متغيرات السياسة الروسية ومسيرة التقارب مع دول أوروبا
الجمل: تختلف دوافع السياسة الخارجية الروسية الحالية عن تلك الدوافع التي كانت موجودة خلال فترة الاتحاد السوفييتي السابق.. ومن أبرز الملامح الدالة على ذلك:
- انعدام التأثير الإيديولوجي على الشؤون السياسية الروسية.
- عدم الاهتمام بالعوامل الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية، بحيث أصبحت روسيا لا تهتم قليلاً أو كثيراً بالسيطرة على دول آسيا الوسطى والقفقاس.
- تركيز السياسة الخارجية الروسية على المصالح الاقتصادية والتجارية، بدلاً عن المصالح الجيوبولتيكية والجيوستراتيجية مثل نشر القواعد، وتقديم المعونات والمساعدات.
ظلت روسيا والروس منذ أيام الاتحاد السوفييت السابق يتطلعون إلى التوحد والاندماج مع بقية أجزاء القارة الأوروبية، وقد ظلت هذه الوحدة حلماً من أيام القياصرة، وفي هذا الصدد كان الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف يتحدث بتكرار عن فكرة (الوطن الأوروبي المشترك).
الآن أصبح الروس يعملون من أجل:
- المضي قدماً باتجاه نيل عضوية الاتحاد الأوروبي.
- الاحتذاء بالنموذج الصيني في إدارة التنمية وتسيير الاقتصاد.
أبرز المسارات في العلاقات الروسية- الأوروبية، يعتمد على تعزيز العلاقات الثنائية مع القوى الرئيسية في بلدان الاتحاد الأوروبي، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
المسار الروسي الألماني:
تهتم روسيا بعلاقاتها الثنائية مع ألمانيا على أساس الاعتبارات التاريخية القديمة الماضية، القائمة على الروابط الاثنية والاقتصادية والاجتماعية بين الألمان وشعوب روسيا البيضاء.
كذلك أصبح الألمان أكثر احتراماً وتقديراً لروسيا، وذلك بسبب الإدراك والشعور الألماني السائد حول نجاح توحيد ألمانيا، ويعتقد الرأي العام الألماني بأن:
- الأمريكيون عرقلوا الوحدة الألمانية.
- الروس ساعدوا على الوحدة الألمانية.
ينظر الروس إلى ألمانيا باعتبارها الجسر الرئيسي الذي يستطيع الروس المرور عبره إلى غرب أوروبا، وقد بدأ الروس الاستعداد لعبور هذا الجسر عن طريق استخدام جملة من الوسائط أبرزها:
• الوسائط الثقافية: وتتمثل في نشر تعليم اللغة الألمانية وجعلها لغة رئيسية في الجامعات والمعاهد الروسية، بما يعطي النخب الروسية القادمة دوراً أكبر في التغلغل الثقافي داخل المجتمع الألماني.
• الوسائط الاقتصادية: وتتمثل في محاولة ربط أداء الاقتصاد الروسي بالاقتصاد الألماني، عن طريق ربط البنيات التحتية التي تعزز الاعتماد المتبادل بين الاقتصادين، بحيث لا يستطيع الاقتصاد الألماني العمل بمعزل عن الاقتصاد الروسي، والذي بدوره لن يستطيع العمل بدون الاقتصاد الألماني. وتقوم الخطة الروسية على تمديد أنابيب النفط والغاز إلى كل المحافظات والمدن الألمانية، وعلى وجه الخصوص فإن شبكات أنابيب توزيع الغاز الروسي سوف تصل إلى كل بناية وشقة وبيت في ألمانيا.. كذلك سوف تعمل روسيا على تقديم الوقود النووي لمفاعلات الطاقة الألمانية، وبالمقابل سوف تشتري روسيا كل حاجياتها من السلع الغربية من ألمانيا أولاً قبل بقية غرب أوروبا.
• الوسائط السياسية: تحاول روسيا حالياً العمل من أجل دعم التوجهات السياسية الألمانية الهادفة إلى الاستقلالية والتخلص من ارتباطات حلف الناتو والتخلي تدريجياً عن الارتباط بالأجندة الأمريكية، وأيضاً التأثير على فرنسا ودول غرب أوروبا الأخرى من أجل التخفيف –على الأقل- من ارتباطات عبر الأطلنطي مع أمريكا.
المسار الروسي- الفرنسي:
العلاقات الثنائية بين روسيا وفرنسا، أصبحت حالياً في مواجهة ثلاثة وجهات نظر فرنسية متشائمة هي:
• وجهة نظر المدافعين عن حقوق الإنسان، ويتحدثون بانتقاد شديد إلى أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في روسيا خلال فترة حكم الرئيس بوتين الحالية.
• وجهة نظر المتخوفين من عودة النظام الامبريالي: ويتحدثون بخوف من احتمالات أن يؤدي التعاون الأوروبي مع روسيا إلى تقوية روسيا وتحولها إلى قوة عظمى تسيطر وتهيمن على أوروبا.
• وجهة نظر المتخوفين من سباق التسلح: وينظر هؤلاء بالكثير من الشكوك إلى موقف روسيا الغامض المبهم إزاء مسألة انتشار الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، ويعتقدون بأن روسيا ماتزال تقوم بإحداث التطويرات والتحديثات المضطردة في ترسانة أسلحتها المتطورة.. وفي لحظة مستقبلية محددة، يمكن أن تستخدم روسيا هذه القدرات ضد أوروبا، بما يؤدي لإخضاع أوروبا عسكرياً بالكامل إلى روسيا.
كذلك هناك ثلاثة وجهات نظر فرنسية متفائلة إزاء العلاقات مع روسيا:
- وجهة نظر المؤيدين لتوازن القوى العالمي، يرون بأن روسيا تمثل عاملاً هاماً وشريكاً استراتيجياً ضرورياً من أجل الحفاظ على التوازن الاستراتيجي العالمي.
- وجهة نظر المؤيدين للإنعاش الاقتصادي ويرون بأن التعاون الاقتصادي مع روسيا سوف يقدم فرصة إيجابية للاقتصاد الفرنسي، وذلك بسبب اتساع حجم السوق الروسي، وإمكانية الحصول على الخامات الروسية بأسعار أقل ونقل أسرع.
- وجهة نظر الاستقلاليين، ويربط هؤلاء بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس الفرنسي شارل ديغول، وذلك على أساس اعتبارات أن بوتين قد عمل من أجل تعزيز مكانة واستقلالية روسيا، شأنه في ذلك شأن شارل ديغول تماماً عندما تصدى لصيانة مكانة واستقلالية فرنسا عن الهيمنة الأمريكية.
وعموماً نقول: برغم الخطوات الهادئة التي تتقدم بها المسيرة الروسية داخل بلدان الاتحاد الأوروبي، فإن هناك الكثير من المشاكل والعراقيل التي تقف حائلاً أمام تحقيق المزيد من التقدم، ومن أبرزها، الحرب السرية الأمريكية- الإسرائيلية، التي تقوم وكالة المخابرات المركزية- الأمريكية متعاونة مع الموساد الإسرائيلي بشنها ضد روسيا.. ومن أبرز أحداث ووقائع هذه الحرب السرية، علمية اغتيال ضابط الكي.جي.بي السابق ليتفينينكو عن طريق تعريضه لجرعه شعاع البولونيوم 250 السام، (كلفت عملية إعداد جرعة الإشعاع حوالي 10 ملايين دولار)، كذلك قيام الإدارة الأمريكية وإسرائيل بشن حرب سياسية ضد روسيا في أوروبا عن طريق اتهام روسيا بالوقوف مع إيران وعرقلة إجراءات المجتمع الدولي الهادفة إلى منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.. كذلك تقوم المنظمات الاقتصادية الدولية (مثلث صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية) بشن حرب اقتصادية سرية ضد روسيا عن طريق عرقلة الاتفاقيات الاقتصادية والمالية، وعدم تقديم القروض والتشكيك في قدرة وكفاءة ملاءة الاقتصاد الروسي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد