عزمي بشارة: الهوية العربية في مواجهة الصراعات المذهبية
في ختام ندوات في لبنان,حاضر فيها,تحدث المناضل العربي الدكتور عزمي بشارة في حوار طويل وشامل حضره نخبة من السياسين والمثقفين والإعلاميين,بدعوة من منبر الجمعية الاسلامية للتخصص والتوجيه العلمي,حول العديد من القضايا التي تشغل الرأي العام,وتثير التساؤلات بشأنها,أن كان في مسألة مفهوم الحرية والديمقراطية والطريق لتحقيق المواطنة الفلسطينية,وثقافة المقاومة ومشروع المقاومة,وشروط الوحدة الوطنية الفلسطينية,والموقف من الواقع الراهن على الساحة الفلسطينية,ورؤيته للقومية العربية والهوية العربية واهميتها في مواجهة الصراعات والتعبئة الطائفية والمذهبية.
وفيما يلي أهم ما تطرق إليه الدكتور عزمي بشارة في الحوار المطول حول مجمل هذه القضايا.
استطيع أن اتخيل ديمقراطيات بدأت بحكم الأغلبية ولم تكن ليبرالية ولا تؤمن بالحريات,كما في بدايات الثورة الفرنسية,الليبراليون الذين آمنوا بالحرية لم يكونوا بداية ديمقراطيون,كانوا يؤمنون بأن الحرية تصح للنخبة فقط وأن الحرية هي من نصيب الناس الواعون الذين يعرفون كيف يستخدمونها. أنا لا أدري إذا كان هناك فكرة لدى غالبية الذين يتحدثون حول هذه الموضوعات في الوطن العربي بان غالبية الليبراليين في أوروبا لم يكونوا ديمقراطيين,لم يؤمنوا بحق الاقتراع لغالبية الناس وآمنوا بأن غالبية الناس لا يحق لها أن تكون حرة,وجان لوك لم يؤمن بحق الاقتراع للكاثوليك ولا للنساء ولا للفقراء ولا للعمال, لكن ارتباط الديمقراطية بالحرية بمفهوم الليبراليين تم فقط بعد نهاية الحرب العالمية الثانية,اصبح مفهوم الديمقراطية مرتبط تماماً بمفهوم الحريات التي عممت على كافة المواطنين,ولكن نحن متفقون إنه لم يعد في ايامنا يمكن الحديث عن ديمقراطية بدون حريات,غير أن الديمقراطية اليونانية لم تكن ليبرالية,لم يكن فيها حرية دين ولا حرية تدين,إنما كانت تقوم على مفهوم الاغلبية التي تحكم وتدير شؤون البلاد, فالجمع بين الديمقراطية والليبرالية جعل تداعيات الديمقراطية نرى فيها مسألة الحرية.
إن الطريق لتحقيق المواطنة الفلسطينية هي تحرير الوطن الفلسطيني, ولقد تحدتث طويلاً حول المشروع الوطني الفلسطيني في عدة ندوات في لبنان,ورأي أن الخيار الحالي الذي تخلى عن مواقع حركة التحرر الوطني دون الوصول إلى دولة أودى بالمشروع الوطني الفلسطيني. المشروع الوطني الفلسطيني مشروع: إما التحرير الكامل, أو تسوية على أسس واضحة, وليس على أساس موازين القوى.
المواثيق الدولية بعد العمليات التي جرت في أوروبا أعطت الشرعية للمقاومة بصفتها جزءاً من ثقافتها,ولو كان الأوربيون يعتقدون بحالة الجزائر أو حركات التحرر لكانوا لم يوافقوا على وضعها في المواثيق,ولكننا استفدنا من ذلك لاننا حولنا المقاومة إلى حق مشروع,مقاومة الاحتلال هي حق مشروع,وهذا اقتباس من ميثاق جنيف, ثقافة المقاومة يفترض أن تكون مواطنية ديمقراطية وكلما تم تعميم ذلك كلما كان أفضل, وكلما تقلص المنسوب الفئوي في المواطنة كلما كان أفضل للمقاومة وللوطن, هذا أمر مهم وضروري بان يكون مفهوم المقاومة مفهوم مواطنة دفاعا عن الوطن وعن المواطن وليس خدمة يؤديها احد من اجل أحد, لذلك نحن ندعم حق المقاومة في لبنان وثقافة المقاومة ولدينا موقف من كل عملية التشكيك بالمقاومة وثقافة المقاومة,ليس فقط من منطلق تحليل, لأن خيار المقاومة هو خيار الممانعة,وربط ذلك بتعميم خيار المقاومة,والمقاومة في لبنان يحق لها أن تعتز وتفتخر بكل فئاتها وبكل تاريخها منذ عام 1982 ولأنه بالنتيجة حصل اقتداء بها,ورفعت المعنويات. من هنا نحن نؤكد على مسألة انتشار ثقافة المقاومة والاحتذاء بهذا المثل,لدينا الانجاز في لبنان,وثقافة المقاومة الداخلية,وقوة المثل,قوة الاسطورة بالمعنى الإيجابي.
ونحن هنا نتحدث عن مقاومة المحتل ضد الاحتلال,المقاومة هي حق للشعب الواقع تحت الاحتلال أن كان مسلما أو غير مسلم, فالشعب الفرنسي قاوم الاحتلال النازي ليس لأن عقيدة الجهاد فرضت عليه,إنما للدفاع عن الوطن,وهذا هو المطلوب لذلك نحن نتحدث ليس عن حروب دينية,وحرب عقيدة بعقيدة, وهذه هي أهمية المقاومة في لبنان, إننا نتحدث عن تحرير الوطن,الوطن الذي يشمل كل الديانات وكل الطوائف وليس طائفة واحدة, أمرأساسي لثقافة المقاومة أن تكون ثقافة مواطنية.
أريد التأكيد على أمر مهم,هناك حصار على الشعب الفلسطيني وعلى حكومته,حتى لو اختلفت مع أحد, ليس بالضرورة كل الاساليب مباحة, فالحكومة الفلسطينية المنتخبة تجري محاولة حثيثة لإفشالها,وأنا مستاء جداً من أي محاولة للاستفادة من الحصار الأجنبي في سبيل انجاح طرف لإفشال طرف,وهذا الطرف الذي ينجح بهذه الوسائل على المدى البعيد لن تكون له شرعية,الانتصار لا يصح أن يكون عن طريق تجويع الناس,والاستفادة من تجويع الناس واستفتاءهم على لقمة الخبز, وما دمنا نتحدث بثقافة المقاومة فكيف نتحدث عن ديمقراطية اسمها انتخابات ونرفض نتائج الانتخابات,حماس لم تحقق انتصاراً ساحقاً, إذا اعتمدت الطريقة النسبية ستجد أن حماس تمثل 42 43 بالمئة وكذلك فتح, من خسروا يجب ألا يتصرفوا كمهزومين ويصابوا بالعصبية, واؤلئك الذين فازوا يجب ألا يتصرفوا بغرور كأنهم اكتسحوا الساحة, نحن في حركة تحرر وطني ولسنا في دولة,ولا يحق لنا ان نستخدم سلطة ومعارضة, سلطة ماذا? ومعارضة ماذا? نحن في حركة تحرر وطني تحت الاحتلال, كل هذه الحكومة أصلا فرضتها اتفاقات أوسلو كبنية لتقديم وإدارة خدمات للناس وإراحة الاحتلال من إدارة شؤون الناس, ما هو مطلوب الآن إدارة هذه الشؤون,وأن تستمر المقاومة ضد الاحتلال, وهذا هو الأمر الأساسي, ويجب أن يكون هناك اتحاد وطني فلسطيني لنتمكن من فعل الشيئين:إدارة شؤون الناس والاستمرار بالمقاومة,لا يوجد خيار آخر سوى الوحدة الوطنية الفلسطينية,وهذه الوحدة في مثل هذه الحالة إذا كان لديها استراتيجية هي كفيلة بالتصدي للحصار لأنه لا يوجد أي منطق لا قانوني ولا دولي ولا حتى استعماري سيبرر محاصرة كل الشعب الفلسطيني ولن يكون ذلك ممكنا, وأنا اتمنى على الأخوة في غزة والضفة الغربية القاء السلاح جانبا فيما يتعلق بالعلاقات الفلسطينية الفلسطينية,والحوار وتحقيق وحدة فلسطينية دون أن نحتاج لا الى إستفتاء ولا لغيره, وحدة وطنية فلسطينية في الاطارين: في اطار إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تقوى وتشمل الجميع, وفي اطار أن يكون للفلسطينيين حكومة وحدة وطنية, ولا يوجد بديل عن ذلك, وممنوع الانجرار إلى طرح الاسئلة الأميركية الإسرائيلية علينا بفعل الحصار.
القومية العربية لم تفشل إنما الطروحات هي التي فشلت, وأنا قلت في المؤتمر القومي العربي الآخير في المغرب: من ليس لديه أصل ليس لديه اخلاق,النقاش بما حصل شيء والتنكر لأصلنا شيء آخر, أما بشأن القول بان القوميين العرب لم يكونوا ديمقراطيين, نسأل من كان ديمقراطيا في العالم الثالث في الخمسينيات والستينيات, وهل كان جمال عبد الناصر خارج السياق التاريخي في هذه المرحلة, هذا هو السياق الذي رأت فيه شعوب العالم الثالث تحرير الفلاحين واشراكهم في الحياة السياسية, هذا فعلا ديمقراطيا, فتح الجامعات امام ابناء الفلاحين ومشاركتهم في الحياة السياسية يعتبر فعل ديمقراطي, لأنه فعل يسيس الاغلبية ويشركهم في السلطة, في الوقت الذي كانت الانظمة الليبرالية السابقة,التي لم تكن ديمقراطية, تحول دون مشاركة الاغلبية في الحياة السياسية.
ولقد صعقت في احدى الندوات عندما قيل أن الانظمة العربية القومية لم تكن انظمة ديمقراطية,القومية ليست نظام حكم, نحن محرومون من الاولويات بان تكون دولتنا دولة قومية, أن تكون قوميا لا يكفي كي تحكم, يجب ان تكون قوميا ديمقراطيا أو قوميا يمينيا, جمال عبد الناصر كان ظاهرة إيجابية تقدمية حتى في قضايا الجماهير والاصلاح.
عندما أواجه صراعاً طائفياً أو تعبئة طائفية أو مذهبية, ما هو السلاح الذي نملكه, وفيه انتماء وهوية ومواطنة, غير العروبة, العروبة هي حاجة داخلية, فقضية الهوية العربية ليست حاجة رفاهية, هي حاجة داخلية ملاصقة للعمل السياسي,وانهيارها نتيجة ازمات داخلية, الهوية العربية ليست هوية عنصرية كما يفهمها البعض بطريقة خاطئة, العروبة ثقافة ولغة تأسست على طموحات سياسية كأمة صهرت اقواما عديدة ومن اصول عديدة, العروبة ليست وحدة أصل ولا وحدة عنصر, العروبة هوية ثقافية, وأنا اعتقد انها متقدمة على تعريفات قومية حديثة أوروبية للهوية .
حسن حردان
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد