صناعي سوري يحذر: تعويم العملة له أثر اقتصادي كارثي على أي دولة
كتب الصناعي عاطف طيفور على صفحته على الفيسبوك رؤيته حول تعويم العملة التي بات مؤخرا يطالب فيها البعض حيث قال: إن تعويم العملة له أثر اقتصادي كارثي لأي دولة .. و من يعتقد ان التعويم يلغي السوق السوداء ولا يعلم أن السوق سيصبح بالكامل اسود
وتابع منوها ضخ إعلامي غير مسبوق عن تعويم العملة، وهناك من يطالب، وهناك من يعتقد أنها حل، وهناك من يرفضها .. وهناك من يحاول إفلاس حلول الدولة، ونحن ضد هذا الهجوم، وسوريا لن تنهار شاء من شاء، وكل من يعتقد أنه يعلم تفاصيل استراتيجيات الدولة وخططها وأسبابها فنحن واهمين ولن نتعدى مرحلة المُنجمين.. وهناك من يعتقد أن التعويم يلغي السوق السوداء ولا يعلم ان السوق سيصبح بالكامل اسود..
التعويم له أثر اقتصادي كارثي لأي دولة وله شروط ومتطلبات، ويحتاج بالمقابل لدعم خارجي واتفاقيات تبادل تجاري مع دول داعمة وقروض ضخمة من البنك الدولي مع تعقيداتها من الشروط التعجيزية.
والوضع الاستثنائي لسوريا في ظل العقوبات والحصار الاقتصادي، يمنع أي دعم دولي وتبادل تجاري معلن وقروض دولية، ولذلك سيكون التعويم كارثي ويعتمد فقط على القدرة الاقتصادية للدولة حصرا.. والبعض يعتقد أن التعويم هو حل لتوافر العملة الاجنبية ودعم التصدير،.. والجواب ان سعر الصرف المنخفض لليرة السورية لبعض المواد الزراعية والصناعية المنتجة محليا دون الاستعانة باستيراد موادها الاولية هو من يدعم التصدير وليس التعويم.
وأكبر دليل على هذه المعادلة المثال المصري الذي اثبت فشل وانهيار كارثي بعد اربع سنوات من التعويم، ومذكور ادناه بعض الشرح والتفاصيل..
التعويم والصادرات
في الظروف الطبيعية، يؤدي التعويم الى انخفاض قيمة العملة بشكل ضخم وإلى زيادة الصادرات مدعومة بانخفاض تكلفة المواد الخام التي تؤدي إلى انخفاض سعر المنتجات المحلية أمام المنافسة لها في الأسواق الدولية.. ولكن عندما تستورد الدولة معظم المواد الخام من الخارج لمادة صناعية معينة، كما هو الواقع في سوريا ومصر، فإن تخفيض قيمة العملة سيكون له أثر عكسي على تكلفة المنتجات المستوردة وارتفاع أسعارها في السوق الدولية، وبذلك ينخفض الطلب عليها وتتراجع قيمة الصادرات.
قيمة أصول الدولة
ضرر التعويم لا يقتصر فقط على سعر الصرف والتوازن التجاري وأسعار المواد الداخلية ولكنه اعمق بكثير وله انعكاس على أصول الدولة واستثماراتها، كذلك تأثيره خطير على الامن الاقتصادي والسيادي من خلال مسؤوليته المباشرة في تخفيض قيمة أصول الدولة من أراض وعقارات وشركات وموانئ ومطارات ومستشفيات ومعامل وجامعات والخ..، وقد تصبح هذه الأصول شبه مجانية أمام المستثمر الخارجي وتشتريها بأرخص الأسعار “بعد الانفتاح الدولي”
تعريف
تعويم العملة: هو تحرير لسعر الصرف بشكل كامل، فلا تتدخل الحكومة و المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم تسعيره تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب، التي تحدد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وتتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى أنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد.
التعويم نوعين:
إما أن يكون شامل أو يكون موجه:
*التعويم الشامل: يتم تعويم تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر..
*التعويم الموجه: يتم تعويم تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية..
مثال واقعي.. وتم الاستعانة ببعض الاحصائيات والدراسات لجمع الأرقام المذكورة ادناه..
تعويم الجنيه المصري..
في عام 2016 اتخذ البنك المركزي المصري قرارا بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وعلى إثره فقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته في اليوم التالي من القرار مباشرة، وانخفضت قيمته من 7 إلى 19 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، وانعكس على المصريين بارتفاع اسعار السلع للضعف بيوم واحد، كما انعكس على قيمة الكتلة النقدية في البنوك والمركزي، وانعكست على القروض والمدخرات الشخصية للمواطنين بخسارة نصف القيمة في ساعات..
اعتبرت مصر أن القرار كان ضرورة لإصلاح الاقتصاد ودعم الصادرات، واعتبرت ان “تعويم الجنيه كانت له ميزات عظيمة جدا رغم قسوته”.. وإنه فرصة تصديرية بشكل كبير
قد يعتبر البعض إن قيمة الصادرات ارتفعت بالفعل بعد التعويم من 19.6 مليار دولار في 2016، إلى 22.5 مليار دولار في 2017، وتبعا لذلك أدى قرار التعويم إلى زيادة قيمة الصادرات بنسبة 15%، وهذا غير صحيح.. وهذا الرقم لسنة واحدة فقط وله وضع استثنائي واحدى الاسباب هو انخفاض الصادرات السورية، وانتقال عدد ضخم من الصناعيين السوريين لمصر ومشاركتهم الكبيرة بتطوير قيمة الصادرات، والدليل انه رقم استثنائي حيث بلغت قيمة الصادرات 23.3 مليار دولار في 2011، وبلغت قيمة الصادرات 22.8 مليار دولار في 2012، رغم أن قيمة الدولار لم تتجاوز 7 جنيهات.
وأصبح من السهل أن ندرك بعد أربع سنوات أن قرار تعويم الجنيه تسبب في إضعاف الاقتصاد المصري وانتكاس قيمة الصادرات وليس العكس.
احدى أهم الصناعات بمصر.
صناعة الأثاث والتي تعتبر صناعة متميزة بمصر كما تتميز سوريا بصناعة النسيج، والتي تشكل بمصر قطاع مهم ويرفد الخزينة العامة بـ40% من الضرائب، ويعمل فيه أكثر من 30 ألف شركة، ويرتبط مع 90 مهنة، ويعمل فيه نحو 25 مليون مصري.. وقرار التعويم كان سبباً في تدمير صناعة الأثاث وتراجع فرص التصدير، حيث أدى إلى ارتفاع تكلفة الأخشاب اللازمة للصناعة بنسبة 100%، وهي تستورد جميعها من الخارج بالدولار الذي زاد سعره، ما رفع تكلفة الإنتاج بنسبة 50%، وقضى على الميزة التنافسية خارجيا، وتسبب القرار بتراجع الإنتاج بنسبة 50%.. وتحول المصريون لشراء الأثاث الصيني والتركي لرخص سعره عن المحلي.. كما يحدث اليوم بالصناعة النسيجية في سوريا،.. إضافة لتهديد الورش والمصانع بالتوقف وفقدان اكثر من 300 ألف من العاملين المتخصصين فيها.. كما تم إلغاء معرض “لومارشيه” للأثاث قبل أسبوع من موعده، وهو الذي يعد أكبر معرض أثاث في الشرق الأوسط..
قطاع الأثاث هو نموذج مصغر لتأثير قرار التعويم على الاقتصاد المصري، واذا اردنا الحديث عن تداعيات القرار على قطاع المقاولات فإنه كارثة حلت بكل بيت تقريبا في مصر، وهذه المهنة التي تعتبر الاولوية اليوم لاعادة اعمار سوريا..
قطاع المقاولات..
بعد القرار أفلست أكثر من 2500 شركة تعمل في المقاولات وألغت سجلها التجاري وخرجت من اتحاد المقاولين خلال ثلاثة أشهر فقط من القرار، وحجزت الجهات الإدارية ممتلكاتها وأصولها، لعدم قدرتها على الالتزام بالعقود بسبب زيادة أسعار مواد البناء من حديد وأسمنت وبلوك وغيرها بنسبة 80%..
لقمة العيش..
مثال آخر على تأثير قرار تعويم الجنيه على كلفة المعيشة للمصريين الفقراء، فقد أدى القرار إلى تدمير صناعة الدواجن المحلية والتي توفر بروتين الفقراء كما يسميها المصريون قبل القرار كانت مصر تكتفي ذاتيا من لحوم الدواجن بنسبة 95%، وبنسبة 100% من بيض المائدة، ويعمل في هذه الصناعة أكثر من 2.5 مليون عامل تعيل أكثر من 8 ملايين مصر،واعلاف الدواجن تشكل 60% من تكلفة الإنتاج، وأن مصر تستورد كل مكونات أعلاف الدواجن بالدولار من الخارج، خاصة الذرة الصفراء، وفول الصويا، وبعد قرار التعويم وصعود سعر الدولار تضاعفت تكلفة الإنتاج وارتفع سعر طن العلف إلى 8 آلاف جنيه، مقابل 5 آلاف جنيه قبل التعويم، وبذلك زاد سعر لحوم الدواجن إلى 30 جنيها للكيلو مقابل 15 جنيها للكيلو قبل قرار التعويم، وغلاء أسعار الأعلاف أجبر معظم مربي الدواجن للتوقف عن الإنتاج.
إضافة الى أن 80% من الفول يأتي من الخارج بالدولار، وهو الغذاء الرئيسي للمصرين، وأن 95% من زيت الطعام يتم استيراده أيضا بالدولار، وأن 70% من اللحوم يتم استيرادها بالدولار؟!..
الجميع يصرخ اليوم بسبب غلاء الاسعار وسببه ارتفاع سعر الصرف، والغريب أن البعض يطالبون بتعويم العملة التي قد تضاعف سعر الصرف مرتين او ثلاثة بالحد الادنى..نحن بحاجة لاقتصاد مغلق واكتفاء ذاتي.
"التعويم لا يدعم العملة بل يغرقها"
إضافة تعليق جديد