سوريا ولبنان استعادا علاقة قديمة بأسس جديدة
بدا جليا ان جريمة طرابلس لم تنجح في وقف أو إبطاء اندفاعة القمة السورية اللبنانية التي شكلت بقراراتها المفصلية قمة تاريخية ورافعة لانتشال العلاقات بين البلدين من الهاوية التي دُفعت اليها بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل يمكن القول انها كانت قمة »تأسيسية« طوت مرحلة مثقلة بالاخطاء المتبادلة وفتحت الآفاق الواسعة امام مرحلة جديدة، يفترض ان تكون سمتها الثقة المتبادلة والوعي لمكامن الخلل في التجربة السابقة.
وقالت مصادر رفيعة المستوى ان الرئيسين بشار الاسد وميشال سليمان تفاهما على اقامة علاقات تكامل بين لبنان وسوريا، و»ان يكون معبرها في لبنان رئاسة الجمهورية، بحيث تتقرر كل الامور الكبرى من خلال رئاستي ورئيسي البلدين، فيما تكون الشؤون التنفيذية من صلاحية الوزراء المختصين«.
وجاء في البيان المشترك الذي صدر عن القمة ان الجانبين نوها باتفاق الدوحة، وأكدا أهمية الحوار الوطني الذي سيستأنف برئاسة الرئيس سليمان، واتفقا على إقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء، واستئناف أعمال اللجنة المشتركة لترسيم الحدود، والعمل المشترك لضبط الحدود ومكافحة التهريب، وتفعيل أعمال اللجنة المشتركة المتعلقة بالمفقودين، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية بموضوعية.
وأوضح وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ ان مجلس الوزراء سيجتمع الخميس المقبل وسيتخذ قرارا بانشاء العلاقات (الدبلوماسية) بين البلدين، وبعد اسبوع نقوم بالاجراءات اللازمة مع وزارة الخارجية السورية حتى يتسنى للوزيرين تنفيذ ما اتفق عليه في مضمون هذا القرار.
أما وزير الخارجية السوري وليد المعلم فلفت الانتباه الى ان الجانبين سيتفقان على الاولويات في المناطق التي يجب ترسيمها، مشيرا الى ان اللجان المشتركة التي انشئت بين البلدين لترسيم الحدود لا يمكنها ترسيم مزارع شبعا في ظل الاحتلال.
- وقد جاء الخطاب المتلفز للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في المناسبة ليمتص الكثير من أجواء التوتر الداخلي وليغرف من »خيرات« الانتصار لغة تصالحية وتسامحية، ختمها »السيد« بتوجيه الف تحية الى بيروت المقاومة والعروبة، وجبل لبنان بكل تياراته السياسية، داعيا الى الهدوء في التخاطب السياسي وتخفيض مستوى الاحتقان في الشارع.
وأكد نصر الله لزوم التحضير الجيد لطاولة الحوار الوطني ووجوب انعقادها بأقرب وقت ممكن، معلنا عن الانفتاح على مناقشة علمية وهادئة وهادفة للاستراتيجية الدفاعية، بما يحقق الاهداف الوطنية المنشودة منها. ودعا الى ان تناقش طاولة الحوار أيضا أمرين لا يقلان أهمية وهما: إستراتيجية وطنية لاعادة بناء الدولة العادلة القوية والمطمئنة للجميع تحت سقف اتفاق الطائف، وإستراتيجية وطنية لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي لتجنيب لبنان الانهيار الشامل.
واذ اعلن عن التعاطي بإيجابية مع نتائج قمـة دمشــق مـؤكـدا وجـوب التأسـيس عليها، توقـف عند الحملات التي استهدفت المقاومة في جلسات الثقة، فشـدد على ان هـذه الحملات لن تجدي نفعا، ولا جدوى من كل هذا الضجيج. وأكد تعاون حزب الله مع الحكومة الجديدة مجتمعة ومع الوزارات بما يحقق المصالح الحقيقية لشعبنا.
في هذه الاثناء، قال النائب وليد جنبلاط تعليقا على نتائج القمة اللبنانية ـ السورية: وأخيرا، تمت ترجمة البند الثاني الذي جرت الموافقة عليه بالاجماع في مؤتمر الحوار الوطني والمتعلق بالتبادل الدبلوماسي، وهذا أمر مفيد ويشكل بداية جيدة.
