سوريات يتحدين ظروف الحرب بـ«لمسة أنثوية»
بين كتب الهندسة وطاولة الدراسة، تنتشر بضع علب من الخرز، الأقمشة، سنانير التطريز والخيوط الملونة، في غرفة روز المليئة بأعمالها الفنية اليدوية. «أحبّ أن أضيف لمساتي الخاصة على كل ما أملك من ملابس وإكسسوارات، وأشعر بالسعادة عندما أرى الأماكن التي أحبّها مزينة بما أصنع»، تقول الطالبة الجامعية روز يوسف، وهي تحبك خيوطا عدة بعضها ببعض، وتضيف: «إنَّها سنتي الأولى في الجامعة، وليس من السهل أن أوفِّق ما بين عملي الذي بدأ كهواية، ودراستي.. بدأت أشعر بالمسؤولية».
خلال السنتين الماضيتين، انتشر العمل في صناعة الإكسسوارات والتطريز والعديد من الأعمال اليدوية بين النساء السوريات، من طالبات في الجامعة، متخرجات، ربات بيوت، ونساء عاملات، ليس كهواية أو موهبة إبداعية فحسب، بل كمهنة تدرّ أرباحاً وسط الضغوط المادية المترتّبة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردّي في سوريا.
تقول ربُى، المتخرّجة حديثاً من كلية الأدب الإنكليزي: «أحبّ الإكسسوار كثيراً، وكنت أصنع بعض القطع لأرفه نفسي في الجامعة، لم أجد عملاً بعد تخرجّي، حالي من حال معظم أصدقائي»، تضيف، وهي تشير إلى عقد ترتديه: «هذا من صنعي، واليوم أنهيت طقماً من الإكسسوار لصديقتي، أصبح لديّ زبائني، أفضّل عملي هذا على أن أجلس دون عمل أو وظيفة».
وبالرغم من عدم وجود دراسة رسمية من جهة مختصة لعدد النساء العاملات خلال الحرب، إلَّا أنَّ تقديرات رسميّة سورية تشير إلى أنَّ الحرب دفعت بمئات الآلاف من النساء للعمل في ظلّ انشغال الرجال بالحرب، أو بسبب ارتفاع الأسعار وسوء الأحوال الاقتصادية، سواء في الوظائف الحكومية وغير الحكومية، أو في الأعمال اليدوية التي يمكن أن تنفّذ في المنازل.
ومنذ بداية الحرب في سوريا، ظهرت مشاريع ونشاطات عديدة لتوحيد جهود النساء وإظهار أعمالهن، فنشطت الأسواق الخاصة بالاكسسوارت، كما انتشرت بشكل كبير في سوريا المعارض والبازارات التي تساعد النساء على تصريف إنتاجهن وإيجاد أسواق له.
وتقام في سوريا، وفي عدد من دول اللجوء، دورات تدريبية لتمكين النساء السوريات وتعليمهنّ حرفاً وتحفيزهنّ على الإنتاج. فمع نزوح الآلاف من العائلات إلى المحافظات السوريّة الآمنة، وأغلبها بمعيلات بعدما سلبت الحرب الرجال لأسباب عدّة، لم تعد المعونات المقدَّمة من المنظمات المحلية والأهلية حلاً يكفي، فكانت دورات الخياطة والتطريز وصناعة الشموع والاكسسوار وغيرها، عوناً واستقلالية، فافتتحت ورش عدة، ممّا ساهم في زيادة إنتاج الصناعات المحلية. كذلك الحال في دول اللجوء، كان لا بد للنساء السوريات من أن يستمررن بالحياة بكرامة.
أنسام زادة سيدة سورية موظفة وربة أسرة، تقول : «أتقن مهارات يدوية عديدة، عملت بها بشكل بسيط قبل بداية الأزمة السورية بسنوات لتأمين مدخول إضافي لأسرتي إلى جانب راتبي كموظفة في الدولة. اليوم ومع التضخم المرعب في الأسعار، أصبحت بحاجة إلى دخل يكفل الاستمرار في العيش وتأمين الأولويات خصوصاً أنَّ ابنتي أصبحت في المرحلة الأخيرة من التعليم الثانوي، بمتطلبات لا أستطيع كأمّ والمسؤولة الوحيدة عنها بعد طلاقي، سوى تلبيتها كمصاريف الدراسة وغيرها».
تضيف السيدة: «أعطي دورات لصبايا وسيدات ترغبن مزاولة هذا العمل الذي انتشر وأصبح دارجاً في الآونة الأخيرة، كما أشارك بمعظم المعارض بمنتجاتي. هذه الحرب دفعتنا إلى تحمّل مسؤوليات وضغوط عدّة لم تكن في حسباننا يوماً، فلم أكن أتخيّل أني سأضطر أن أعدّل ملابسي وملابس طفلتي لتوفير ثمن الملابس الجديدة».
حجزت السوريات مساحتهن الخاصة لعرض منتجاتهن حتى على صفحات موقع «فايسبوك»، فأصبح موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً في سوريا والعالم، منبراً ومعرضاً دائماً لما يُنتَج من أعمال مميزة وإبداعية في معظم مجالات المهن والحرف اليدوية. «أنشأتُ صفحةً خاصة بأعمالي من الإكسسوارات على موقع فايسبوك، انتشرت بدعم من أصدقائي، أريد أن أشارك جميع معجبي ومعجبات الصفحة بمنتجاتي البسيطة، يوجد الكثير من الصفحات المشابهة، لكني مع التغيير ومع إضافة اللمسات الخاصة بشخصية كل إنسان على أي شيء في حياته»، تقول روز وهي تعقد نهاية الخيوط المحبوكة، وتنظر إلى السوار الذي صنعته بفخر.
نينار الخطيب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد