سورية .. فرصة حقيقية لإنهاء سنوات من الدم و العنف
الجمل ـ *فيكتور ميخين ـ ترجمة رنده القاسم:
يثير الاتفاق الذي تم التوصل إليه من قبل روسيا و الولايات المتحدة الأميركية، من أجل وقف إطلاق النار في سوريه منذ السابع و العشرين من شباط، الكثير من الأسئلة عبر العالم حول ما إذا سيتم تطبيق شروط الوثيقة...و هناك آراء متعارضة حول الأمر: فإما أن اتفاق وقف إطلاق النار هو المقدمة لمفاوضات أبعد و بداية نهاية الحرب الأهلية، أو أنه قصاصة ورق عادية سوف تهمل بشكل كبير في المستقبل. و من الواضح تماما أن كل شيء يعتمد على موقف الأطراف و مصالحهم و ما الذي سيحصلون عليه في حال اختاروا الالتزام بوقف إطلاق النار.
و على الفور تم تشكل معسكرين متمايزين أعلنا بصوت عال عن مواقفهما. فمن جهة، يوجد أولئك الذين يريدون حقا وقف إطلاق النار، لإنهاء الحرب الأهلية، و يتوقعون أن تسوية الصراع السوري قد يكون الخطوة الأولى نحو نهاية الفوضى الدموية التي تورطت بها دول الشرق الأوسط. و هذا المعسكر يضم أولا روسيا بموقفها الواضح حول التسوية السلمية للحرب الأهلية في سوريه. و تؤمن موسكو أن الاتفاق على وقف إطلاق نار مؤقت في سورية ليس مجرد خطوة متوسطة في تاريخ الحرب الأهلية. و الالتزام بوقف إطلاق النار أو خرقه سيظهر قدرة ضامني الهدنة، روسيا و الولايات المتحدة، على التأثير على مؤيديهم في سورية. و تقع مسؤولية كبيرة على عاتق روسيا، و قدم فلاديمير بوتين نفسه ككفيل للاتفاق الجديد و نشر تصريحا خاصا، ما يعتبر حالة نادرة بشكل كبير.
و أكد الرئيس بوتين أن وقف إطلاق النار يستثني تماما الدولة الإسلامية و جبهة النصرة و منظمات صنفت إرهابية من قبل مجلس الأمن و قال: "سيستمر الهجوم عليهم".
و من الضروري أن تكون كل من الولايات المتحدة و روسيا ، و هما المسؤولتان عن مجموعة دعم سوريه الدولية، مستعدتين لتشغيل آلية فاعلة لمراقبة التقيد بوقف إطلاق النار من قبل كل من الحكومة السورية و المجموعات المعارضة المسلحة. و لهذا الهدف، يجب خلق خط ساخن و مجموعة عمل لتبادل المعلومات.
و بنفس الوقت أنشأ في سورية، منتصف شباط، مركز تنسيق من أجل تسوية الخلافات بين الأطراف المتنازعة. و قال الممثل الرسمي لوزير الدفاع الروسي أن هذه البنية خلقت في القاعدة الروسية الجوية في مطار حميميم ، و هدفها الأساسي دعم مرحلة التفاوض من أجل التسوية بين السلطات السورية و المعارضة، باستثناء داعش و جبهة النصرة و منظمات إرهابية أخرى ، إضافة إلى إحراز اتفاقيات حول وقف إطلاق النار و إيصال المساعدات الإنسانية.
و قال بوتين: " ستقود روسيا العمل اللازم مع دمشق ، مع الحكومة الشرعية السورية. و نأمل بأن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالشيء ذاته مع حلفائها و المجموعات المدعومة من قبلها". و تعتقد موسكو أن العمل المشترك المتماسك المتفق عليه مع الولايات المتحدة يمكنه و بشكل جذري تغيير مسار الصراع في سورية. فأخيرا، توجد فرصة حقيقية لإنهاء سنوات من سفك الدماء و العنف. و نتيجة لذلك، سيتم تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المواطنين السوريين المحتاجين.
و روسيا، جندي حفظ السلام الرئيسي، اقترحت على مجلس الأمن في الأمم المتحدة إصدار قرار حول وقف إطلاق النار في سورية، و تجري الآن الاستشارات مع الولايات المتحدة حول هذه المسألة.
و رحب العالم بالتصريح المشترك الروسي – الأميركي حول وقف إطلاق النار في المنطقة. و بشكل خاص، لاقت هذه المبادرة الدعم من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون . و في حال الالتزام بهذا الاتفاق، سيغدو الأمر خطوة هامة نحو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 ، و سيضمن خلق المزيد من البيئة الملائمة من أجل مفاوضات سياسية.
غير أن النشاطات الحالية لمسؤولين أميركيين رفيعي المستوى تشير إلى انقسام جدي بين قادة إدارة أوباما حول الوضع في سورية. و حتى قبل دخول وقف إطلاق النار في سورية حيز التنفيذ، قررت وكالات الأمن الأميركية التصرف بشكل حذر و طورت ما يسمى "الخطة ب". و بنفس الوقت أعلن البنتاغون علنا أنهم لن يتعاونون بشكل وثيق مع وزارة الدفاع الروسية و لا ينوون العمل معا...
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، الذي يحاول مؤخرا اتباع سياسة انفصالية، انتقد بشدة الاتفاق المشترك بين روسيا و الولايات المتحدة حول وقف إطلاق النار في سورية. و ذكرت Haber Turk نقلا عن أردوغان أن القيادة التركية تعتبر عددا من المجموعات الكردية المقاتلة ضد الميليشيات في سورية ( و خاصة الاتحاد الديمقراطي، وحدات حماية الشعب، حزب عمال كردستان) إرهابية، كحال مجموعات الدولة الإسلامية و القاعدة، و لهذا لا تتفق أنقره مع موسكو و واشنطن.
و لكن الوضع في أنقره يغدو أسوأ كل يوم . إذ وجدت تركيا نفسها في حالة خلاف مع روسيا، محفوفة بالمواجهة العسكرية المباشرة بين الدولتين، في حال اختارت أنقره غزو سوريه. و علاوة على ذلك، غموض السياسة التركية حيال داعش، و هوس أنقره بقتال الأكراد يعتبر شروطا مسبقة لصراع محتمل بين تركيا و الولايات المتحدة. و السياسة الخارجية التركية ممزقة، و فشلت محاولات أردوغان لجعل تركيا مركز العالم السني.
و في كل الأحوال، يوجد حاليا وضع فريد لوضع نهاية للصرع في سورية، و هذا يتطلب بشكل طبيعي النوايا الطيبة لكل الأطراف المتورطة في الحرب الأهلية....
* صحفي عضو في الأكاديمية الروسية للعلوم الطبيعية
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد