سيدة الضوء بين خصوبة الماضي وأوجاع الحاضر
قراءة في قصيدة (لسيدة الضوء) للشاعرة ليندا إبراهيم
د . محمد سعيد شحاتة
تحتل قصيدة (لسيدة الضوء) مكانا مركزيا في الديوان الذي يحمل الاسم نفسه، فقد منحت الديوان اسمها، وهي إذ تمنح الديوان اسمها فإنها تختزل في الوقت نفسه ملامح الديوان بأكمله، وكأن القصيدة صورة مصغَّرة منه، ويتشكل الديوان من أربعة ملامح رئيسة: الملمح الأول هو الملمح الحضاري الممتزج بالتاريخ، وقد عبَّر الديوان عن هذا الملمح بأكثر من أسلوب، وتنوَّعت المضامين المشيرة إليه، فتارة يأتي في إشارة إلى الغزاة الذين جثوا على الأرض مهزومين، وتارة في إشارة إلى الشخصيات التي كان لها دور بارز في التضحيات من أجل سيدة الضوء/ الشآم، وتارة يأتي في إشارة إلى الألق الحضاري الذي وسم هذه الأرض وأهلها، وتارة يأتي في إشارة إلى التاريخ الروحي لسيدة الضوء/الشآم، تقول الشاعرة معبِّرة عن الذين ضحوا بحياتهم من أجل سيدة الضوء:
الصَّباحُ يضجُّ بأرواحِهِمْ..
تُرَى أيُّ ضوءٍ بَهِيٍّ يُضَوِّءُ أمداءَنَا ،
وأيُّ جمالٍ يسيرُ بنا للحياة..؟
يطُوفونَ فوقَ الحقولِ،
يهيمُونَ فوقَ قفيرٍ منَ الأمنياتِ
لعلَّ سماءً ستهطلُ حاملةً خيرَ أرواحِهِمْ فوقَ أشلائنا الفانيات...
سلامٌ عليهِمْ أضَامِيمَ منْ نُورْ..
سلامٌ على قدسِ أرواحهِمْ ..
سلامٌ عليهم .. و ألفُ سلامْ..
وفي موضع آخر من الديوان تتحدث الشاعرة عن التاريخ، والحروب والقادة الفاتحين، وتداعي الممالك التي ضجَّت بهم سير الأولين، وذهابها أدراج الرياح:
النَّياشينُ.. أوسمةُ الفاتحينَ...
وتاريخُهُمْ في دُرُوسِ القِرَاءَة عنْ أُمَّهاتِ المَعَارِكِ،
فتحِ الفُتُوحاتِ،
ذاكرَةِ القَادَةِ الغَابِرينْ..
الذين عَنَتْ لَهُمُ أُمَمُ الأرضِ..
ثمَّ تداعَتْ مَمَالِكُهُمْ..
كيفَ ضَجَّتْ بهِمْ سِيَرُ الأوَّلينْ..
كُلُّ هذا ذَرَتْهُ الرِّيَاحْ... وغَدَوا أثراً بعدَ عَيْنْ..
وتتوالى المشاهد الدالة على هذا المعنى؛ ففي موضع آخر من الديوان تقول الشاعرة معبرة عن المعنى نفسه:
سَلامٌ على الذَّائقينَ الحُتُوفْ..
سَلامٌ على القاهِرينَ المَنُونْ..
سَلامٌ على الهَازمِينَ السَّوادْ
لتبقى بلادي بياضاً منَ الياسَمِينْ...
سلامٌ لأرواحِهِمْ أجمَعِيْنْ....
وأما في قصيدة (لسيدة الضوء) محلِّ الدراسة فقد عبّرت الشاعرة عن هذا الملمح بقولها:لسيِّدةِ الضَّوءِ ..
للألقِ السَّومَريِّ السَّنيِّ تضجُّ به مُقلتاهَا..
.............................
على قدميهَا جثا ألفُ غازٍ..
وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ
وأما الإشارة إلى التاريخ الروحي فقد وردت في أكثر من موضع في الديوان، تقول الشاعرة:
و أوحَى لقِبلَتِهِ في "دمشقَ" :
انظُريني على عتباتِ المآذنِ إنِّيَ غادٍ إليكِ...
أنا الفاتحُ اليَعرُبيُّ..
دمي شِلْوُ نَايٍّ تَطَيَّبَ من عُودِها..
وَ تَهَادَى إلى جَبَلٍ ضَمَّ في رُوحِهِ طِفلَها النَّاصريَّ..
سلامٌ عليها..
وقد وردت الإشارة نفسها في قصيدة (لسيدة الضوء) إذا تقول:لسِرٍّ بروحِ ابنِهَـا "النَّاصريِّ"..
.........................
وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ
و بالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ....
وقيلَ قديماً بأنَّ "الفتى الأخضرَ" ال مرَّ فوق ثراهَا..
أما الملمح الثاني من ملامح الديوان فهو الخصب والعطاء، وهو ما عبرت عنه الشاعرة في أكثر من موضع في النص، إذ تقول:
فهذا أوانُ حنينِ السَّنابِلِ في سهلِهَا
والجليلِ العَصيّْ
سلامٌ على نجمةٍ في سَمَاها..
توضَّأ في نورها وجهُ ربٍّ عَلِيّْ
سلامٌ..سلامْ
وفي قصيدة (لسيدة الضوء) تقول الشاعرة معبرة عن هذا الملمح:
لسيِّدةِ الخصْبِ في أرضِ كنعانْ ..
..........................
فيا ربِّ حوِّل سحائبها طلعَ قمحِ
فيُخصِبَ كلَّ بساتينِ غوطتها ..
أما الملمح الثالث من ملامح الديوان فهو الجمال، وقد احتل هذا الملمح مساحة كبيرة في الديوان، تقول الشاعرة:
لمملكة العشبِ هذي الظِّلالُ الوريفةُ..
تلكَ السَّواسنُ والقبَّراتُ..غناءُ العصافيرِ ..
دربٌ من النَّحلِ ينسابُ نحو القفيرْ..
فالتَمسْ نبعها المشتَهى، تتدلَّ قطافُ رغائبِها ..
أيُّهذا الظَّمي
أيُّهذا الفقيرْ ..
كما ورد في قصيدة (لسيدة الضوء) في قولها:
لأبهى الأيائلِ عند السُّهوبِ..
لأغلى الصَّبايا بسهلِ الجليلِ..
سلامٌ ... سلامْ..
....................................
هيَ في خاطرِ الله أكملُ مِن خلقِهَـا ..
و أجملُ من برقِهَـــا في ضمير الغَمَامْ..
هيَ كلُّ الجميلاتِ في الأرضِ
كلُّ الأميراتِ فوقَ العُرُوشِ
وأختُ الورودِ و أصلُ الخُزام..
على أن القصيدة لم تكتفِ باختزالها لملامح الديوان فقط، بل اشتملت كذلك على ما تردد كثيرا في الديوان من إشارات إلى الأحداث التي آلمت سيدة الضوء، والأوجاع التي ألمت بها، ويعدُّ ذلك الملمح الرابع من ملامح الديوان، تقول الشاعرة معبرة عن هذه الفكرة:
وطني ...
يا أيُّها الجُرْحُ الفَسيحْ...
أينَ أمضي في لياليكَ الشَّجِيَّهْ..
وبقلبي أغنياتُ الرِّيحْ ؟..
أينَ أُخفِي صَرخَةَ الرُّوحِ الذَّبيحْ..؟
دمُكَ الآنَ الهويَّهْ
دمُنا الآنَ الهويَّهْ ..
وفي موضع آخر أشارت الشاعرة إلى ذلك، إذ تقول:
أيَا وطَني..وطنَ الفُقَرَاءْ..
وطن َالصَّاعدين إلى موتهم باسِمِين ْ..
ها أنتَ ذا بعدَ كُلِّ البطولاتِ كلِّ الهزائِمِ و اليَاسَمينْ..
تعودُ إلينا حزيناً فقيراً .. و لكنْ جميلا...
وقد أوردت الشاعرة في نهاية النص/لسيدة الضوء إشارة إلى هذا الملمح في قولها:
فكلُّ جرحٍ غائرٍ في الرُّوحِ يُنشدُ ما تبقَّى منْ أنيني...
فالأنينُ اليومَ أقربُ للسِّمَاءِ منَ الصَّلاه ...
و سأقنعُ الصُّوفيَّ قلبي كي يُناجي سرَّكِ المَخبُوءَ في قلبِ الإله ...
الآنَ أشهدُ ملءَ رُوحِي أنَّكِ الأرضُ التي شَرُفَتْ على كُلِّ المدائنِ..
والقصَائدِ..
وَالكَلامْ ...
يا أنتِ... يا أرضَ الشَّآمْ ..
لقد كانت قصيدة (لسيدة الضوء) مختزلة لملامح الديوان بأكمله، مما أعطاها الحق في أن تمنح الديوان اسمها.
حركة المعنى وتفكيك شفرة العنوان
تحاول الدراسة من خلال هذه الزاوية التأويلية الوقوف أمام العنوان بحسبانه مفتاحا تأويليا مختزلا للدلالة المضمونية للنص، وموجِّها لذهن المتلقي وأفق توقعه، ومن ثم فإن الوقوف أمام العنوان وتفكيكه يعدُّ خطوة أولى لإعادة تصوُّر البناء الفكري المهيمن على الوعي للذات الشاعرة لحظة إنشاء النص، وكذلك تصوُّر مجموعة الأحاسيس التي مثَّلت قوة ضغط على للاوعي تلك الذات الشاعرة؛ لتخرج في نص يتشكل من أطر فكرية محددة، وأنسجة شعورية ذات ملامح خاصة، ثم تأتي حركة المعنى؛ لتكشف مدى توافق النص عبر حركاته المتموجة في مسيرته منذ البداية حتى النهاية مع العنوان الذي كان مفتاح الولوج إلى عالم النص، من حيث كونهما وجهين للدلالة التي أرادتها الشاعرة.
أ – العنوان وتشكُّل المعنى
إذا كان العنوان من أهم العتبات النصية المساهمة في توضيح دلالات النص واستكشاف معانيه الظاهرة والخفية فإنه بذلك يعدُّ مفتاحا ضروريا؛ للاهتداء به في شعاب النص وتضاريسه المختلفة، ودهاليزه الممتدة، كما أنه يكشف عن مقاصد النص المباشرة وغير المباشرة، وقد اهتم النقد الحديث منذ نشأة الشكلانية والبنيوية بالعنوان وما يثيره في ذهن المتلقي، وكان أبرز من كتب في هذا المجال جيرار جينت؛ إذ كتب عن المتعاليات النصية في كتابه (عتبات) وهو دال بوضوح على الاهتمام الكبير بالعتبات التي من ضمنها العنونة، ويرى الدكتور محمد مفتاح أن العنوان (يقدم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النص، وفهم ما غمض منه؛ إذ هو المحور الذي يتوالد ويتنامى، ويعيد إنتاج نفسه، وهو الذي يحدد هوية القصيدة، فهو – إن صحَّت المشابهة – بمثابة الرأس للجسد، والأساس الذي تبنى عليه، غير أنه إما أن يكون طويلا فيساعد على توقع المضمون الذي يتلوه، وإما أن يكون قصيرا وحينئذ فإنه لابد من قرائن فوق لغوية توحي بما يتبعه) (1) وكلام الدكتور محمد مفتاح يشتمل على قسمين: الأول يشير إلى أهمية العنوان من الناحية التأويلية، وضرور التوقف أمامه لفهم عالم النص، والتجول بين أوديته وتضاريسه المحتلفة، والثاني أنواع العناوين، وكيفية التعامل معها، وفي جميع الأحوال فإن ذلك يدل على الأهمية الكبرى للعنوان، ومكانته من حيث كونه مدخلا لعالم النص، ومفتاحا تأويليا شديد الأهمية والارتباط بالنص؛ فهو (يعد نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته ومحاولة فك شفراته الرامزة) (2) ومن ثم كان وقوفنا أمام عنوان النص ضروريا؛ لكونه أولى العتبات التي تواجهنا، والتي لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاهلها في فهم النص واستكشاف عوالمه.
يتشكل عنوان القصيدة (لسيدة الضوء) من جملة اسمية حذف طرفها الأول/المبتدأ، وقد أوردت الشاعرة المحذوف في النص صراحة حين قالت في نهاية المقطع الأول (لسيدة الضوء .... سلامٌ) ومن ثم فإن العنوان يشتمل على مقطعين الأول (المبتدأ المؤخر/سلام، والثاني الخبر المقدَّم/لسيدة الضوء، وبين المبتدأ والخبر تدور تموجات المعنى، واشتباكات الدلالة، والمبتدأ هنا واجب التأخير؛ لأنه نكرة والخبر شبه جملة، وهو ما يدفعنا إلى البحث عن سبب اختيار هذه الصيغة (لسيدة الضوء سلامٌ) لتكون عنوانا للنص؛ فلا شك أن الشاعرة قصدت إليه قصدا؛ ليكون مفتاح الولوج إلى عالم النص ودسائسه، وقد جاء المبتدأ نكرة؛ ليدل على العموم والشمول، وإذا كانت النكرة دالة على مطلق وشائع في نطاق جنسه فإن السلام المنشود ليس محددا، بمعنى أن الشاعرة تطلب سلاما
عاما لسيدة الضوء؛ لأنها ترى أنها تستحق هذا السلام، ولم تحدد أي ملمح للسلام الذي تريده، ولا تتحدث عن مجالات هذا السلام، ولكنها فقط تطلب السلام، بما يؤشر لأكثر من معنى، فمن الممكن أن تكون سيدة الضوء عانت معاناة قاسية، ومن ثم فإنها لا تريد أي شيء سوى السلام، وكأن السلام هو منقذها من المعاناة، وقد يكون لفظ النكرة (سلام) دالا على التعظيم، أي سلام عظيم يليق بسيدة الضوء؛ لأنها سيدة الضوء التي امتلكت تاريخا ضاربا بجذوره في عمق الزمن (للألقِ السَّومَريِّ السَّنيِّ – لسيِّدةِ الخصْبِ في أرضِ كنعان – على قدميْها جثا ألفُ غازٍ – بالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ) وقد يرى البعض أن ورود لفظ (سلام) نكرة يدل على التقليل، بمعنى أنها تريد سلاما ولو كان قليلا وغير مكتمل ولكن هذه الدلالة قد تكون بعيدة إلى حد ما؛ فحركة المعنى في النص تميل إلى اختيار دلالة التعظيم، كما أن الجمل التي سقناها آنفا تقف عائقا أمام اعتماد التقليل غرضا للنكرة (سلام) وإن كانت هذه الدلالة غير منتفية تماما لدى البعض، ومن ثم فإن لفظ (سلام) يحمل أمنية ورجاء، أمنية في أن يعم السلام كل حياة سيدة الضوء، ورجاء في تحقيق هذه الأمنية العزيزة، أما الخبر (لسيدة الضوء) فقد جاء شبه جملة يحمل ملمحين الأول السيادة والثانية الضوء، مما يدفع المتلقي إلى تصور الإطارين اللذين ستتحرك فيهما الدلالة، وإضافة الضوء إلى سيدة يدل على أن هذين الإطارين/السيادة والضوء متمازجان في الشخصية، ولا يمكن انفصالهما، وإذا اعتمدنا رؤية عبد القاهر الجرجاني أن ترتيب الألفاظ في الكتابة ناشئ عن ترتيبها في الذهن فإن تقديم (سيدة الضوء) يوحي بأنها سوف تكون مركز الرؤية وبؤرة الدلالة في النص، وهي التي سوف يتمحورحولها المعنى صعودا وهبوطا، وهي التي سوف تشكل تضاريس النص المختلفة، ومن ثم لابد من الوقوف أمام هذا الجزء من العنوان/سيدة الضوء لاستكشاف ملامحه ودلالاته، وفي البداية نشير إلى ملاحظة مفادها أن الشاعرة استخدمت لفظ (الضوء) ولم تستخدم لفظ (النور) فقالت (لسيدة الضوء) ولم تقل (لسيدة النور) وقد تكرر ذلك في قولها (بالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ) ومن المعروف أن الضوء غير النور في الدلالة، وقد استخدم القرآن الكريم اللفظين/الضوء والنور بدلالتين مختلفتين في بعض الآيات، قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) [يونس:5] ويمكن أن نستنتج من الآيات أن (المضيء) هو الجسم الذي يعطي الضوء من نفسه كالشمس، أما (المنير) فهو الذي يأخذ النور من غيره فيعكسه ويصدِّره لغيره كالقمر وهو ما يتوافق مع الاستخدام القرآني، وإن كان القرآن قد استخدم اللفظين بمعنى واحد في أماكن أخرى، ولكن الذي يعنينا هنا أن لفظ الضوء يختلف في الدلالة عن لفظ النور، وعندما عبَّرت الشاعرة بقولها (بالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ) فقد أشارت مجازا إلى أن خير الأنام هو الذي يمنح الكون النور (ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ) فإذا نقلنا هذه الدلالة إلى النص فإن سيدة الضوء هي التي تمنح النور لغيرها فهي مصدر النور، ولا تستمد هذا النور من أحد، بل هي مصدره، وهي التي تمنحه للآخرين، ويأتي ذلك من كونها تمتلك السيادة (سيدة) فهي سيدة الضوء أي مالكته ومانحته للآخرين، ومن ثم فإن هذه الرؤية تدفعنا إلى تتبع هذه الفكرة داخل النص وبين أنسجته المشكِّلة له، وهو ما يتضح جليًّا (سأتلُو عليكُم إذاً ما تيسَّرَ لي من كتابِ الشَّآمْ : هيَ في خاطرِ الله أكملُ مِن خلقِهَـا .. وأجملُ من برقِهَـــا في ضمير الغَمَامْ.. هيَ كلُّ الجميلاتِ في الأرضِ/كلُّ الأميراتِ فوقَ العُرُوشِ ... على قدميهَا جثا ألفُ غازٍ.. وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ ... هِيَ من ملكاتِ الزَّمانْ... فيداها تصوغُ من الحُسنِ أشهى جناها ... وعشاقُها الهائمُون بها مُذ ثَوَوا في التَّكايا) فإذا كانت أكمل مَنْ خلق الله، وكل الأميرات فوق العروش، وصلَّت لها القمم الشامخات، وهي من ملكات الزمان، ويداها تصوغ أشهى الجنى، ولها عشَّاق كثيرون، إذا كانت تتسم بكل ذلك فإنها لا شك مانحة وليست ممنوحة، كما أن الألفاظ دالة من حيث المعنى على العطاء (الأميراتِ – وصَلَّتْ لها القممُ – ملكاتِ الزَّمان – يداها تصوغُ) فهذه الألفاظ تدل على من يعطي وليس من يأخذ، فالأميرات تعطين من يحتاج إلى العطاء؛ لأنهن أميرات، وكذلك الملكات، واستخدام هذين اللفظين (ملكات – أميرات) دال على العطاء المادي، أما قولها (وصَلَّتْ لها القمم – في خاطر الله أكمل من خلقها) فهو يدل على العطاء المعنوي، وإن كانت الألفاظ هنا ذات دلالة مجازية، ولكن تبقى ظلالها دالة على العطاء بنوعيه المادي والمعنوي، وبذلك يصبح العنوان من خلال هذه الزاوية التأويلية مفتاحا للولوج إلى عالم النص، وهاديا بين دروبه المتداخلة وتضاريسه المتنوعة.
ب – حركة المعنى وإنتاج الدلالة
إن رصد تموجات المعنى صعودا وهبوطا في النص يدفعنا إلى تقسيمه إلى سبعة مقاطع تمثل حركة المعنى، وتنقلاته بين الأطراف المهيمنة، والتي يحاول النص رسم ملامحها في صعودها وهبوطها وتنقلاتها بين تضاريس النص المختلفة، وسوف نحاول في هذا الجزء من الدراسة تتبع حركة المعنى في النص عبر مقاطعه المختلفة، واستنطاق كل مقطع على حدة؛ لمعرفة كيفية تشكل عناصره الفكرية في القصيدة، وكيفية سير حركة المعنى عبر المقاطع المختلفة، وفي النهاية سوف نعود إلى حركة المعنى من البداية؛ لنربط المقاطع ببعضها لاكتشاف البنى الفكرية المتخفية وراء شبكة العلاقات اللغوية في النص، في محاولة للاندفاع من ظاهر النص إلى باطنه؛ لتفكيك ما نسجته الشاعرة من شبكات مختلفة سواء أكانت لغوية أم بلاغية ؛ كي تغري المتلقي بمتابعة إغواءات النص من أجل اكتشاف دسائسه، واكتناه عوالمه، والتعرف على الرسالة التي أراد النص البوح بها للمتلقي.
- 1 –
لسيِّدةِ الضَّوءِ ..
للألقِ السَّومَريِّ السَّنيِّ تضجُّ به مُقلتاهَا..
لسيِّدةِ الخصْبِ في أرضِ كنعانْ ..
لسِرٍّ بروحِ ابنِهَـا "النَّاصريِّ"..
لأبهى الأيائلِ عند السُّهوبِ..
لأغلى الصَّبايا بسهلِ الجليلِ..
سلامٌ ... سلامْ..
تسيطر (سيدة الضوء) على المقطع منذ البداية حتى النهاية، وتنعتها الشاعرة بصفات عدة، وأسماء متنوعة ذات دلالات متعددة (لسيِّدةِ الضَّوءِ – للألقِ السَّومَريِّ – لسيِّدةِ الخصْبِ – لسِرٍّ ... – لأبهى الأيائلِ – لأغلى الصَّبايا) وكلها ملامح لسيدة الضوء، فهي صاحبة الفاعلية الإنتاجية في الخطاب، ويأتي حضورها متنوعا؛ ففي البداية يكون حضورها معنويا (الضوء – الألق – الخصب – روح) ثم يتحول إلى حضور مادي (الأيائل – الصبايا) ولكن هذا الحضور المادي مصحوب بأوصاف معنوية (أبهى – أغلى) كما أن الحضور المعنوي مصحوب بملامح مادية (مقلتاها – أرض كنعان – ابنها الناصري) ليتمازج بذلك المعنوي والمادي في تشكيل ملامح سيدة الضوء، وبذلك يمتد حضور الذات الفاعلة/سيدة الضوء عبر خطوط متمازجة مادية ومعنوية لامتلاك قدرات الإحياء المادي والمعنوي متوافقة بذلك مع دلالة العنوان التي أشرنا إليها؛ فمقلتاها تضج بالألق السومري، وهنا يحيلنا النص إلى التاريخ البعيد الضارب بجذوره في القدم، وهو إذ يحيلنا فإنه يستحضر الحضارة السومرية بأكملها، تلك الحضارة التي قدَّمت للبشرية خدمات جليلة على مستويات عدة؛ إذ ساهمت في تطوير أساليب الري، والصناعات الغذائية في مجال مشتقات الألبان، واعتمدت أساليب الري الصناعي عبر شق القنوات، وغمر الحقول بالمياه، كما أوجدت الحضارة السومرية نظاما تعليميا، وتوصف المدارس في التقليد السومري بأنها بيوت الألواح، كما طوَّرت استخدام النظام الستيني في العدّ، وأول من بنا الصروح الضخمة في أور وأوروك ولكش، كما تبين النصوص أنهم عرفوا بعض الكواكب منها كوكب عطارد، ومن هنا جاء استخدام الشاعرة للفظ (الألق السومري) في إشارة إلى الإنجازات التي قدَّمتها الحضارة السومرية للبشرية، فهذه الإنجازات بارزة، أو كما عبَّرت الشاعرة (للألقِ السَّومَريِّ السَّنيِّ تضجُّ به مُقلتاهَا) ثم تتقدم فتحيلنا إلى تاريخ آخر (أرض كنعان) وقد أجمع بعض المُؤرّخين على أنّ الكنعانيّين عاشوا في أجزاء واسعة من بلاد الشام هي سوريا، والأردن، ولبنان، وفلسطين، وإذا كانت الشاعرة أشارت في حديثها عن السومريين بالألق مومئة إلى الحضارة التي تميز بها السومريون فإنها أشارت عند حديثها عن الكنعانيين إلى الخصب؛ فالبناء الاقتصادي عند الكنعانيين بصورة عامة كان يعتمد على الزراعة إلى جانب الصيد والتجارة، وقد استغلوا كل بقعة في الجبال أوالسهول الساحلية مهما صغرت، فغرسوا شرفات الجبل بالأشجار المثمرة كالزيتون والتفاح وغيرهما، ثم يتقدم النص أكثر فيحيلنا إلى تاريخ آخر (ابنها الناصري) والناصري إحدى التسميات التي أطلقت على السيد المسيح – عليه السلام – وكان يشار إليه أيضا باسم يسوع الناصري، وهنا يختلط التاريخ بالدين في إشارة إلى التاريخ الروحي إلى جانب التاريخ المادي، فيتمازج بذلك الخطان المادي والمعنوي اللذين اشرنا إليهما سابقا، ومن الملاحظ أن الإشارات السابقة كلها مانحة وليست ممنوحة، بمعنى أنها تمنح غيرها العطاء المادي والمعنوي، وهو ما يتوافق مع ما ذكرناه من استخدام للفظ الضوء بدلا من النور في العنوان (سيدة الضوء) ثم تأتي الإحالة التالية (لأبهى اليائل عند السهوب.. لأغلى الصبايا بسهل الجليل) في إشارة إلى الجمال، وبذلك يكون المقطع الأول من القصيدة مؤسِّسًا للدلالة التي ستمتد عبر النص بأكملها كاشفة عن ملامح هذا المقطع أو مدلِّلة على ما ورد فيه، وتختم الشاعرة النمقطع بقولها (سلام ..
سلام) وكأنها تشير إلى أن سيدة الضوء التي تتصف بهذه الصفات تستحق أن تعيش في سلام؛ لأنها مانحة العطاء المادي والمعنوي، والسلام الذي ترغب فيه سيجعلها تستمر في عطائها الذي تميزت به منذ القدم عبر مراحل حضارتها المختلفة، وإن تنوعت الحضارات، واختلفت مسمَّياتها، ولكنها ظلت جميعها على عهدها في العطاء، ومن الملاحظ أن المقطع الأول توزَّع على ثلاثة مشاهد، المشهد الحضاري (للألقِ السَّومَريِّ السَّنيِّ تضجُّ به مُقلتاهَا.. لسيِّدةِ الخصْبِ في أرضِ كنعانْ ..) والمشهد الروحي (لسِرٍّ بروحِ ابنِهَـا "النَّاصريِّ"..) والمشهد الجمالي (لأبهى الأيائلِ عند السُّهوبِ.. لأغلى الصَّبايا بسهلِ الجليلِ..) وهذه المشاهد الثلاثة هي التي ستكون فاعلة عبر النص بأكملها بصور مختلفة وتجليات متعددة، لينتقل النص إلى المقطع الثاني مستكملا ما بدأه في المقطع الأول، مؤكدا عليه، وفاتحا أفقا جديدا للدلالة.
- 2 –
و لأنَّ ضياهَا توشَّى بهِ الحبرُ ..
أمَّا بهاهَا فحدِّثْ و لا حرجٌ ..
وأمَّا اصطفافُ اليَمامِ على ضِفَّتَي جُرحِهَا
وَهديلُ ضفائرِها إذ يغنِّي نشيدَ السَّلامْ ..
سأتلُو عليكُم إذاً ما تيسَّرَ لي من كتابِ الشَّآمْ :
هيَ في خاطرِ الله أكملُ مِن خلقِهَـا ..
و أجملُ من برقِهَـــا في ضمير الغَمَامْ..
هيَ كلُّ الجميلاتِ في الأرضِ
كلُّ الأميراتِ فوقَ العُرُوشِ
وأختُ الورودِ و أصلُ الخُزام..
ينقسم المقطع الثاني إلى قسمين، يأتي القسم الأول سببا للقسم الثاني، ويشكل هذا القسم كله ما يفيد كونه سببا (لأن ضياها توشَّى بالحبر أمَّا بهاهَا فحدِّثْ ولا حرجٌ .. وأمَّا اصطفافُ اليَمامِ على ضِفَّتَي جُرحِهَا وَهديلُ ضفائرِها إذ يغنِّي نشيدَ السَّلامْ .. سأتلُو عليكُم إذاً ما تيسَّرَ لي من كتابِ الشَّآمْ) فالسبب الذي جعل الشاعرة تتلو علينا كتاب الشآم هو ما تميزت به من صفات وملامح أوردتها الشاعرة في المقطع الأول صراحة (لسيِّدةِ الضَّوءِ – للألقِ السَّومَريِّ – لسيِّدةِ الخصْبِ – لسِرٍّ ... – لأبهى الأيائلِ – لأغلى الصَّبايا) وأوردتها في هذا المقطع الثاني مجازا (هيَ في خاطرِ الله أكملُ مِن خلقِهَـا .. و أجملُ من برقِهَـــا في ضمير الغَمَامْ.. هيَ كلُّ الجميلاتِ في الأرضِ كلُّ الأميراتِ فوقَ العُرُوشِ وأختُ الورودِ و أصلُ الخُزام..) ولكن الملاحظ هنا في المقطع الثاني إشارة النص إلى الجرح (وأمَّا اصطفافُ اليَمامِ على ضِفَّتَي جُرحِهَا) وطلبها السلام الذي تستحقه لتاريخها الطويل في العطاء الذي أشرنا إليه في المقطع الأول (وَهديلُ ضفائرِها إذ يغنِّي نشيدَ السَّلامْ) وهذا دال جديد طارئ على النص، وإن كانت الشاعرة الشاعرة أشارت إليه عاما في نهاية المقطع الأول (سلامٌ .. سلام) ليكون الرابط بين المقطعين، وورود لفظ (السلام) في المقطع الأول دعاء لها بالسلام (لسيدة الضوء ... سلامٌ) أما في المقطع الثاني فإشارة إلى أن سيدة الضوء هي من تغني للسلام وتنشره (وَهديلُ ضفائرِها إذ يغنِّي نشيدَ السَّلامْ) واستخدام لفظي (اليمام – هديل) يشيران بوضوح إلى السلام الذي تتصف به سيدة الضوء، وتظل الذات الفاعلة/سيدة الضوء/الشآم صاحبة الفاعلية الإنتاجية في الخطاب، وقد صرَّح النص هنا باسم سيدة الضوء؛ لتأخذ ملامحها الحقيقية بدلا من الملامح المجازية الحاضرة من خلال الأوصاف التي ذكرها النص في المقطع الأول، وبداية المقطع الثاني، كما يحافظ المقطع الثاني على المزج بين الملامح المادية والملامح المعنوية في تشكيل صورة سيدة الضوء/الشآم؛ ففي البداية يذكر أن ضياها يتوشَّى به الحبر، وبهاها ليس له مثيل (فحدِّث ولا حرج) وفي النهاية يذكر أنها كل الجميلات، وكل الأميرات، وأخت الورود؛ ليقدم لنا من خلال ذلك صورة مضيئة للشآم/سيدة الضوء تكشف أكثر عن الملامح التي وردت في المقطع الأول، لينتقل النص إلى المقطع الثالث فيبدأ في تفصيل المجمل الذي أوردته الشاعرة في المقطعين الأول والثاني، فينفتح النص على تفصيل ملامح سيدة الضوء، وإن كان لن يخرج عن الإطار العام الذي تأسَّس في المقطع الأول.
- 3 –
على قدميهَا جثا ألفُ غازٍ..
وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ
وبالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ....
وقيلَ قديماً بأنَّ "الفتى الأخضرَ" ال مرَّ فوق ثراهَا..
فأمرعها خُضرةً حيثُ حَـلَّ..
وأنَّ السِّنينَ توالتْ على أهلها ..
وما من نبيٍّ يُؤوِّلُ رؤيا...
تتجلى الذات الفاعلة/سيدة الضوء/الشآم في هذا المقطع متلبسة بزيها العسكري الذي يدافع عن منجزاتها الحضارية التي صارت هدفا لكل غاز، ومن ثم كان لابد أن تشمِّر عن روحها القتالية في مواجهة هؤلاء الغزاة الذين استهدفوها فكانت نهايتهم الهزيمة والرضوخ، وقد بدت الذات الفاعلة/سيدة الضوء/ الشآم هنا قوية (على قدميْها جثا ألفُ غاز) والعدد ألف ليس مقصودا لذاته، ولكن القصد منه الكثرة في إشارة إلى كثرة الطامعين الذين وفدوا عليها غزاة ولكنهم ركعوا على قدميْها مهزومين، ومن ثم كان من البدهي أن تركع القمم
الشامخات (وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ) في إشارة إلى القوة والسيطرة، ولفظ (القمم) دال على كل ما هو شامخ، وهي دلالة عامة لا يقصد بها شيء محدد أو جهة معينة بقدر ما تشير إلى القوة والسيطر من الذات الفاعلة/سيدة الضوء/الشآم، واستخدام لفظ (صلَّت) تشير إلى محاولة التقرب والرجاء في العطاء أو العفو؛ فهكذا يكون الهدف من الصلاة إما الخوف أو الرجاء، واستخدام لفظيْ (القمم الشامخات) بعد (صلَّت) يدلان على قدرة سيدة الضوء على إخضاع كل ذي قوة وشموخ وإلجائه إلى طلب العفو أو العطاء، وهو ما يتناسب مع ما ورد في بداية المقطع من القول (على قدميْها جثا ألفُ غاز) لينتقل المقطع بعد ذلك إلى الجانب الروحي (وبالقُربِ منْ طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ.... وقيلَ قديماً بأنَّ "الفتى الأخضرَ" ال مرَّ فوق ثراهَا.. فأمرعها خُضرةً حيثُ حَـلَّ.. وأنَّ السِّنينَ توالتْ على أهلها .. وما من نبيٍّ يُؤوِّلُ رؤيا) ليعيد المقطع بذلك الجمع بين الملمحين الواردين في المقطعين السابقين، الملمح الأول هو الملمح المادي/القوة العسكرية التي أخضعت كل غاز، وجعلته يطلب العفو أو العطاء، والملمح الثاني هو الملمح المعنوي المتمثل في الجانب الروحي الذي أشار إليه النص في المقطع الأول (لسرٍّ بروح ابنها الناصري) وفي المقطع الثاني (هي في خاطر الله أكمل من خلقها) وفي هذا المقطع الثالث (وبالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ.... وقيلَ قديماً بأنَّ "الفتى الأخضرَ" ال مرَّ فوق ثراهَا) لتكتمل بذلك ملامح سيدة الضوء التي أراد النص إبرازها في هذا المقطع، ولكننا نلاحظ أن الذات الفاعلة/سيدة الضوء/الشآم ما زالت هي ذات الحضور الفاعل في الخطاب والمهيمن على تفاصيله، فلا ملامح محددة لأي حضور آخر سوى ملامحها، فإذا حضر الغزاة فإن حضورهم باهت من حيث الفعل والتفاصيل والملامح (على قدميْها جثا ألفُ غاز – وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ) فمن الملاحظ أن ملامح الغزاة ليست واضحة، كما أن أهدافهم ليس لها تفاصيل، بل ساقهم النص بصورة مجملة (ألف غاز – القمم الشامخات) وكذلك مفردات الجانب الروحي جاءت عامة دون تفاصيل (ابنها الناصري – خير الأنام – الفتى الأخضر) لتظل سيدة الضوء/الشآم هي ذات الحضور البارز والملامح الواضحة (لسيدة الضوء – لللأق السومري – سيدة الخصب في أرض كنعان – أبهى الأيائل – أغلى الصبايا – الشآم – كل الأميرات فوق العروش – كل الجميلات في الأرض – أخت الورود) وقد اتسم حضورها بالاسم حينا/الشآم، وبالأوصاف الدالة عليها حينا آخر من خلال ما أوردنا لها من أوصاف، وفي جميع الأحوال يظل حضورها مهيمنا على النص؛ ليتوافق بذلك مع دلالة العنوان (لسيدة الضوء...) لينفتح النص في المقطع الرابع على جانب آخر من الدلالة، وإن كان يسير في إطار المقطع المؤسِّس وهو المقطع الأول.
- 4 –
فيا ربِّ حوِّل سحائبها طلعَ قمحِ
فيُخصِبَ كلَّ بساتينِ غوطتها ..
ويا وجهَها الغضَّ مُرَّ بروحي
نُرتِّلْ أناشيدَ أهلِ الشآآآمْ...
سلامٌ عليهم... و ألفُ سلامْ..
وفي هذا المقطع ينتقل النص إلى الملمح الثاني من ملامح سيدة الضوء/الشآم، وهو ملمح الخصب، وقد وردت الإشارة إلى هذا الملمح في المقطع الأول (لسيِّدةِ الخصْبِ في أرضِ كنعانْ) وهنا في المقطع الرابع تدعو الشاعرة أن يحوِّل الله سحائبها طلع قمح فيخصب كلَّ بساتين غوطتها؛ لتظل محافظ على وجهها الخصب كما كان منذ القدم، فترتل الشاعرة مع وجه سيدة الضوء أناشيد أهل الشآم، لتختم المقطع بالدعاء لأهل الشآم بالسلام كما ختمت المقطع الأول، فيحتل السلام بذلك مكانا مركزيا في ذهن الأنا الشاعرة، فتدعو حينا لأهل الشآم أن يعم بلادهم السلام، وتصوِّرحينا آخر سيدة الضوء/الشآم بأنها أرض السلام، ومن الملاحظ في هذا المقطع ورود الأسماء الدالة على المقصود من سيدة الضوء أو على جزء منها أو على ساكنيها (سحائبها – غوطتها – وجهها – أهل الشآم) فالهاء في سحائبها دالة على سيدة الضوء، وكذلك الهادء في غوطتها، ولكن لفظ (غوطتها) دال على جزء من المكان/الشآم، ثم يأتي أهل الشآم دالا على سكانها، وبذلك يستوعب هذا المقطع عناصر المشهد كلها من حيث الطبيعة (سحائبها – بساتين – طلع قمح – وجهها الغض) أو المكان (غوطتها – الشآم) أو الناس (أهل الشآم) لينتقل النص إلى المقطع الخامس فتنفتح الدلالة على مشهد آخر من المشاهد المتنوعة لسيدة الضوء.
- 5 –
هِيَ من ملكاتِ الزَّمانْ...
تربَّت على شَجرِ الرُّوحِ حتَّى تفتَّح في صَدرهَا الياسمينُ
تَوضَّأ في سِرِّها ألفُ نايٍ
وهامتْ بها مُذْ رأتُهَا المَرايا
و كانت ضفائرُها كلَّما ائتلقتْ تنشُرُ العطرَ فوق مداها ...
وأمَّا هواها فما مالَ يوماً عنِ المجدِ
لا الوردُ جَفَّ
ولا نفَدَ الخَمرُ مِنْ دنِّهَا
فيداها تصوغُ من الحُسنِ أشهى جناها ...
وعشاقُها الهائمُون بها مُذ ثَوَوا في التَّكايا
فكانوا النَّبيِّين..
كانوا الدَّراويشَ.. ملحَ الزَّمَانْ ..
سلامٌ عليهم ... و ألفُ سلامْ..
ينفتح المقطع الخامس على المشهد الثالث من المشاهد التي اشتمل عليها المقطع المؤسِّس/ المقطع الأول، وهو المشهد الجمالي، فيورد ملامح الجمال التي تتميز بها سيدة الضوء/الشآم، ومنذ بداية المقطع يحرص النص على حضورها الدال على الجلال والجمال في الوقت نفسه، فهو ليس جمالا مبتذلا، ولكنه جمال له هيبته الملكية/ملكات الزمان، تلك الهيبة التي تليق بسيدة الضوء التي جثا على قدميْها ألفُ غاز، والتي صلَّت لها القمم الشامخات (هِيَ من ملكاتِ الزَّمانْ... تربَّت على شَجرِ الرُّوحِ حتَّى تفتَّح في صَدرهَا الياسمينُ) ومن الملاحظ محافظة النص على الخطين المتمازجين منذ بداية النص، وهما الجانب المادي/ملكات الزمان، والجانب المعنوي/شجر الروح، وتتوالى الملامح المعبرة عن الجمال، فالمرايا هامت بها مذ رأتها، وهنا إشارة إلى أن سيدة الضوء/الشآم لم يتغير جمالها منذ القدم، ولا تبدَّل رغم مرور الدهور وكرور الغزاة، وتوالي الأحداث؛ فهي تحافظ على بهائها وجمالها، فالمرايا هامت بها مذ رأتها وما زالت تهيم بها وهو ما عبَّر عنه النص (وأمَّا هواها فما مالَ يوماً عنِ المجدِ/لا الوردُ جَفَّ/ولا نفَدَ الخَمرُ مِنْ دنِّهَا) فهي لم تحِدْ عن المجد الذي اتسمت به منذ القدم، ولم يجفّ الورد الذي زيّن جبينها منذ أن كانت، ولا نفد الخمر من دنِّها، فسيدة الضوء ما زالت تحافظ على جلالها وجمالها، وغذا كان قد جثا على قدميْها ألفُ غاز فقد توضَّأ في سرِّها ألفُ ناي في معادلة محسوبة من النص فالغزاة الذين مروا على أرضها لم يفقدوها بهاءها ولا جمالها، والقوة العسكرية التي هزمت الغزاة كانت ترافقها ملامح جمالية موازية لها تماما (ألفُ غاز – ألفُ ناي) إنها المعادلة الصعبة التي تجعل الأمم محافظة على كيانها رغم الأحداث الجسام، وينتقل النص إلى جانب آخر من الجمال وهو الجمال المعنوي (وعشاقُها الهائمُون بها مُذ ثَوَوا في التَّكايا فكانوا النَّبيِّين.. كانوا الدَّراويشَ.. ملحَ الزَّمَانْ) فإذا كان النص قد رصد الجمال المادي فيما سبق (ضفائرها – الورد الخمر – دنها) فإنه هنا يرصد الجمال المعنوي؛ ليحافظ بذلك على التمازج بين الجانبين اللذين يشكلان أهم الملامح لسيدة الضوء/الشآم، وهما الجانب المادي والجانب المعنوي. لقد جاء المقطع الخامس معبِّرا عن المشهد الثالث من المشاهد التي شكَّلت ملامح سيدة الضوء في المقطع الأول، ويختتم النص المقطع الخامس بما اتختتم به المقطع الرابع وقبله المقطع الأول، وهو السلام (سلامٌ عليهم .. ألفُ سلام) في إشارة إلى أن السلام يمثل مركز الرؤية في ذهن الشاعرة، وبؤرة اهتمام الذات الفاعلة/سيدة الضوء/الشآم، وبذلك تكون المقاطع الثلاثة/ الثالث والرابع والخامس تفصيلا لمجمل المقطع الأول، ليأخذ النص في المقطعين السادس والسابع اتجاها مختلفا، ففي المقطع السادس يتعرض النص للحديث عن الأحداث التي تمر بسيدة الضوء/الشآم، والتي ستكون لها تأثير كبير عليها.
- 6 –
تقول الرِّياحُ..
مضَى العامُ...
سبعةُ أعوامَ ..
سبعٌ شدادٌ...
ذوَتْ بسمَةُ الوردِ في مَهدِهَا ..
بكى الياسَمينُ..
بَكَى شَجَرُ القَـلبِ..
كلُّ طُيُورِ المَدائنِ ..
كلُّ الفراشَاتِ والقبَّرات ...
كتبَ الغيمُ نصَّهُ في مداها ...
و فَتَى الشَّام راحَ يُملِي عَلَيهِ..
سُورَة المَجدِ من كتابِ المَعَالي ...
و الأغاني سمرٌ على شفتيهِ
زرقةُ الصُّبحِ بعضُ بعضِ ضِياهُ...
و سَنَــــا البرقِ من فُيُوضِ يَدَيهِ....
يبدأ المقطع (تقول الرياح) وإيراد لفظ (الرياح) هنا له دلالته؛ إذ إنها تعبر عن الأحداث التي عصفت بالشآم/سيدة الضوء، وأشارت الشاعرة إليها بقولها (مضَى العامُ... سبعةُ أعوامَ .. سبعٌ شدادٌ...) واستخدام النقاط الدالة على الحذف بعد كل جملة دال على عدم القدرة على وصف آثار هذه الأحداث المدمرة (مضى العام ...) وهنا يمكن استنتاج أكثر من دلالة للمحذوف، (مضى العام قاسيا/عنيفا/صعبا/مدمرا/كئيبا) وكلها احتمالات للمحذوف دالة على السلبية المستقاة من الجملة (سبعٌ شداد ...) واستخدام لفظ (شداد) تحيلنا مباشرة إلى قصة رؤيا فرعون مصر، وتفسير النبي يوسف – عليه السلام – لها، وهي أعوام قاسية على المجتمع بأسره، ثم يأتي الجمل التالية؛ لتفسِّر ملامح سيدة الضوء/الشآم في هذه الأعوام السبع الشداد (بكى الياسَمينُ.. بَكَى شَجَرُ القَـلبِ.. كلُّ طُيُورِ المَدائنِ .. كلُّ الفراشَاتِ والقبَّرات ...
كتبَ الغيمُ نصَّهُ في مداها ...) وبدأت الملامح ببكاء الياسمين، وهو ما يميز أرض الشآم، ثم بكاء شجر القلب، ثم بكاء كل طيور المدائن، ثم بكاء كل الفراشات والقبَّرات، إنها ملامح الحزن تخيم على كل مكان، ومع نهاية كل جملة تأتي إشارة الحذف؛ لتترك للمتلقي يحلق بخياله للبحث عن المحذوف وتخيُّله، وهنا تنعكس صورة سيدة الضوء التي هيمنت على المقاطع السابقة؛ لتبيِّن أن ما حدث كان أعنف ما مرَّ بسيدة الضوء/الشآم عبر تاريخها، وتأتي آخر جملة من هذا الجزء من المقطع (كتبَ الغيمُ نصَّهُ في مداها ...) لتدل على أن هناك كتابة وتسجيل، ولكن النص لم يعطنا ملامح هذا الذي تم تسجيله؛ فهو يرصد فقط أن الغيم كتب نصَّه في مداها/سيدة الضوء/الشآم، ولكنه لم يصرِّح بمضمون هذا النص الذي كتبه الغيم، فهل كان نص الغيم المكتوب هو ملامح الحزن التي سيطرت على سيدة الضوء والتي تجلت في بكاء كل شيء/الياسمين والشجر القلب وكل طيور المدائن وكل الفراشات والقبَّرات؟ أو كان المكتوب ما عبَّر عنه النص في الجزء الثاني من المقطع في قوله (وفَتَى الشَّام راحَ يُملِي عَلَيهِ..سُورَة المَجدِ من كتابِ المَعَالي ...والأغاني سمرٌ على شفتيهِ/زرقةُ الصُّبحِ بعضُ بعضِ ضِياهُ...وسَنَــــا البرقِ من فُيُوضِ يَدَيهِ...) وهو التحدي الذي بدا في سورة المجد والأغاني وزرقة الصبح وسنا البرق، وقد يرى البعض أن استخدام حرف العطف الواو في قوله (وفتى الشام) يدل على أن ما كتبه الغيم شيء غير الذي ورد في الجزء الثاني من المقطع، ولكن استخدام النقاط الدالة على الحذف في نهاية جملة (كتبَ الغيمُ نصَّهُ في مداها ...) يشير إلى أن ما كتبه الغيم كان من إملاء فتى المجد؛ فلو تخيلنا الجملة كالتالي ((كتبَ الغيمُ نصَّهُ في مداها المشحون بالسلبيات وفتى الشام راح يملي ...) فما الذي يمكن أن يمليه فتى الشام؟ إنه سوف يملي عليه سورة المجد ... الخ، وهنا تتحول الدلالة السلبية التي هيمنت على الجزء الأول من المقطع إلى الإيجابية التي هيمنت على الجزء الثاني؛ لتدل بذلك على التحول الذي يرصده النص، لقد صور المقطع السادس مشهدين متضادين تماما، المشهد الأول سلبي ورد في الجزء الأول، والمشهد الثاني إيجابي ورد في الجزء الثاني من المقطع، لينتقل النص إلى المقطع السابع والأخير؛ ليمثِّل اختلافا كليا وانقطاعا عن المقاطع السابقة على مستوى الدلالة المضمونية والموسيقى.
- 7 –
الآنَ أختتمُ الكتابَ ...
فكلُّ جرحٍ غائرٍ في الرُّوحِ يُنشدُ ما تبقَّى منْ أنيني...
فالأنينُ اليومَ أقربُ للسِّمَاءِ منَ الصَّلاه ...
وسأقنعُ الصُّوفيَّ قلبي كي يُناجي سرَّكِ المَخبُوءَ في قلبِ الإله ...
الآنَ أشهدُ ملءَ رُوحِي أنَّكِ الأرضُ التي شَرُفَتْ على كُلِّ المدائنِ..
والقصَائدِ..
وَالكَلامْ ...
يا أنتِ... يا أرضَ الشَّآمْ ..
يهيمن حضور الأنا الشاعرة على هذا المقطع منذ البداية حتى النهاية بعد أن كان حضورها منعدما في المقاطع السابقة إلا في موضع واحد في قولها (سأتلُو عليكُم إذاً ما تيسَّرَ لي من كتابِ الشَّآمْ) فحضورها كان حضور الراوي فقط وليس الفاعل، أو المهيمن على الخطاب، لكنها في هذا المقطع الأخير تصبح عنصرا فاعلا في الخطاب، وقد بدا الحضور على المستوى اللفظي والمعنوي/المضمون، فعلى المستوى اللفظي كانت الضمائر بنوعيها المنفصلة والمتصلة معبرة عن هذا الحضور (أختتم/أنا – أنيني – سأقنع/أنا – قلبي – يناجي/هو/قلبها – أشهد/أنا – روحي) وعلى المستوى المعنوي/المضمون فإن الأنا الشاعرة تتحول إلى جزء من الحدث، وليست راوية له (فكل جرح غائر في الروح ينشد ما تبقَّى من أنيني/فالأنين اليوم أقرب للسماء من الصلاة) فالجرح الغائر الذي أصاب سيدة الضوء/الشآم أصبح جرحها، ومن ثم يصبح من البدهي حضور الأنا الشاعرة بمصاحبة حضور سيدة الضوء/الشآم كوجهين لعملة واحدة (الآنَ أشهدُ ملءَ رُوحِي أنَّكِ الأرضُ التي شَرُفَتْ على كُلِّ المدائنِ) والشهادة هنا تعطي الأنا الشاعرة صفتها الآنية من حيث كونها معبرة عن الجرح الغائر، ومغموسة في الأنين الناتج عنه، ومن ثم يصبح قولها (سأقنعُ الصُّوفيَّ قلبي كي يُناجي سرَّكِ المَخبُوءَ في قلبِ الإله) معبرا عن التمازج بين الأنا الشاعرة وسيدة الضوء، ولكن الأنا الشاعرة لا تنسى وسط هذا الإحساس بالقرب أن سيدة الضوء هي من منحتها الكينونة لتصير معبرة عن الماضي بتجلياته الحضارية والإنسانية/الألق السومري/سيدة الخصب/ أبهى اليائل/أغلى الصبايا، ومعبرة كذلك عن الحاضر وتحدياته، فتقول (الآنَ أشهدُ ملءَ رُوحِي أنَّكِ الأرضُ التي شَرُفَتْ على كُلِّ المدائنِ..والقصَائدِ..وَالكَلامْ ...يا أنتِ... يا أرضَ الشَّآمْ ..) فسيدة الضوء قد شرفت على كل شيء، فقد شرفت على كل المدائن، كما شرفت على كل القصائد التي يمكن أن تعبر عنها.
لسيِّدةِ الضَّوء..
ليندا إبراهيم
لسيِّدةِ الضَّوءِ ..
للألقِ السَّومَريِّ السَّنيِّ تضجُّ به مُقلتاهَا..
لسيِّدةِ الخصْبِ في أرضِ كنعانْ ..
لسِرٍّ بروحِ ابنِهَـا "النَّاصريِّ"..
لأبهى الأيائلِ عند السُّهوبِ..
لأغلى الصَّبايا بسهلِ الجليلِ..
سلامٌ ... سلامْ..
و لأنَّ ضياهَا توشَّى بهِ الحبرُ ..
أمَّا بهاهَا فحدِّثْ و لا حرجٌ ..
وأمَّا اصطفافُ اليَمامِ على ضِفَّتَي جُرحِهَا
وَهديلُ ضفائرِها إذ يغنِّي نشيدَ السَّلامْ ..
سأتلُو عليكُم إذاً ما تيسَّرَ لي من كتابِ الشَّآمْ :
هيَ في خاطرِ الله أكملُ مِن خلقِهَـا ..
و أجملُ من برقِهَـــا في ضمير الغَمَامْ..
هيَ كلُّ الجميلاتِ في الأرضِ
كلُّ الأميراتِ فوقَ العُرُوشِ
وأختُ الورودِ و أصلُ الخُزام..
على قدميهَا جثا ألفُ غازٍ..
وصَلَّتْ لها القممُ الشامخاتُ
و بالقُربِ منْ "طُورِها ضَوَّءَ الكونَ خيرُ الأنامْ....
وقيلَ قديماً بأنَّ "الفتى الأخضرَ" ال مرَّ فوق ثراهَا..
فأمرعها خُضرةً حيثُ حَـلَّ..
وأنَّ السِّنينَ توالتْ على أهلها ..
وما من نبيٍّ يُؤوِّلُ رؤيا...
فيا ربِّ حوِّل سحائبها طلعَ قمحِ
فيُخصِبَ كلَّ بساتينِ غوطتها ..
ويا وجهَها الغضَّ مُرَّ بروحي
نُرتِّلْ أناشيدَ أهلِ الشآآآمْ...
سلامٌ عليهم... و ألفُ سلامْ..
هِيَ من ملكاتِ الزَّمانْ...
تربَّت على شَجرِ الرُّوحِ حتَّى تفتَّح في صَدرهَا الياسمينُ
تَوضَّأ في سِرِّها ألفُ نايٍ
وهامتْ بها مُذْ رأتُهَا المَرايا
و كانت ضفائرُها كلَّما ائتلقتْ تنشُرُ العطرَ فوق مداها ...
وأمَّا هواها فما مالَ يوماً عنِ المجدِ
لا الوردُ جَفَّ
ولا نفَدَ الخَمرُ مِنْ دنِّهَا
فيداها تصوغُ من الحُسنِ أشهى جناها ...
وعشاقُها الهائمُون بها مُذ ثَوَوا في التَّكايا
فكانوا النَّبيِّين..
كانوا الدَّراويشَ.. ملحَ الزَّمَانْ ..
سلامٌ عليهم ... و ألفُ سلامْ..
تقول الرِّياحُ..
مضَى العامُ...
سبعةُ أعوامَ ..
سبعٌ شدادٌ...
ذوَتْ بسمَةُ الوردِ في مَهدِهَا ..
بكى الياسَمينُ..
بَكَى شَجَرُ القَـلبِ..
كلُّ طُيُورِ المَدائنِ ..
كلُّ الفراشَاتِ والقبَّرات ...
كتبَ الغيمُ نصَّهُ في مداها ...
و فَتَى الشَّام راحَ يُملِي عَلَيهِ..
سُورَة المَجدِ من كتابِ المَعَالي ...
و الأغاني سمرٌ على شفتيهِ
زرقةُ الصُّبحِ بعضُ بعضِ ضِياهُ...
و سَنَــــا البرقِ من فُيُوضِ يَدَيهِ....
الآنَ أختتمُ الكتابَ ...
فكلُّ جرحٍ غائرٍ في الرُّوحِ يُنشدُ ما تبقَّى منْ أنيني...
فالأنينُ اليومَ أقربُ للسِّمَاءِ منَ الصَّلاه ...
و سأقنعُ الصُّوفيَّ قلبي كي يُناجي سرَّكِ المَخبُوءَ في قلبِ الإله ...
الآنَ أشهدُ ملءَ رُوحِي أنَّكِ الأرضُ التي شَرُفَتْ على كُلِّ المدائنِ..
والقصَائدِ..
وَالكَلامْ ...
يا أنتِ... يا أرضَ الشَّآمْ ..
دمشق - الشام 2017
إضافة تعليق جديد