عازفون سوريون واسبان يختبرون «تثاقف الموشحات»
استضافت دار الاوبرا السورية أمسية موسيقية كانت «الموشحات» عنوانها العريض، أما عناوينها الفرعية فجاءت في معظمها استعادات للتراث الاسباني، الذي كان نصيبه عشر مقطوعات من اصل 14 قُدمت في الأمسية.
وربما كان سبب الحضور «المركّز» للتراث الاسباني كون الجهة الممولة لمشروع «تثاقف الموشحات»، وكالة التعاون الدولي في وزارة الخارجية الاسبانية.
كانت الأمسية أقرب ما تكون الى موسيقى التخت الشرقي. يقدم أحد العازفين مقطوعة، وينسبها الى فولوكلور منطقة كاستيليا، او الباسك، او مدينة سلامنكا.
ولم يغيّر حضور آلة «البوكا» (البوق القديمة) وأصواتها الحادة صوت الكمان الشرقي القوي. كما لم يشكل انزياحاً عن مناخ «التخت الشرقي» وجود آلة الاوكورديون، التي تبددت انغامها من علوّ نغم الكمان.
واللافت ان الغناء الاسباني، قدّمه عازف العود السوري عيسى فياض، علماً أنه لم يغن عن اتقان للاسبانية، وانما ادّى بعد حفظه بعض الاغاني الشعبية.
ربما يكون مبرر ذلك الاحساس بسيطرة اجواء «التخت الشرقي» وجود آلات العود، والايقاع (الطبلة والدف)، الى جانب الكمان الشرقي والقانون، في مقابل الاكورديون، و«السيتولا» التي لولا عزفها المنفرد مرةً لما مُيِّز صوتها (آلة قديمة اعاد تصنيعها ميغيل انخيل غاسكو رودرييث، الذي لعب عليها في الحفلة).
هذا التقابل لم يكن متوازناً، وربما كان وراء سيطرة اجواء الموسيقى الشرقية. فلم نميز تراث «الآخر» في الامسية، ولا نعرف اذا كان منظمو المشروع يرون في ذلك وصولا الى غايته في «المثاقفة» المنشودة.
ما نعرفه ان الــتراث الموسيقي العربي ترك اثراً كبيراً في بلاد الاندلس، ويرجح انه استدام في تراث لا يزال موجوداً، لكن ربما لم يجد المنظمون من المفيد تقديمه في سياق «المثاقفة»، كونه يشكل شوطاً ناجزاً منها. لذلك كانت التجربة شيئاً جديداً، وعياراً آخر في المثاقفة، غير تلك التي قامت في ظروف مختلفة تماماً.
غياب البصمة الاسبانية الواضحة عن الامسية، يأتي ايضاً من غياب آلة «الغيتار»، التي كانت حاضرة بدلاً منه «السيتولا»، في البرنامج ذاته، في مدن اسبانية (بلباو، ديربو وغبرنيكا). يقول عازف العود عيسى فياض ان الجمهور هناك «لم يكن يعرف آلاتنا الموسيقية» وتلقى الحفلة «باستغراب واعجاب». وإذا كان متوقعاً أن يستغرب جمهور اسباني يسمع تراثه بآلات شرقية، ويغني بعضه بالاسبانية عازف عربي، لكن بالنسبة الى جمهور عربي، يصير الاستغراب معكوساً. كيف لتراث وغناء اسباني، ان يصير بآلات ولسان عربي مألوفاً الى هذا الحد؟
لعلّ الأثر شبه الوحيد الذي تركه الإرث الموسيقي الاسباني هو تسريع الايقاع في اللحن المعروف، وهو ما بدا عند اداء المقطوعات التراثية الشرقية (بنت الشلبية، فوق النخل، لما بدا يتسنى).
الإيقاعات السريعة والحماسية، التي جاءت فيها الحان التراث، كانت حيوية ومرحة كما يفترض بالاغاني الشعبية التي كانت تقدم في الافراح.
ويقول فياض عن أداء التراث الاسباني، وقربه في الحفلة من اجواء الموسيقى الشرقية: «تدربنا على القطع التراثية، ولم نحاول تقديمها كما اشتغلوها، ولكن قدمناها باحساسنا الموسيقي الشرقي الخاص، ولذلك لم تعط الانطباع بأنها موسيقى اسبانية».
هذا «الانصهار» في التراثين، بدا أثره «محبباً» عند العازفين الاسبان، خصوصاً رودريغث الذي صاحب ايقاع «الطبلة» احياناً بصيحات حماسية، وعندما لم يكن يعزف كان لا يستطيع ايقاف يده وهي تضرب على ركبته، مندمجة مع الايقاع.
ويعود الانسجام الذي أبداه العازفون، إلى عملهم وصلاتهم القوية بموضوع التراث. فالعازفون السوريون هم من «فرقة حمص لإحياء التراث»، وهم، اضافة الى فياض، عازف الكمان روي عبد النور وروبير غزال (قانون) واميل عيسى العبود (ايقاع).
اما العازفون الاسبان، فاثنان منهم مقيمان في سورية لدراسة آلات شرقية، رودريغيث، وهو عازف غيتار وآلات تراثية، يدرس العود، ونورما بيلا فريثا تدرس الايقاع، اضافة الى مانويل ايتورجي ميغاريتا الذي عزف على البوكا والاكورديون وهو عضو في فرقة «كارامرو» التي تشكل خماسياً موسيقياً باسكياً.
وسيم ابراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد