عالـم بـلا إسـلام
ماذا لو لم يوجد الاسلام قط؟ الفكرة تلوح مريحة للبعض: لا صدام بين الحضارات، لا حروب مقدسة، لا إرهابيين. هل كانت المسيحية لتغزو العالم؟ هل كان الشرق الاوسط ليكون منارة الديموقراطية؟ هل كانت أحداث «11 أيلول» لتقع؟
في الواقع، إن العالم ـ إذا ما محونا الاسلام من سياق التاريخ ـ كان لينتهي تماماً حيث هو اليوم، برأي الكاتب والاكاديمي الاميركي غراهام فوللر، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الاستخبارات القومية في جهاز «سي أي ايه» الاميركي.
ففيما يعدّ «الاسلام الفاشي» اليوم، بالنسبة لبعض المحافظين الجدد، «العدو اللدود» في الحرب العالمية الثالثة المرتقبة، يقول مؤلف «مستقبل الاسلام السياسي»، في مقال نشر في العدد الاخير من دورية «فورين بوليسي» الاميركية، إن الاسلام ليس المسؤول عن أي من الازمات الاقليمية أو الدولية، بما في ذلك قضية «الارهاب»، التي تشغل العالم اليوم.
يقول فوللر إن المنطقة، من دون الاسلام، كانت لتبقى مليئة بالتعقيدات والنزاعات. وكانت لتبقى الاثنيات ذاتها الطاغية في الشرق الاوسط، من العرب والفرس والاتراك والاكراد واليهود، وحتى البربر والبشتون، هي المسيطرة على السياسة فيه.
الفارق أنه لو لم ينبثق الاسلام، لكان معظم الشرق الاوسط ظلّ خاضعاً للمسيحية بمختلف أشكالها، تماماً كما كان الامر عليه في فجر الاسلام. وليس ثمة ما يدفع للاعتقاد أن الوضع كان ليتغير كثيراً في شرق أوسط مسيحيّ عما هو عليه الان. في النهاية، ما هي الحملات الصليبية إن لم تكن مغامرة غربية تقودها بشكل بدائي الحاجات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ إن راية المسيحية لم تكن أكثر بكثير من رمز سلطوي، وصرخة حشد لمباركة أكثر المحفزات الدنيوية للاوروبيين الاقوياء.
من المستبعد إذاً الافتراض أن سكان الشرق الاوسط المسيحيين كانوا ليرحبوا بتدفق أساطيل أوروبا وتجارها، تحرسهم البنادق الغربية، وإن كانت الامبريالية لتفلح ربما في الفسيفساء الاثنية المعقدة للمنطقة. ولا كان المسيحون الشرق أوسطيون ليرحبوا بشركات النفط الغربية الامبريالية، المدعومة من قبل الاوصياء والدبلوماسيين الاوروبيين ومخابراتهم وجيوشهم، أكثر مما فعل المسلمون.
يمكن الاستدلال على ذلك من التاريخ الطويل لردود فعل شعوب أميركا اللاتينية على الهيمنة الاميركية على نفطهم، اقتصادهم وسياساتهم. وكان الاوروبيون عندها ليطبقوا الاحكام المحلية عينها التي طبقوها في عهد الاسلام.
وتماماً كما حصل لدى الشعوب غير المسلمة: في الهند الهندوسية، الصين الكونفوشيوسية، فيتنام البوذية وأفريقيا المسيحية والروحانية، كان من شأن شرق أوسط غير مسلم أن يخلق حركات قومية معادية للاستعمار، لانتزاع السيطرة على نفطه وأسواقه وسيادته ومصيره، من القبضة الاجنبية. ودعونا لا ننسى أن المسيحيين العرب أدوا دوراً أساسياً في انبثاق الحركة القومية العربية في الشرق الاوسط.
