فيلم نصري حجاج عن محمود درويش: الخراب يسطو على الأمكنة
يلاحق المخرج السينمائي الفلسطيني نصري حجاج، في فيلمه الوثائقي الجديد عن محمود درويش، أمكنة الشاعر الراحل: أين أقام وألقى شعراً، المدن والفنادق والأماكن التي عمل فيها. لكن صاحب «ظل الغياب»، الفيلم الذي روى مأساة الشتات الفلسطيني عبر مطاردة قبور الفلسطينيين التي تملأ الرحب، من صبرا إلى كوبا والولايات المتحدة ولندن وحيفا وسواها، يُفاجأ هذه المرة بأن الأمكنة التي مرّ عليها الشاعر تتحوّل إلى خراب، فأي مصادفة.
حين زرنا موقع تصوير فيلمه الجديد هذا في مدرج جامعة دمشق، فوجئنا بأن حجاج وضع الكاميرا فوق ركام من الخراب، وعلى المنصة الخربة راحت تعزف عازفة الـ«هارب» الفلسطينية ديمة القاسم: «أردت أن أبث شيئاً من الحياة في المكان»، كما قال قبل أن يروي يوميات التصوير: «بدأت التصوير الفعلي في باريس قبل حوالى شهر، في فندق «ماديسون» في سان جرمان، الذي كان ينزل فيه الشاعر في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة. إنه مكان مليء بالدلالات، فهو يقع على خط مترو، وخمس محطات تحمل أسماء قديسين. طاقم الفندق يحمل حباً شديداً للشاعر، وكثيراً من الذكريات حول غرفته في الطابق الخامس. الغرفة تحوّلت إلى خراب، نتيجة أعمال الترميم». أما في بيروت، فبعد أن استكشف حجاج أمكنة الفلسطينيين (المخيمات وسواها)، أراد تصوير مكتب الشاعر في مجلة «شؤون فلسطينية»، وإذا بالمبنى آيل إلى السقوط، صدأ وتشقق وقطط سائبة وصلت حتى إلى الطابق السابع في المبنى، حيث مكتب المجلة: «قرّرت أن أصوّر الغموض والسحر وراء هذه المصادفات التي تلت موت شاعر، رحل في لحظة خطرة كبطل أسطوري توّج الانهيار. في هذه الأماكن الحزينة والفارغة، أردت أن أضيف لمسة حياة. هنا، سيكون صوت محمود درويش العنصر الأساسي، وله الاعتبار الأول. يذهب المشاهد إلى السينما ليرى الصورة، أما هنا فليستمع إلى صوت الشاعر».
من الأماكن التي سيصوّرها الفيلم: مطعم يحبه الشاعر في رام الله، ومكتبه في مجلة «الكرمل»، وبيته في عمّان، والمدرّج الشمالي في جرش، الذي رُمّم بعد العام 2000 وكان الراحل أول من ألقى فيه، ثم مسرح «أوديون» في باريس، أحد أهم مسارح أوروبا والعالم. وسجّل حجاج إلى الآن مع الشاعر الفرنسي دومينيك دو فيلبان، وزير الخارجية الفرنسي السابق، باعتباره شاعراً لا سياسياً، ومع الأميركي مايكل بالمر، الذي قال إنه لم يلتق درويش، لكنه تابع شعره منذ خمسة عشر عاماً، كما قال إنه بدأ يصبح معروفاً في الولايات المتحدة. كذلك جرى التصوير في كردستان العراق مع شعراء قرأوا قصائده بالكردية. في هذا الإطار، اعتبر المخرج أن عمله عن درويش ليس فيلماً وثائقياً بالمعنى الكلاسيكي، فلا مقابلات أجريت مع أحد يتحدّث عن تجربته الإنسانية: «هناك فيلم يرسّخ صوت درويش، وفيه استعارة من قصائده، وأنا هنا لا أقدّم معرفة جديدة حول الشاعر، بقدر ما أعبّر عن حب تجاهه. إنه رسالة حب لمحمود درويش». وقال أخيراً إن السينما الفلسطينية بدأت تتطوّر عندما انسحبت المؤسّسة الفلسطينية من الهيمنة. حينها، استقلّ المخرجون، وصار السينمائي الفلسطيني حراً بالاشتغال على موضوعه برؤيته هو، لا برؤية النظام السياسي: «هناك موضوعات كثيرة بحاجة إلى أن يقولها الفلسطينيون. هناك جوانب من حياة الفلسطينيين يجهلها العالم، وهذا ما يعمّق الحاجة إلى السينما التسجيلية».
يُذكر أن الفيلم من إنتاج المخرج، وحصل على ما أسماه مساعدة مالية بسيطة من وزارة الثقافة الفلسطينية في رام الله.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد