«الشريط الأخير» لا ينصح بمشاهدته من قبل المكتئبين
ضمن العرض المسرحي (الشريط الأخير) الذي قدم على خشبة القاعة المتعددة الاستعمالات في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق مساء 6-12- 2009 المأخوذ عن نص (شريط كراب الخير) لصموئيل بيكيت حاول المخرج أسامة غنم الوصول إلى تلك المنطقة النفسية المتعلقة بغربة الإنسان ووحدته، حيث العتمة التي لفّت الصالة جزءاً أساسياً من عتمة النفس وهي تصارع غربتها وحيدة وعارية، أما الضوء القادم إلى طاولة المكتب فكان ضرورة مسرحية أكثر منه ضرورة نفسية لشيخ وحيد عمره في السبعين يتذكر أو يستعيد من خلال التسجيل الإذاعي ما قاله عن ذاته عندما كان في عمر 39 حيث كان يحب فتاة اسمها (بيانكا) (فتاة في معطف أخضر عتيق على رصيف محطة). أثناء استماع هذا الشيخ لذاته وهو يحكي ويرصد حياته الماضية كان الممثل الشاب محمد آل رشي الذي لعب دور (الشيخ) يمشي معنا نحو غربته وغربتنا، يصارع ذاته ويصارع زمنه وكأننا نحن نصارع
نحن الذين جئنا بكامل لياقتنا لحضور هذا العرض ولم نكن خائفين من الزمن وخرجنا من العرض نعدد سنوات عمرنا الذي ضاع أو سيضيع!
في هذا العرض غابت المتعة بمعناها المعتاد وحل محلها التأمل أو الإصغاء، في هذا العرض كنا نرصد العتمة التي تلف هذا الكائن الشيخ الذي يعيش وحدته وغربته وجنونه أيضاً (كأن العرض أراد أن يقول هكذا أنتم أيها الناس في هذا الزمن الغريب) هكذا هو واقعكم النفسي، وحيدون غرباء، عراة، مجانين بائسون تحاورون ذواتكم الداخلية فقط وتمشون إلى توابيتكم بمنتهى الهدوء، موتى أنتم في حياة لا تحتفي بالحياة.
(محمد آل رشي) أقنعنا بكل هذا الخواء الذي عاشه الشيخ كما أقنعنا بكل هذا الهدوء والتمرد المستتر وجعلنا نمشي إلى منطقته التمثيلية، وأحاطنا بالملل واليأس الذي أصاب الشخصية، لذلك لا انصح المصابين بالاكتئاب بحضور هذا العرض.
يقول مخرج العرض أسامة غنم: (هذه المسرحية عمل حساس له علاقة بالوحدة والتقدم بالعمر وبالوقت نفسه هي تمرين ممثل، فخلال ساعة كاملة يتحدث الممثل حوالي عشر دقائق فقط، بينما يستمع بقية وقت العرض،والسؤال كيف يكون فعل الاستماع فعلاً جديراً بالمشاهدة، كتب بيكيت نصه بعشر صفحات فقط لشخص يعيش في زمنين، زمن الشباب المستعاد عبر شريط التسجيل، وزمن الحاضر، في هذا العرض مسألة مهمة لها علاقة بتكنيك الكتابة الإذاعية وعلاقتها مع التمثيل، هذا الشكل غني وممتع لنا ولشغلنا كممارسين للمسرح، هذا العرض جدي ومتطلب واشتغلنا عليه بجدية، ويحتاج إلى تلقي وإصغاء وهو عرض عن الإصغاء في النهاية).
يأتي هذا العرض (ضمن مشروع المسرح الشاب حيث يقو م المعهد السويدي للدراسات الدرامية بدعم من مؤسسة sida بالتعاون مع د-ماري الياس الأستاذة في جامعة دمشق والمعهد العالي للفنون المسرحية بالتنسيق والإشراف على مشروع المسرح الشاب الذي يهدف إلى تطوير التجارب المسرحية في سورية، وتشجيع الطاقات الإبداعية فيها من خلال المساهمة في تمويل مشاريع المسرحيين الشباب، ويعنى هذا المشروع بكل مجالات فنون العرض والأداء، وقد تم التركيز منذ عام 2008 على إنتاج مسرحيات لمخرجين شباب في محاولة لخلق الظروف الجيدة والتمويل المناسب في شكل من اشكال الإنتاج الجديدة وذلك لرفد المشهد المسرحي السوري بتجارب جديدة على صعيد الكتابة والإخراج المسرحيين).
نختم مع بيكيت وهو يقول على لسان شيخه (كن ثانية، كن ثانية، كل هذا البؤس القديم، ألم تكفك مرة واحدة، التصق بها), الشريط الأخير في غايته الأخيرة محاولة لإزاحة العتمة الداخلية للإنسان عبر المسرح.
مصطفى علوش
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد