صحف ألمانية: إيران على بعد خطوات من صنع القنبلة النووية!
عاد الملف النووي الإيراني للواجهة بعد قرار طهران زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم قبيل دخول جو بايدن للبيت الأبيض. الإعلام الألماني تابع باهتمام الملف، متسائلا عن المسافة التي باتت تفصل الجمهورية الإسلامية عن القنبلة الذرية.
أعلنت إيران يوم الاثنين (الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2020) أنها بدأت في إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمئة، في أبرز إجراء تصعيدي لها منذ بدء تراجعها التدريجي عام 2019 عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية، بموجب الاتفاق النووي الدولي المبرم عام 2015 في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، الانسحاب بشكل أحادي منه عام 2018 وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على الجمهورية الإسلامية.
وكانت القيود التي فرضها الاتفاق النووي تتركز بشكل خاص على تقييد أنشطة إيران النووية بشكل يمدد الفترة اللازمة لإنتاج قنبلة نووية، إذا ما قررت طهران ذلك، إلى عام على أبعد تقدير بدلا من شهرين أو ثلاثة أشهر، وإن كانت الجمهورية الإسلامية تصر على أنها لم تسع قط للحصول على السلاح النووي وأنها لن تفعل ذلك أبدا، وتقول إن أنشطتها في هذا المجال هي للأغراض المدنية فقط.
غير أن قرار طهران زيادة نسبة التخصيب يعيد دق ناقوس الخطر في العواصم الغربية ولدى خصوم إيران الإقليميين. وبهذا الشأن كتبت صحيفة “تاغسشبيغل” (الرابع من يناير/ كانون الثاني 2021) الصادرة في برلين وقالت “إذا كان هناك شيء واحد تجيده القيادة الإيرانية حقا، فهو فن الاستفزاز، فكل مرة يختبر الملالي حدود الألم التي قد يستحملها الغرب، ويعول كل مرة على رفع سقف الامتيازات المحتملة”.
وتتساءل الصحيفة “ما الذي يمكن أن تتحمله كل من برلين وباريس وواشنطن قبل رفع البطاقة الحمراء في وجه إيران بشأن برنامجها النووي، وتحذيرها من أي خطوة أخرى إلى الأمام؟”. وتختم الصحيفة بالقول إن “حدود الصبر وصلت لأبعد مدى لها، بعدما أعلنت طهران زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى عشرين بالمئة”.
الطريق نحو القنبلة.. قاب قوسين أو أدنى!
بدأت طهران العام الماضي خرق القيود التي ينص عليها اتفاق عام 2015 خطوة خطوة ردا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق. خطوة طهران أدت إلى تقليل الفترة اللازمة لإنتاج المواد الكافية لصنع سلاح نووي، غير أنها واصلت التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
موقع “شفيبيشه. دي.إي” الألماني (السادس من يناير/ كانون الثاني 2021) كتب أن “لخطوة الإيرانية قد تقرب طهران من إنتاج القنبلة النووية”.
فالاتفاق النووي لا يسمح لإيران بتخصيب كمية تفوق 202,8 كيلوغرام من اليورانيوم وهي نسبة ضئيلة للغاية من أكثر من ثمانية أطنان قامت إيران بتخصيبها قبل الاتفاق.
وتجاوزت إيران هذا الحد في عام 2019 .وحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (2020)، فإن المخزون الإيراني يبلغ 2442,9 كيلوغرام.
كما يفرض الاتفاق حدا أعلى للمستوى الانشطاري الذي يمكن لإيران أن تخصب اليورانيوم به عند 3,67 في المئة وهو ما يقل كثيرا عن مستوى 20 في المئة المعلن حاليا.
موقع دويتشه فيله” (الرابع من يناير/ كانون الثاني 2021) في نسخته الألمانية حذر في تعليق حول الموضوع من اللعب بالنار مؤكدا أنه “يبدو أن المتشددين في طهران قد فرضوا رأيهم بموجب قانون جديد يسمح الآن بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة في منشأة فوردو النووية.
وهو مستوى أقل من الحد المسموح به لليورانيوم المستخدم في صنع السلاح النووي، لكنه تجاوز للحد المسموح به في الاتفاق النووي والذي يزيد قليلاً عن ثلاثة بالمائة”. وتتباين التقديرات الخاصة بالفترة التي تحتاجها إيران لامتلاك المواد اللازمة لصنع السلاح النووي.
فهناك من يرى أن طهران تحتاج لعام وهناك من يرى أنها تحتاج لفترة أطول بكثير. في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قدر ديفيد أولبرايت مفتش الأسلحة السابق في فرق الأمم المتحدة والذي يميل للتشدد فيما يتعلق بإيران أن الفترة اللازمة قد تكون قصيرة ربما تصل إلى ثلاثة شهور ونصف الشهر. ويعتبر تخزين كمية كافية من المواد الانشطارية على نطاق واسع أكبر عقبة في إنتاج السلاح النووي.
الأهداف العسكرية للبرنامج النووي
صحيفة “نويرتسوريشرتسايتونغ” الصادرة في سويسرا (الثالث من يناير/ كانون الثاني 2021) كتبت بهذا الصدد “هل تسعى إيران حقا لصنع القنبلة، أم أنها تسعى فقط لامتلاك قدرات تمكنها من ذلك دون اتخاذ الخطوة النهائية لصنعها؟ (القدرة على صنع القنبلة) من شأنه أن يوفر ردعا معينا”. من الواضح أنه حتى عام 2003 كان لدى إيران برنامج نووي عسكري.
واستشهدت الصحيفة برأي أوليفر ماير من معهد أبحاث السلام وسياسة الأمن في هامبورغ الذي يقول “هناك الكثير من الأدلة على أن إيران قد نفذت أنشطة (نووية) في السنوات السابقة لا يمكن تفسيرها بأهداف مدنية”. غير أنه من الواضح أيضا أن البرنامج العسكري النووي الإيراني هذا قد توقف رسميا نهاية عام 2003 بقرار من القيادة الإيرانية.
من جهتها، تعتقد وكالات المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية أن إيران امتلكت في فترة من الفترات برنامجا للسلاح النووي وأنها أوقفته. وثمة أدلة تشير إلى أن إيران حصلت على تصميم لقنبلة نووية ونفذت أعمالا مختلفة تتصل بتصنيعها.
ويؤكد الخبراء أن قرار استئناف تخصيب اليورانيوم الأخير الذي أعلنته طهران يمكن العودة عنه بسهولة وأن مستوى 20 في المئة بعيد عن أن يكون كافيا لتطوير سلاح نووي. وهناك من يرى في الخطوة الإيرانية أن إيران محاولة لإعادة تركيز الاهتمام على البرنامج النووي لخوفها من اشتراط جو بايدن ضم التفاوض على ملفات أخرى إلى الاتفاق النووي، كبرنامج الصواريخ البالستية. أو دور إيران في الشرق الأوسط.
بايدن مستعد للعودة للاتفاق النووي..ولكن!
في حوار مع صحيفة “نيويورك تايمز” أكد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن نيته الانطلاق بسرعة في مفاوضات جديدة مع إيران “بالتشاور” مع حلفاء واشنطن ولكن بعد عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وأكد بايدن أنه إذا “احترمت طهران مجددا” القيود المفروضة على برنامجها النووي لعام 2015، فإن واشنطن ستعود بدورها إلى الاتفاق كـ”نقطة انطلاق” لمفاوضات “متابعة”. وأضاف “الطريقة الأفضل لبلوغ نوع من الاستقرار في المنطقة” هو الاهتمام بـ”البرنامج النووي” الإيراني.
وعمليا، تعني العودة إلى الاتفاق رفع العقوبات الصارمة التي فرضها ترامب على طهران منذ انسحابه من الاتفاق عام 2018.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الإدارة الجديدة ستسعى خلال هذه المفاوضات الى تمديد مدة القيود على انتاج طهران للمواد الانشطارية التي قد تستخدم لصنع القنبلة النووية والتطرق إلى أنشطة طهران وحلفائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وبهذا الصدد كتب موقع شبكة التلفزيون الألماني “زي.دي.إف ZDF” (الرابع من يناير/ كانون الثاني 2021) أنه “على الرغم من أن القيادة الإيرانية تترنح تحت ضغوط اقتصادية شديدة، فمن غير المرجح انحسار التوتر مع واشنطن حين يتولى جو بايدن منصبه.
فقبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، يواجه الرئيس حسن روحاني جبهة من المتشددين الذين يسعون لاستقطاب الناخبين بشعارات مناهضة لأمريكا (..) ويظل مطلب طهران واضحا: أولاً يجب على واشنطن رفع عقوباتها الأحادية بالكامل، بعدها يمكن الحديث عن العودة إلى الاتفاق النووي”.
مخاطر تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط
وفي نفس الحوار مع “نيويورك تايمز”، أوضح جو بايدن أنه في حال حازت طهران القنبلة النووية سيكون هناك سباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط وهو “آخر شيء نحتاج إليه في هذا الجزء من العالم”.
وترى “تاغسشبيغل” الألمانية بدورها في خطوة طهران زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، مخاطر ستزيد من تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط. “لقد هدد السعوديون عدة مرات بالسعي لتطوير برنامج نووي، فيما أقنعت الإمارات العربية المتحدة، الرئيس ترامب بالموافقة على شراء أحدث قاذفات من طراز F35، فيما تعتمد إسرائيلعلى الردع النووي منذ عقود عديدة”.
وسبق لوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، أن أكد في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ” (نوفمبر/ تشرين الثاني 2020) أن بلاده تحتفظ بالحق في تسليح نفسها بأسلحة نووية إذا لم يكن بالإمكان منع إيران من صنع تلك الأسلحة. وأضاف أنه إذا أصبحت إيران قوة نووية فإن مزيدا من الدول ستحذو حذوها.
وتابع “لقد أوضحت السعودية أنها ستبذل قصارى جهدها لحماية شعبها وحماية أراضيها”. وقال الجبير “نعتقد أن الإيرانيين يستجيبون فقط للضغوط”. وعن التغييرات التي قد تأتي في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، قال: “يجب أن نرى”.
وفي حوار مع موقع “تي.أونلاين” الألماني (28 ديسمبر/ كانون الأول 2020) رأى غيدو شتاينبرغ، خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) في برلين، في الهجمات على المنشآت النفطية السعودية قبل عام دون تمكن الدفاعات الجوية للرياض من رصدها، نقطة تحول في الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران.
فالهجوم أظهر عدم وجود ردع مضاد “للقوة الإيرانية” وكذلك “الضعف السعودي”. ويعتقد شتاينبرغ ومراقبون آخرون أن سباق تسلح جديد في المنطقة، بما فيه سباق نووي، أمر ممكن. إذا شعر السعوديون بأن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم مرة أخرى، فإنهم سيردون من خلال توسيع قدراتهم العسكرية.
أوروبا تنتقد التصعيد الإيراني وتسعى للعودة إلى الاتفاق
صرح متحدث باسم الاتحاد الأوروبي (الثلاثاء الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2020) بأن التكتل ينظر “بقلق عميق” إلى قرار إيران رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، إلا أنه سيكثف جهوده للحفاظ على الاتفاق النووي..
وصرح متحدث الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، بأن هذه الخطوة تعد “انحرافا خطيرا” عن التزامات الجمهورية الإسلامية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). واستطرد “لكننا سنضاعف الجهود للحفاظ على هذا الاتفاق”، مضيفا أن هذه هي النية المعلنة لجميع الأطراف.
من جهته، رفض متحدث باسم الحكومة الإيرانية الانتقادات والمخاوف الأوروبية. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن المتحدث علي ربيعي قوله “بدلا من انتقاد إيران، يتعين على الأطراف المتعاقدة الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي”.
وأكد أن الدول الشريكة الأخرى (الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) فشلت في الالتزام باتفاق عام 2015. وأكد ربيعي أن بلاده “ستعود إلى الاتفاق النووي حالما يفي الطرف الآخر بالتزاماته في الاتفاق”.
DW
إضافة تعليق جديد