لبنان يضيّق على السوريين
يبدو أن ملف الحدّ من أعداد النازحين السوريين إلى لبنان بدأ يأخذ مجراه الإجرائي، من دون الإعلان عنه بشكل واضح وصريح، بعدما تصاعدت أصوات سياسيين لبنانيين، بخصوص تداعيات ازدياد العدد على الواقعَين الاقتصادي والأمني في لبنان. فمنذ أربعة أيام، تشهد النقاط الحدودية البرية محطة لعودة العشرات الى حيث أتوا، وذلك بسبب إجراءات طرأت على مباني الأمن العام المخصصة للواصلين، تقضي بمنع دخول كل من يحمل هوية سورية «مكسورة» أو «مخدوشة»، فضلاً عن منع دخول سوريين إلى لبنان لمجرد الارتياب من كثرة ترددهم بين البلدين.
الأمر ليس مرتبطاً بقرار من الأمن العام وحده، بحسب مصادر وزارية، بل مبنيّ على قرار سياسي لبناني. فبعدما وصل عدد السوريين في لبنان إلى نحو مليون و200 ألف نازح، والخشية من كون الآلاف منهم مرتبطين بتنظيمات مسلحة في الداخل السوري، وبعدما تبيّن أن عدداً كبيراً منهم أتى من مناطق لا تشهد أي حروب، تقرر تشديد إجراءات انتقال السوريين إلى الأراضي اللبنانية. وتقول مصادر وزارية «وسطية» إن الوكالات الدولية التي تعنى باللاجئين، وخاصة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تجري مقابلات مع السوريين الذين يتقدمون بطلبات لتسجيلهم كلاجئين، إلا أنها ترفض منح صفة لاجئ للمئات منهم أسبوعياً، بسبب عدم انطباق معايير اللجوء عليهم، سواء لناحية وجودهم في لبنان منذ ما قبل اندلاع الأزمة في بلادهم، أو لأنهم أتوا من مناطق سورية آمنة. كذلك تحدّثت بعض الجمعيات عن مواطنين سوريين يأتون إلى لبنان للحصول على مساعدات، ثم يعودون إلى بلادهم. أضف إلى ما تقدم أن «الأجهزة الأمنية اللبنانية تحذّر من خطورة الوجود السوري في لبنان، ليس من منطلق عنصري، بل بسبب عدم وجود أفق لعودة هؤلاء إلى ديارهم في المدى القصير ولا في المدى المتوسط»، على حد قول عدد من الوزراء. وبناءً على هذه المعطيات، تقرر تشديد الرقابة على دخول السوريين إلى لبنان. كذلك عُقِد اجتماع قبل مدة ضم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، تقرر فيه إنشاء مركزَي استقبال للسوريين والفلسطينيين قرب نقطتي المصنع والعريضة الحدوديتين، على أن يكونا بإدارة الدولة اللبنانية. وجرى اختيار العقارين اللذين سيُقام المركزان عليهما. وسيكون الهدف من المركزين إجراء عملية تدقيق أولية في هويات السوريين، ثم محاولة الفصل بين اللاجئين وغير اللاجئين، واتخاذ قرار بشأن من يُسمَح بدخوله إلى لبنان. كذلك تريد السلطات اللبنانية أن تحصل من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال إغاثة النازحين على معلومات عن السوريين الذين لا تنطبق عليهم صفة لاجئ، على أن يتم لاحقاً بت أوضاعهم، سواء لناحية السماح لهم بالبقاء في لبنان أو ترحيلهم. لكن حتى اليوم، بحسب أكثر من وزير معنيّ بالملف، لا يجرؤ لبنان على ترحيل سوريين إلى بلادهم، «لأن هذا الأمر سيثير موجة غضب عارمة ضدنا. ورغم أننا البلد الوحيد الذي فتح حدوده للسوريين، ورغم أن أحداً لا يحاسب الأردن أو العراق أو تركيا على أي إجراءات تقررها للتعامل مع النزوح السوري، فإن الأضواء تتسلط مباشرة على الحكومة اللبنانية في حال قيامها بأي مبادرة تجاه النازحين السوريين».
وبحسب المصادر، لم يتم بعد تأمين توافق سياسي على فكرة إقامة مخيمات للاجئين السوريين، رغم وجود وجهة نظر تشير إلى أن إقامة المخيمات ستكون على كل المستويات أفضل للاجئين أنفسهم، سواء على مستوى الخدمات الطبية أو الغذائية، أو على المستوى الأمن اللبناني. لكن وجهة نظر أخرى ترى أن الدولة اللبنانية ستكون عاجزة عن إدارة المخيمات، بسبب نقص التمويل وعدم وفاء معظم الدول الكبرى بتعهدها مساعدة لبنان على مواجهة متطلبات النزوح السوري، فضلاً عن سوء أداء الإدارات الرسمية اللبنانية. «وبدل تشتيت همّ النزوح وتقسيمه على القوى المناطقية والسياسية التي تساعد النازحين السوريين، سيجري جمع هذا الهم في مكان واحد وتركه من دون إدارة جدية». ويشير أصحاب هذا الرأي إلى الخشية من أن تؤدي إقامة المخيمات إلى عدم عودة جزء كبير من السوريين إلى بلادهم، واستقرارهم في لبنان، تماماً كما جرى في مناطق التهجير اللبناني التي لم يعد جميع أهلها إليها، رغم مرور أكثر من 23 عاماً على انتهاء الحرب.
وإلى أن تُتّخذ القرارات الفاصلة في كيفية التعامل مع النزوح السوري، سيستمر الأمن العام بالتشدد على المعابر للتخفيف من أعداد السوريين القادمين إلى لبنان. وقال مصدر في الأمن العام لـ«الأخبار» إن الإجراء الأمني هذا هو نتيجة تعميم من المديرية العامة للأمن العام، منذ خمسة أيام. ويمنع التعميم دخول أي سوري يحمل بطاقة هوية تشوبها أي شائبة، أو جواز سفر صادراً عن الهجرة والجوازات السورية ضمن المواصفات القانونية، لكن يحمل تأشيرة من المعابر التي يسيطر عليها المعارضون السوريون. وبخصوص الهويات «المكسورة»، أكد أن التعميم يمنع دخول كل من يحمل هوية مكسورة أو مخدوشة بشكل واضح، ولفت الى أن هذا التعميم سبب عودة المئات من السوريين الى سوريا خلال الأيام الثلاثة الماضية.
أسامة القادري
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد