شبلي أبو الفخر:ملاحظات على الورق حول واقع الاستثمار في سورية
بدأ الاهتمام بالاستثمار في سورية بصدور المرسوم 103 لعام 1952 القاضي بتشجع الاستثمار الصناعي وذلك من خلال منح المستثمرين في القطاع الصناعي ميزات وإعفاءات مقبولة في حينه ثم زاد الاهتمام بالاستثمار عندما صدر المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 1971 القاضي بإحداث مناطق حرة في سورية وتشجيع الاستثمار فيها وكانت سورية من أولى الدول التي شجعت المناطق الحرة، غير أن هذه التجربة المبكرة للمناطق الحرة لم تعط النتائج المرجوة منها لكونها لم تحصل على بقية مكونات مناخ جيد لجذب الاستثمارات إلى هذه المناطق .
وفي منتصف الثمانينيات أصدر المجلس الأعلى للسياحة القرار رقم 186 لعام 1985 القاضي بمنح المنشآت السياحية التي تقام وفقاً لأحكامه ميزات واستثناءات وإعفاءات جمركية وضريبية كبيرة ، إضافة إلى ذلك فقد صدر المرسوم رقم 10 لعام 1986 القاضي بإحداث شركات زراعية مشتركة ومنح تلك الشركات مزايا وإعفاءات مهمة لتشجيع وتطوير وزيادة الإنتاج الزراعي .
ومع بداية التسعينيات صدر القانون رقم 10 لعام 1991 وهو قانون تشجيع الاستثمار، الذي أعطى مزايا واستثناءات وتسهيلات وإعفاءات جمركية وضريبية للمشروعات الصناعية والزراعية ومشروعات النقل التي تقام وفقاً لأحكامه.
بالإضافة إلى ذلك فقد أجاز القانون المذكور للمستثمرين إقامة مشروعات صناعية لم تكن متاحة للقطاع الخاص من قبل، ومن أهم ما تميز به قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 هو عدم تمييزه بين المستثمرين من حيث الجنسية، فيمكن للمستثمر العربي أو الأجنبي أن يقيم مشروعاً وفق القانون المذكور ويحصل على نفس المزايا الممنوحة للمستثمر السوري المقيم أو المغترب وعلى تملك نسبة 100% من رأسمال المشروع .
ثم صدر المرسوم رقم 7 لعام 2000 الذي أعطى مزايا إضافية للمستثمرين عما ورد بالقانون رقم 10 لعام 1991 (حق امتلاك الأراضي والعقارات لإقامة المشروع أو توسيعه وتسهيلات في إدخال وإخراج العملات الصعبة).
وفي عام 2007 صدر المرسوم رقم 8 الخاص بتشجيع الاستثمار والذي حلّ محل قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته وتضمن ميزات مهمة لتشجيع وتطوير الاستثمار في سورية ...
مناخ الاستثمار والإجراءات الاقتصادية المتخذة لتحسينه:
لا شك بأن الموقع الجغرافي لسورية وتوفر الأمن والأمان فيها وتحسن الوضع الاقتصادي ووجود بنى تحتية وموارد بشرية مؤهلة بالإضافة إلى موارد طبيعية مهمة.
كل ذلك قد ساهم في توفير المناخ الملائم للاستثمار في سورية خاصة بعد الإجراءات الاقتصادية والنقدية المتخذة في السنوات الأخيرة، والتي فتحت الباب واسعاً أمام دخول الاستثمارات العربية والأجنبية إلى سورية وكان من أهم تلك الإجراءات :
1- القانون رقم 23 لعام 2000 المتعلق بمجلس النقد والتسليف المكلف بالإشراف على الأمور النقدية والمصرفية.
2- القانون رقم 28 لعام 2001 الذي أجاز إقامة مصارف خاصة إلى جانب المصارف الحكومية المعتمدة.
3- القانون رقم 29 لعام 2001الخاص بالسرية المصرفية.
4- القانون رقم 59 لعام 2003 الخاص بغسيل الأموال.
5- المرسوم التشريعي رقم 35 لعام 2005 الذي أجاز إقامة مصارف إسلامية.
6- المرسوم رقم 43 لعام 2005 الذي فتح باب قطاع التأمين أمام الاستثمار الخاص وقد سبق ذلك الباب أمام الاستثمار الخاص في مجال الصحة والتعليم .
7- المرسوم رقم 55 لعام 2006 المتضمن إحداث سوق دمشق للأوراق المالية.
8- المرسوم رقم 9 لعام 2007 المتضمن إحداث هيئة الاستثمار في سورية بالإضافة إلى إجراءات أخرى مهمة تمت في مجال الجمارك والتجارة الخارجية والعلاقات الاقتصادية والتجارية العربية والدولية.
لذلك يمكن القول: إن المناخ الاستثماري في سورية قد أصبح أكثر ملاءمة خاصة بعد أن أزيلت كل المعوقات التي كانت تحد من إقبال المستثمرين على إقامة مشروعات استثمارية لهم في سورية، حيث تم إلغاء القانون رقم 24 لعام 1986 وتعديلاته المقيد للتعامل بالعملات الأجنبية .
وإن نظرة على عدد المشروعات الاستثمارية المرخصة وفق قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته يتضح مدى تزايد تلك المشروعات خلال السنوات الأخيرة:
المشروعات المشملة بأحكام قانون الاستثمار
خلال الفترة من 1991 – 2006
( حسب النشاط الاقتصادي)
السنوات الصناعة الزراعة النقل نشاطات
أخرى المجموع التكاليف الاستثمارية
مليون ليرة سورية عدد فرص
العمل
1991 –1995 233 8 279 3 523 68315 35848
1996 –2000 174 6 231 7 418 58012 18235
2001 124 9 295 1 399 36067 12093
2002 94 5 382 1 482 43925 12548
2003 95 19 140 2 256 42894 10011
2004 227 21 241 3 492 180450 30750
2005 216 26 281 8 551 363745 53828
2006 351 66 280 6 703 470143 46681
المجموع 1534 160 2099 31 3824 1264254 219994
ويتضح من الجدول تزايد عدد المشروعات المشملة بأحكام قانون الاستثمار في السنوات الأخيرة وخاصة في مجالات الصناعة والنقل مع تزايد التكاليف الاستثمارية لهذه المشروعات بشكل ملحوظ إضافة إلى تزايد فرص العمل المتاحة بموجب هذه المشروعات، وهذا مؤشر إيجابي على تحسن مناخ الاستثمار في سورية بعد اتخاذ جملة من الإجراءات الاقتصادية والمصرفية الهامة المذكورة أعلاه والتي شجعت المستثمرين على الإقبال نحو إقامة مشروعات استثمارية لهم في سورية .
تقرير الاستثمار السنوي الأول لعام 2006
توزع المشروعات الاستثمارية المشمولة بأحكام
قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديلات حسب المحافظات
خلال الفترة (1991 – 2006)
المحافظة عدد المشروعات المتخذة النسبة من المجموع العام
حلب 875 22,9 %
ريف دمشق 852 22,3%
حمص 411 10,7%
دمشق 355 9,3%
حماه 345 9%
اللاذقية 218 5,7
طرطوس 216 3,5
إدلب 134 2,9
الرقة 111 2,8
درعا 106 1,9
دير الزور 71 1,8
الحسكة 64 1,7
السويداء 55 1,4
القنيطرة 11 0,3
ويتضح من الجدول المبين أعلاه أن المحافظات (حلب- ريف دمشق- حمص) قد استقطبت ما نسبته حوالي 56% من إجمالي عدد المشروعات المشملة خلال الفترة 1991 – 2006 وهنا تأتي أهمية المدن الصناعية وضرورة تعميمها على كافة المحافظات، وذلك باعتبار أن المحافظات الثلاث المذكورة أعلاه تتوفر فيها مدن صناعية كانت عامل جذب للمشروعات الاستثمارية لهذه المدن أما من حيث حجم التكاليف الاستثمارية فتأتي محافظة ريف دمشق في المرتبة الأولى حيث تبلغ التكاليف الاستثمارية للمشروعات المرخصة فيها ما نسبته 37,6 من مجموع التكاليف الاستثمارية للمشروعات المشملة خلال الفترة (1991-2006) ثم تليها محافظة حمص 13,9% حلب 12,3% فدير الزور 9% ثم اللاذقية 5,3% وطرطوس4,8% أما محافظات درعا – السويداء- القنيطرة فقد استحوذت على نسبة 2,1% من إجمالي التكاليف الاستثمارية للمشروعات المشملة بقانون الاستثمار.
قانون الاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية
لا شك بأن ازدياد مشروعات الاستثمار في مجالات الصناعة الزراعة النقل وغيرها وما يعني ذلك من زيادة في الإنتاج وزيادة في التصدير، وزيادة في عدد العاملين سوف ينعكس بشكل إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي وعلى التنمية الاقتصادية بشكل عام ، إلا أن الجانب الأهم في هذا المجال هو تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة في المدن والأرياف وعليه فإن توجيه الاستثمارات لتشمل كافة مناطق القطر بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، من حيث الحدّ من ظاهرة الفقر والبطالة وإعمار المناطق النائية وتوفير فرص العمل لأبنائها ، بدلاً من دفعهم للنزوح إلى المدن طلباً للعمل والعيش الكريم ، أو الهجرة خارج القطر أمر في غاية الأهمية .
إن قانون الاستثمار رقم 8 لعام 2007 قد تضمن مزايا وتسهيلات للمستثمرين الراغبين بإقامة مشروعات استثمارية لهم في سورية بغض النظر عن الجنسية، إلا أن الجانب الاجتماعي وتحقيق العدالة في توزيع المشروعات الاستثمارية في مختلف مناطق القطر وخاصة في المناطق النائية والمناطق الأقل نمواً لم يلحظ في المرسوم المذكور علماً بأن معظم دول العالم تمنح المناطق النائية أو الأقل نمواً فيها مزايا وإعفاءات وتسهيلات لتشجيع المستثمرين على إقامة مشروعات استثمارية فيها ويمكن الاستفادة من تجارب عدد من الدول الأوربية والعربية في هذا المجال .
وإن ما ورد في المرسوم التشريعي رقم 51 لعام 2006 من تخفيض في المعدلات الضريبية للمنشآت الصناعية التي تقام في المناطق النائية بمعدل درجتين لا يشجع أي من المستثمرين على إقامة مشروع استثماري له في تلك المناطق ، وبالتالي ونتيجة لذلك فإن المشروعات الاستثمارية لا بد وأن تتكون في المدن الكبرى أو في المناطق الأكثر تطوراً وتبقى المناطق النائية والأقل نمواً أكثر تخلفاً وفقراً .
إن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة مناطق القطر لا بد وأن يكون هدفاً استراتيجياً ثابتاًً للجهات المعنية وهنا لا بد من وضع الآليات والخطط والبرامج اللازمة لتحقيقه خاصة بعد اعتماد سورية اقتصاد السوق الاجتماعي.
إن تطبيق نهج اقتصاد السوق الاجتماعي في سورية لا بد وأن يترافق مع تعديل الأنظمة والقوانين باتجاه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعليه فإننا نرى أنه من المهم السعي لتحقيق التنمية الاقتصادية ، ولكننا نرى في الوقت ذاته أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة في كافة مناطق القطر وخاصة المناطق النائية والمناطق الأقل نمواً هو أمر في غاية الأهمية .
د . شبلي أبو فخر
بالتعاون مع مجلة المال
إضافة تعليق جديد