هذه المحاضرات بشغف المريد وشوق الظمآن للماء. ‏

ثم ارتأى المجمع تخصيص بعض من هذه المحاضرات للسيدات على أن تقوم بتنظيمها بعض المعلمات الفاضلات، وكان المحاضرون من أعضاء المجمع أو من يكلف من المجمع، كما جرت العادة أن يلقي أحد الشعراء بعد المحاضرة قصيدة في الحماسة أو في موضوع يناسب المقام، هذا وقد بلغ عدد المحاضرات التي ألقيت في المدرسة العادلية (المبنى القديم للمجمع) ما يقرب من أربعمئة محاضرة ألقيت ما بين 17/4/1921 و12/4/1946 مع انقطاع امتد من كانون الأول 1932 إلى أيار 1941، ومن غريب المصادفات الجميلة أن تكون المحاضرة الأولى والأخيرة للشيخ عبد القادر المغربي (رحمه الله) فالأولى كانت بعنوان (طرفة بن العبد) وألقيت في 21/4/1921، أما الأخيرة فكانت بعنوان (سياسة تمخضت بلغة) وألقيت في 12/4/1946. ونشرت بعض هذه المحاضرات في كتاب بعنوان: (محاضرات المجمع). ‏

ـ ظهر الجزء الأول منه/1925/ وفيه 17 محاضرة ـ الجزء الثاني منه/1945/ وفيه 26 محاضرة ـ الجزء الثالث منه/1955/ على قسمين: الأول للمتوفين من أعضاء المجمع وفيه ثلاث عشرة محاضرة والثاني يحتوي على أربع عشرة محاضرة. ‏

3 ـ الحفلات والمهرجانات: أقام المجمع العلمي العربي حفلات كثيرة نختصر منها: ‏

1ـ حفلة تأبين الشيخ طاهر الجزائري في 5/12/1920 ‏

2ـ حفلة تأبين أحمد كمال باشا المصري في 9/10/1923 ‏

3ـ حفلة تأبين محمود شكري الألوسي ـ مصطفى لطفي المنفلوطي في 21/8/1924 ‏

4ـ حفلة تكريم أمير الشعراء أحمد شوقي في 10/8/1925 (عند زيارته لدمشق وفيها ألقى قصيدته المشهورة) ‏

5ـ حفلة تنشيط الشعراء الشباب (زكي محاسني ـ جميل سلطان ـ أنور العطار ـ عبد الكريم الكرمي) في 4/11/1927، وهناك حفلات استقبال الأعضاء وحفلات تأبين من يتوفى منهم (رحمهم الله جميعاً وجعل ما صنعوه في صحائفهم يوم القيامة) وأقيمت مهرجانات أدبية أهمها: ‏

1 ـ مهرجان المتنبي بمناسبة مرور ألف سنة هجرية على وفاته في 23/7/1936. ‏

2 ـ المهرجان الألفي لأبي العلاء بمناسبة مرورألف سنة على ولادته في 25/9/1944. ‏

3 ـ مهرجان كردعلي بمناسبة مرور مئة عام على ولادته في 1976. ‏

ويضاف إليها مهرجانات احتفالية: مهرجان العيد الفضي والذهبي والماسي. ‏

وكانت ترد على المجمع أسئلة واستفتاءات عن صحة بعض الكلمات العربية والاصطلاحات الفنية.فكان يجيب عليها وينشر الردود والأجوبة في مجلة المجمع والصحف العامة ليستفيد أوسع شريحة من المثقفين مثال: (التتن التبغ) البسكويت أجاز إبقاءها على حالها (بسكوت على وزن فعلول) وتقاس عليها لفظة شوكلات على وزن فعولات. كفتوحات وأجاز استخدام لفظة مقهى للمكان الذي يشرب فيه قهوة البن. وقام المجمع أيضاً بنشر(عثرات الأقلام) في مجلته، وذلك باستخراج العثرات من الجرائد والصحف اليوميةوتصحيحها بعد التثبت منها بالمراجعة والمذاكرة. ‏

أما عثرات الأفمام: فقد بين المجمع الأخطاء التي لاتظهر إذا كتبت، وإنما يظهر الخطأ حين النطق مثل (أزمة: بمعنى الضيق والشدة) فالقلم لا يخطئ إذا كتبها، ولكن إذا تناولها الفم بالنطق أخطأ فيقول: أزمة بالتشديد ومثلها جَوعْان والناس يخطئون فيقولونها جُوعان وكذلك حَنجرة والناس يخطئون فيقولون حُنجرة، ودير الزَّورْ والناس يخطئون فيقولون ديَر الزوّر وأهرام والناس يخطئونها فيقولون إهرام، والرَّصاص والناس يقولونها خطأ الرصَّاص . ‏

هذه هي لغتنا العربية حاضرة فينا دائماً، اللغة التي لم تتبدل وستبقى لغة الضاد لغة الأجداد المتخفية في صدور أبنائها حيّة، وماعلينا في هذه الأيام ورغم الظروف والضغوط التي تتعرض لها الأمة العربية من الخليج إلى المحيط إلا التشبث بعنفوان بجذورنا لأن العولمة قادمة كطوفان يريد ابتلاع كل ماله جذور، ونحمد اللّه أن جذورنا راسخة في أديم الأرض ورحم اللّه (سيد مكاوي) في اغنيته(الأرض بتتكلم عربي)

غفران الناشف

المصدر: تشرين ‏

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...