ثم هناك فلسطين. لقد كان، بالطبع، المسيحيون هم من اضطهدوا اليهود باستمرار، لأكثر من ألف عام، بلغ أوجه في الهولوكوست... كانت الحركة الصهيونية ستنبثق أيضاً وتفتـــش عـــن ملاذ خارج أوروبا في فلسطين. وكانت الدولة اليهـــودية الجديدة لتطرد أيضاً الـ750 ألف عربي أنفســـهم في فلسطين من أراضـــيهم، حتى وإن كانوا مسيحيين ـ وكان بعضهم بالفعل كذلك.
كانت المشكلة الاسرائيلية ـ الفلسطينية لتبقى هي هي في قلب نزاع قومي وإثني على الارض، لم يتم سوى مؤخراً شد إزره بالشعارات الدينية. وفي العراق، ما كان العراقيون ليرحبوا بالاحتلال الاميركي لو كانوا مسيحيين. فالـــولايات المتحدة لم تسقط صدام حسين، العلماني، لأنه كان مسـلماً.
لكن، ربما كان الشرق الاوسط ليكون أكثر ديموقراطية من دون الاسلام؟
حتى هذه الفرضية غير دقيقة، برأي فوللر، في وقت لا يقدم فيه التاريخ الديموقراطي الاوروبي نفسه ما يدعو إلى التفاؤل: فإسبانيا والبرتغال (المسيحيتان) لم تنهيا ديكتاتوريتيهما سوى في أواسط السبعينيات؛ ولم تنل اليونان ديموقراطيتها سوى منذ عقود معدودة؛ فيما حكم الدكتاتورات دول أميركا اللاتينية ببركة أميركية، وبالشراكة مع الكنيسة الكاثـــوليكية؛ ولم تســلك معظم دول أفريقيا المسيحية منحىً أفضل بكثير.
أما النزاع الاسلامي مع عالم الغرب المسيحي، فكان ليتحول، من دون الاسلام، إلى نزاع مسيحي مسيحي. لقد عرفت المسيحية الهرطقات منذ القرون الاولى لانبثاقها. وهي هرطقات تحولت إلى أدوات سياسية لمواجهة السلطة الرومانية أو البيزنطية. لقد أخفت حروب الغرب الدينية دوماً نزاعات إثنية، استراتيجية، سياسية، اقتصادية وثقافية، وأشد عمقاً، من اجل النفوذ.
في المحصلة، كان الشرق الاوسط من دون الاسلام ليخضع للمسيحية الاورثوذكسية الشرقية. وهي كنيسة تحمل عداءً تاريخياً حيال الغرب. ولا ننسى هنا أن أحد أكثر النزاعات الدينية ثباتاً وفتكاً وإيلاماً في التاريخ، كان بين الكنيسة الكاثوليكية في روما والمسيحية الاورثوذكسية الشرقية في القسطنطينية ـ والذي ما يزال مستمراً ليومنا هذا. وما كانت النزاعات الاثنية والوطنية في المنطقة، والحال كذلك، لتهدأ، وما كنا لنحظى بمشهد سلمي ومريح بالكامل.
أما «الارهاب»، الذي يربطه الغرب غالباً مع الاسلام اليوم، فمن الصعب تصور أن أحداث «11 أيلول» ما كانت لتقع، فيما لو سلك الاحساس المتراكم بالظلم والاضطهاد في الشرق الاوسط المسار نفسه الذي سلكه مع الاسلام. لو لم تكن «11 أيلول»، كان مقدراً لحدث مماثل أن يقع. يجب أن نتذكر أيضاً، أن جميع وجوه الدكتاتورية والاستبداد التي أرعبت القرن العشرين، جاءت من أنظمة علمانية.
وفي السياق، لا ننسى أن الميليشيات اليهودية استخدمت الارهاب ضد البريطانيين في فلسطين؛ واستخدمه اليونان ضد المسؤولين الاميركيين في أثينا. وعشرات الاغتيالات التي نفذها «مخربون» أميركيون وأوروبيون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين...
وقد أظهرت الإحصاءات الرسمية أن معظم 449 هجوماً إرهابياً وقعت في أوروبا خلال العام 2006 تعود إلى جماعات إنفصالية، ومتشددين يساريين، وواحد فقط نفذه إسلاميون.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد