لوعلم المنجمون شيئاً من علوم الفلك لكسروا الدف وبطلوا الغناء
الجمل ـ مصطفى علوش :كثيراً ما تبدو بعض الأسئلة محرجة، ومقلقة، لاسيما التي تتعلق بحجم ومساحة الخرافة والجهل في حياتنا، ولا تبدأ المشكلة فقط عند ذاك المدّعي الذي يجيب عن كل الأسئلة ويفهم في كل شيء. إنما تبدأ الكارثة عند مدّ البساط أمام التفكير الخرافي الذي يربط دائماً النتائج بغير أسبابها، وما فعلته بعض الفضائيات العربية والغربية في هذا المضمار كبير جداً، فليس عبثاً أن تخصص ساعات وساعات للبصّارات وقد تزينّ بأحدث الألبسة بعد أن كنّ في عصر أمي وجدتي قارئات للفنجان، حين كان الحمار وسيلة النقل الرئيسة في حياة البشر، وحين كانت الكهرباء اختراعاً ينسب للشيطان.
ومنذ عدة سنوات ثبت موعد استيقاظي الصباحي مع فترة بث الأبراج (لعالمة الفلك) نجلاء قباني، إذاعياً وتلفزيونياً، وبعد إغفالي المتعمد لهذه الفقرة تحسرت على أيام التوجه العلمي، الجدّي لقنواتنا الفضائية والإذاعية السورية، حيث كانت الاشتراكية في رؤوس البعض تعني فيما تعنيه محاولة تكريس المعرفة العلمية وفهم الواقع المعاش وربط النتائج بأسبابها الحقيقية.
وللأمانة الإعلامية لا ينفرد تلفازنا الوطني في هذه المهمة التي اكتشفها منذ سنوات، أي في زمن التطوير والتحديث، إنما سبقته الكثير من القنوات العربية، وبدأت قبله في بث أوهامها عن التنجيم.
ومن حرّض هذه التساؤلات هو ذلك النقاش الذي دار بيني وبين عدد من خريجي الجامعات السورية، بينهم مهندسات وأساتذة جامعة، فالمهندسة (م.ح) قالت: «كل ما تقوله نجلاء قباني عن برجي يصح معي مئة بالمئة»، وبعد أخذ ورد، قلت «وحسب توصيف العلماء: إن المعرفة العلمية لا تبدأ إلا عندما يعقب بجملة الوقائع إدراك لقانونيتها، أي للعلاقة الشاملة والضرورية بينها، مما يتيح تفسير لماذا تجري الظاهرة المعنية على نحو أو آخر، أي أن تأملات قباني وغيرها ما هي إلا أوهام ترسلها لبشر يائسين، عاجزين، غير قادرين على أي فعل حياتي، أناس ولدوا في رحم ثقافة الخوف، ومازالوا يعيشون تحت هذه الثقافة مضافاً إليها ثقافة الجهل، مع العلم أني مع بث روح الأمل والفرح والتفاؤل في حياة الناس، ولكن عبر طرق أخرى غير طرق الخرافة.
احتج على كلامي أستاذ جامعي، موضحاً أنني نفيت عن الأبراج صفة العلم، وهذا لا يجوز.
ولحسم هذا الجدل، حصلتُ على رأي د.علي موسى، اختصاصي جغرافيا- جامعة دمشق، فذكر أن المنجِّم إنسان يتكهن ويتوقع ويتنبأ متخذاً من الأبراج والكواكب والقمر عوناً له فيما يقص من قصص وحكايات وقد يصيب تارة، ولكنه يخفق أكثر الأحيان. النجوم وتوابعها أجرام سماوية لا تأثير لها مطلقاً على حياتنا ومستقبلنا، إلا الشمس منها، ذلك النجم الذي يمدّنا بالطاقة مصدر وجودنا ومستقبلنا، وما الصور السماوية النجومية المعروفة بالأبراج سوى صور وهمية وليست حقيقية إذ إنها تجمع بين نجوم لا علاقة لأي نجم بالآخر، وكل نجم يختلف عن الآخر اختلافاً كبيراً.
وأسأله:كيف يمكن أن نفنّد أكاذيب المنجمين؟
يجيب: - يعتمد المنجمون على معتقد قديم هو مركزية الأرض للكون وأن الكواكب والنجوم وكل ما في الكون يدور حولها ومرتبط بها، وهي مؤثرة فيه ومتأثرة بما حولها، وهذا غير صحيح مطلقاً فالأرض كوكب من كواكب المجموعة الشمسية تابعة للشمس وتدور حولها، وكل شيء عند المنجمين ارتكز على هذا الاعتقاد الخاطئ، وما قام على خطأ فنتائجه خطأ.
- ارتكزت اعتقاد المنجمين على فكرة ثبات الأرض وهذا خاطئ أيضاً.
- ونتج عن فكرة ثبات الأرض اعتقاد آخر وهو ثبات النجوم، وهذا خاطئ، وبقيت تحديداتهم لمدد البروج وأوقاتها ثابتة عبر التاريخ وهذا خاطئ، ولاسيما أن للأرض حركة ثالثة مهمة، غير حركتها حول نفسها وحول الشمس، هي ما تعرف بالحركة التراوحية أو التمايلية، وهذا يعني أن تحديدات البروج غير ثابتة بل متغيرة، إذ إن الأبراج بالنسبة لسكان الأرض تجنح نحو اليسار بمقدار «1/26000» من الدرجة كل سنة.. ففي سنة 3000ق.م كان الثور والعقرب يمثلان نقطتي الاعتدال غير أن الثور وبقية الأبراج تحركت مغيرة مواضعها إلى مواضع أخرى من منطقة البروج لنجدها في سنة 1000ق.م في مواقع مختلفة وليصبح 21 آذار بداية الحمل و21 أيلول بداية الميزان، وهي في سنة 1000م مختلفة، ذلك أن الشمس تدخل في 21 آذار برج الحوت بدلاً من برج الحمل وفي سنة 3000م ستدخل الشمس في 21 آذار برج الدلو، وهكذا مع تزحزح للبروج الأخرى.. لذلك، كل ما يقوله مرتزقة التنجيم غير صحيح فهم يتعاملون معها وكأنهم يعيشون في الألف الأول قبل الميلاد.
- إن المنجم مرتزق لا صلة له بالعلم، وهذا ما يتجلى بجهل المنجمين بأبسط الأوليات العلمية في ميادين ما يقوم التنجيم أساساً عليها، ومن أهمها علم الهندسة، علم الفيزياء، علم الفلك، والتقاويم، ولو كان لهؤلاء أي دراية بعلم الفك لعرفوا حقيقة صنعتهم ودجلهم.
وحول بدايات هذا الجنون التنجيمي يذكر لنا د.موسى ان التنجيم صنعة للارتزاق ومصدر للغنى والثراء، وهذا ما حدا أشهر علماء الفلك على الاشتغال بهذه الصنعة، ومنهم العالم الفلكي الألماني الشهير «جوهانس كبلر» في القرن السابع عشر الميلادي وهو من وصف علم التنجيم بالعلم الجنوني وقال في ذلك: «إن العالم أجن من المجانين، وعلماء الفلك كادوا أن يموتوا جوعاً لولا أن أرسل الله لهم هذا العلم الجنوني (علم التنجيم) رغم عدم إيمانه إطلاقاً بالتنجيم.
طبعاً نجلاء قباني لا تكتفي ببث أوهامها على الهواء مباشرة على صوت الشباب والفضائية السورية إنما تفرغت لاستقبال رسائل الـ SMS على رقم محدد لتجيب عبرها وتقدم خرافاتها. واستقبلتها وسيلة إعلامية جديدة فأفردت لها صورة وزاوية في صفحتها الـ15.
وتقول قباني عن مولود يوم 7/11/2006 انه «شجاع، متحدث بارع مقنع لمن حوله، يملك حاسة سادسة كبيرة، وأحلاماً تصدق، وقلباً يقول له الحقيقة»، طبعاً يمكن أن ينضوي تحت يوم ميلاد 7/11/2006 أكثر من عدة من ملايين على وجه الأرض وبما أنها تقول أن هذا المولود «متحدث، بارع» فماذا لو كان الأخ من (البكم- والصم)، وهؤلاء الملايين جمعتهم هذه السيدة في توقع واحد ومنهم المليونير والمعدم والمفقر والملون والأسمر والأبيض، وقد يكون بينهم مسلمون، مسيحيون، يهود، بوذيون.... ويمكن أن يكون بينهم ملحدون، أو (نص نص) أو سجناء شيوعيون عادوا لرشدهم وأمنوا بالإله الواحد الأوحد.. والأكيد بينهم من يؤمن بالأبراج، وبينهم من لا يؤمن سوى بالنهب المنظم.
وقباني ذكّرتني بأحد المعدّين في التلفزيون وقد أطلق عليها اسم «العرّافة».
وإذا كان المؤمنون بقباني كُثر فأفيدهم أن العلم في التعريف: «ميدان من النشاط البشري يهدف إلى دراسة الأشياء والعلاقات في الطبيعة والمجتمع والفكر، صفاتها وعلاقاتها وقانونياتها».
لم يتركني الصديق الصحفي أبي حسن أمضي في استرسالي، فكتب معلقاً على التنجيم من الطبيعي في ظل الاضمحلال الثقافي والاهتراء الاجتماعي الآخذ بالتمدد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بفعل عوامل داخلية سلطوية، وخارجية لا يد للسلطة فيها، أن تسيطر ثقافة الخرافة المتمثلة «بقراءة الفنجان وضرب المندل» بغية (كشف) الطالع، من غير أن ننسى (علم) قراءة الأبراج، كبديل موضوعي عن ثقافة تُعنى بالعقل وتنشئته، ومن الملاحظ أن ثقافة الخرافة تزداد طرداً مع ازدياد مساحة التفسخ والاهتراء الذي يصيب المجتمع على الصعيد المعرفي. ويتابع الكاتب أبي حسن: لاشك أن النظام أياً كان «لاسيما في بلدان تعاني من عطالة مزمنة وتخلف تاريخي» لن يكون بمقدوره تجاوز ثقافة الخرافة هذه، خاصة أنها باتت اللبنة الأساس في وعي من يحكمهم (أعني البنية التحتية للمجتمع والتي أكثرها من الرعاع)، والحال هذه لن نستغرب أن نرى على شاشتنا الوطنية مذيعات يقدمن برامج تروّج ما أمكن للخرافة تحت ذرائع واهية (الجمهور عاوز كده).. وليس هذا الأمر بمستغرب إذا ما علمنا أن بعضاً من (علماء) الدين المعتبرين يسردون في بعض كتبهم أن أبائهم كانوا يرون الله في منامهم وأكثر من هذا: أعاذنا الله وإياكم.
طبعاً تذكرت في هذا المجال واقعة تيس البوكمال الذي ظهر في ثمانينيات القرن الماضي وكان يشفي المرضى من كل الاتجاهات، ويبدو أن هذا ا لتيس مازال حياً في تفكير الكثير من الشرائح.. وإذا كان الخرافة تعربش في كل الاتجاهات فإن الصحف الإعلانية قد أفردت لها ما تستحق، فقد قرأت عن آخر خبر في عالم الأعشاب البحرية والطبيعية، وذلك في وسيلة إعلانية سورية مطبوعة.. مايلي: تخلص من البواسير والنواسير والشقوق الشرجية بدون جراحة وبدون كشف بسعر (150)ل.س
- علاج الديسك الرقبي بسعر (150)ل.س.
- علاج الروماتيزم وآلام الركبة بسعر (150)ل.س.
- علاج سلسل البول عند الأطفال والكبار أثناء النوم بسعر (350)ل.س.
- علاج ارتفاع السكر بالدم بسعر (350)ل.س.
- علاج الربو وتحسس الربو بسعر (350)ل.س.
- علاج تضخم البروستات بسعر (400)ل.س.
- علاج ترك الدخان نهائياً بسعر (350)ل.س.
- علاج رائحة الفم «مهم هذا للعشاق» بسعر (150)ل.س.
- علاج مزيل للشعر غير المرغوب به نهائياً بسعر (200)ل.س (لم يحدد مناطق الإزالة).
- علاج الضعف الجنسي- ضعف الانتصاب (لم يحدد السعر) و(ربما مجاناً).
وحتى يأخذ القرار علماً فإن صاحب كل هذه العلاجات ليس جامعة عربية أو غربية ولا مؤسسة بحثية متطورة ولا بروفيسوراً قادماً من أرقى الجامعات الغربية: إنه السيد (أبو محمد) وهاتفه كذا وجواله كذا وعنوانه (مزة- الشيخ سعد...الخ).
بالقياس إلى أوهام قباني التنجيمية فإن علاجات أبو محمد تنتمي لتلك الخرافات السورية الجذور حيث حكايات ألف ليلة وليلة نقطة ببحرها.
وحتى لا تنزعج عالمة الفلك إياها من تحليلنا فإن برجي (الميزان) حسب تهيؤاتها: (قد تشاهد كثيراً من الغرباء بسبب السفر أو بسبب دعوة تتعرف فيها على وجوه جديدة، كل أمور الأوراق والدراسة تكون لخيرك، ولذلك انتبه أن تكمل كل ما بدأته من أوراق ولا تنجر إلى البطء).
وأفيد السيدة قباني أن قراءتها لبرجي خاطئة لاسيما أن أمي قد دعت لي منذ مولدي أن يوضع التراب في يدي فيصير ذهباً، وما حدث أن الدعاء في الحياة صار مقلوباً.
الجمل
إضافة تعليق جديد