وأضاف: أما في موضوع ترسيم الحدود وترك مزارع شبعا خارجه الى حين تحريرها، فيوجد خلل هنا، وأذكّر بانه خلال مؤتمر الحوار وبناء على نصيحة السيد حسن نصر الله، استخدمت كلمة »تحديد« بدل »ترسيم« الحدود، لان الترسيم يثير الجانب السوري، وقد وافقنا على ذلك بالاجماع. لكن وقبل تحرير مزارع شبعا لا بد من تثبيت لبنانيتها من خلال إقرار الحكومة السورية بذلك عبر وثيقة مشتركة مع الحكومة اللبنانية، ثم ترسل هذه الوثيقة الى الامم المتحدة ولاحقا يتم الترسيم إذا تعذر إجراؤه من خلال الاقمار الصناعية او من خلال القوات الدولية »اوندوف« الموجودة في تلك المنطقة، ويبدو ان إعلان دمشق قد تغاضى عن هذا الموضوع.
وعن كلمته لمناسبة ذكرى الانتصار على إسرائيل في ١٤ آب، قال: فوق الجراح التي لحقت ببيروت والجبل في ٧ أيار، كنت أتمنى لو ان أحد أبطال معركة بنت جبيل في تلك المواجهة البطولية لم يستشهد في منطقة الجبل، وإذا كانت تُقبل تعزيتي فانني أعزي أهله كما أهالي كل شهداء بيروت والجبل.
واعتبر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في أعقاب وقوفه في باحة السراي الحكومي خمس دقائق صمت حدادا على شهداء انفجار طرابلس، ان مسألة تبادل السفارات أمر جيد جدا، يجب أن نكون سعداء بتحقيقه. وأكد انه عندما يأتي الرئيس الأسد إلى لبنان فهو مرحب به دائما وسنكون في استقباله وهذا أمر طبيعي.
ونوه رئيس كتلة »المستقبل« النائب سعد الحريري بالإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا، واعتبر ان الإنجاز المتمثل في إقامة العلاقات الدبلوماسية هو ثمرة عظيمة من ثمار الحركة الاستقلالية، وتحقيق لمطلب اساسي من مطالب ١٤ آذار. وأكد ان تمنيات البعض بان مجيء سفير سوري الى بيروت سيرتب قيام مندوب سامي سوري دائم في لبنان، او تكريس »عنجر« قاعدة متقدمة في الحياة السياسية اللبنانية هي تمنيات ساقطة سلفا.
ولكن مصدرا بارزا في مجموعة مسيحيي ١٤آذار ، قال ان ما تحقق في القمة اللبنانية السورية هو أقل مما كان منتظرا إلا في ما يتعلق بالتبادل الدبلوماسي الذي يشكل خطوة إيجابية تفسح المجال امام علاقات من نوع آخر.
ولفت المصدر الانتباه الى انه كان من المتوقع تحقيق خطوات أكثر عملية وتقدما في ما خص توضيح مصير المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، وتحديد شروط وحدود عمل المجلس الاعلى، ومسألة ترسيم الحدود، معتبرا ان ربط ترسيم مزارع شبعا بتحريرها من شأنه ان يعقد السعي الى استعادتها بالوسائل الدبلوماسية ووضعها في عهدة الامم المتحدة، بما يجعلنا في حالة انتظار لحل المشكلة بين سوريا وإسرائيل.
مجلس الدفاع
على صعيد آخر، ترأس رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مساء امس في القصر الجمهوري في بعبدا، جلسة للمجلس الأعلى للدفاع خصص للبحث في الوضع الامني في طرابلس، بحضور رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة الذي عقد اجتماعا ثنائيا مع سليمان، قبيل التئام المجلس.
وأعطى المجلس التوجيهات اللازمة لاتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط الامن والحفاظ على السلم الاهلي، مع ما يتطلبه ذلك من جهوزية في العتاد والعديد، وقرر المجلس إبقاء قراراته سرية التزاما بقانونه.
ويعقد مجلس الوزراء جلسة له اليوم في قصر بعبدا، لمتابعة الوضع الامني وتثبيت قرارات مجلس الدفاع، ويتوقع ان يتخذ قرارا باحالة جريمة طرابلس الى المجلس العدلي ، فيما أصدر رئيس الجمهورية أمس مرسوما يقضي بدعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي من ١٩ آب الى ٢٠ تشرين الاول.
وقال الرئيس نبيه بري لـ»السفير« انه مستاء كثيرا مما حصل في طرابلس مشيرا الى ان الاستنكار لم يعد يكفي، والحكومة مطالبة بمعالجة أمنية واقتصادية ومعيشية للوضع في الشمال، من طرابلس الى عكار، ومن الملح في هذا المجال القيام بهجوم إنمائي. وشدد على أهمية وضرورة الالتفاف حول الجيش وصيانة وحدته، باعتبار انه الملاذ الوحيد لكل اللبنانيين.
وفي حين عادت الحياة الطبيعية الى طرابلس بعدما لملمت المدينة آثار انفجار أمس الاول، شيع الجيش اللبناني شهداءه العشرة في الملعب الأولمبي في طرابلس بحضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش بالإنابة اللواء شوقي المصري ومسؤولي الاجهزة الامنية وعائلات الشهداء.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد