سامحونا: هلوسات مواطن سوري بعد منتصف الليل
الجمل ـ مصطفى علوش :لست عاقلاً ولست مجنوناً.. وحين فتحت الباب متجهاً نحو دمشق تأكدت من أن الـ200 ليرة المخصصة من قبل الحكومة لابنتي، كنت قبل دقائق قد اشتريت علبة حليب بالـ200ل.س.. ودفعت قبل ساعات ثمن علبة (حفاضات) بـ200ل.س، وقدرت أن تكلفة مصروف هذه الطفلة هو 500ل.س شهرياً على أقل تقدير، بعد عشرين سنة من المطالبات في الصحافة ومجلس الشعب رفعت الحكومة قيمة التعويض العائلي من 25ل.س إلى 200ل.س.
قلت سأنسى ذلك، فالبلد يمر بلحظات عصيبة، والزمن ليس مناسباً لهذه الطروحات (الوقت ليس مناسباً) (عبارة مقيتة).. مشيت على الرصيف فلم أجد رصيفاً، كانت الأرض قد تحولت إلى أشياء تشبه الأرض، والشارع قد سُرق أيضاً فهو ليس شارعاً، ومستعد للاعتراف بذلك أمام مجلس الشعب القادم في دورته التاسعة.
حين دخلت العصفورية شاهدته يقول: (سندخل الحضارة حين يتم التنسيق بين الكهرباء والهاتف والمياه والبلديات). هذا كلام مجانين، عندما يتم التنسيق بين هذه الجهات.
ولكن على عدم التنسيق، الجنون وحده ضرورة نفسيه هنا لنقتنع بهذا العبث (التاريخي) منذ ألف عام وهم يسرقون المليارات عبر حفريات الهاتف والكهرباء والماء، وعبر تعبير الطرقات وتكسير الأرصفة، ونحن مثل المعوقين نبتسم ونصدّق وننتخب أعضاء الإدارات المحلية بكل (ديمقراطية).
أمضي وأحسب أن بقايا عقلي معي، أترك الجاذبية الأرضية وأجلس في السرفيس المخصص للبشر، (هنا أضع عقلي في مكان آخر) لأكتشف أن السرفيس مخصص لكائنات أخرى غيرنا..
السائق.. امبراطور زمانه، ينتقد شرطة المرور والبلدية والركاب، وهو (خلاصة الأخلاق).
اللافتات تملأ الشوارع التي كانت تشبه الشوارع، (محمد... كذا) (فلان... كذا) (رجل الأفعال لا الأقوال).. الله.. ما أجمل هذا الكلام.. هذا المرشح إذا نجح.. (سيقلب عاليها واطيها)، هكذا يقول.. وعلينا انتخابه وانتظار نجاحه.. (في تلك الدول الغربية المتآمرة علينا أبداً يحاسب الناس المرشحين الناجحين، وإذا لم ينفذ المرشح برنامجه الانتخابي يسقط في الانتخابات القادمة).
يأتيني صوت من الأعمال (يا ابن... وهل لدينا انتخابات وقانون الطوارئ فوق رؤوسنا).
الحمد لله.. لم استمع لبقية الكلمة حتى لا أُتهم بزعزعة الوحدة الوطنية الراسخة مثل الغلاء، مثل الفساد، آه على الفساد.. يمكننا افتتاح جامعة خاصة لبحث الملفات والمجلدات التي كتبت في إعلامنا عن الفساد، لاسيما تحليلات د.سمير صارم والسيد عبد القادر قدورة وهو يصرّح (بأن أكبر مكان للفساد هو مجلس الوزراء والوزراء والوزارات) يا للهول، وماذا فعلت يا سيد قدورة حين كنت طيلة 14 عاماً رئيساً لمجلس الشعب بهذا الفساد).
نكتشف بعد كل هذه المجلدات أن لدينا فساد بلا فاسدين، هكذا يراد لنا، وعلينا الاقتناع (الجدران لها آذان).. الطريق نحو مجلس الشعب، ليس طويلاً، أعضاء يريدون بناء الوطن، هكذا يقولون (وحق الذي رفع السماء، يريدون بناء الوطن) الجنون وحده ليس كافياً لفهم هذه العبارة.. الوطن.. آه.. آه (واعدتيني تحت التينة وما جيتيني..).
العراق حاضر في الذهن السوري، الحمد لله نحن نعيش في أمان واستقرار بالقياس إلى العراق، فلا مفخخات ولا قاعدة ولا قواعد لأحد.. ألف حمد لصاحب الحمد ولوزارة الداخلية، ولكن وسائل الإعلام الرسمية تقول: (سلعة جديدة تدخل عالم التهريب، شبكة لتهريب الخادمات الآسيويات والافريقيات لخارج القطر- تشرين (9837) شكوى من أهالي وسكان برزة مرحلة ثالثة قسم ثاني في ساحة روضة براعم القنيطرة: (تأتي إلى هذه الساحة المذكورة سيارات تحمل لوحات وتقوم بأعمال التشفيط وحركات دورانية وعرضية مرعبة وأصواتها قوية، وبعضهم يقوم بإطلاق النار وهم بحالة سكر وعربدة ويشتمون أهالي الحي- تشرين (9835).
سرقة 15،5 مليون ليرة من رواتب المعلمين في مصياف (البعث 2/4/2007.. و.. و...الخ).
الأكيد أن قوى الأمن لم تسمع بعد بكل هذه الأعمال، وسوف تقضي نهائياً على هذه المخالفات والجرائم.. هكذا قال لي جنوني.
أنسى كل تصريحات رئيس الحكومة وهو يعطي مهلة عشرة أيام لضبط الأسعار والأسواق، الأيام العشرة لم تنته بعد.. والأسعار بيد التجار والحكومة على الفقراء فقط يا أسياد هذا البلد.
وأمضي في طريقي نحو دمشق، فأشاهد الخوف على شكل بشر تمشي نحو أعمالها، أناس تخشى سائق تكسي مخالف، وسائق سرفيس، كيف لهؤلاء أن يصنعوا يوماً ما حضارة لهذا البلد.. الكل يثرثر، ولكن في المنزل، والكل خائف من ظلّه ما عدا بعض الشجعان الذين يعدّون على الأصابع.
قفزت إلى الذاكرة (أكاديميات التأهيل) الوطني الخاصة بإعادة العقل والتوازن للمشاغبين من المعارضين) حسب تعبير المشاغب نبيل صالح.. هناك كتبوا (لا مكان في هذا البلد إلا للتقدم والاشتراكية) (لا رقابة على الكلمة سوى رقابة الضمير).
ويصرخ الضمير (الاشتراكية) ماذا بقي منها.. في هذا البلد؟ أو منذ متى كان هناك اشتراكية في هذا البلد؟..
بالتأكيد ما تبقى من السكر والرز في قسائم التموين هي الاشتراكية المقصودة.
في الطريق، تطل الأنانية وعبادة الذات فأكتشف أيضاً أن الطغاة ليسوا فقط من يحكون، إنما هم أيضاً من يقومون بدور الرعية، طغاة أنانيون، مخصيّون، يخافون من ظلهم، ومؤسسات عملهم تضج باللصوص، ووحده خوفهم يجعل من اللصوص مديرين ووزراء ومفتشين..).
مادام هناك صامت في هذا البلد على أي فساد صغير أو كبير، سنبقى إلى وقت طويل نعيش مثل كائنات أخرى غير البشر.. هكذا كتب القلم، ومستعد وحدي للصراخ في هذا الليل، مادامت أمي تصرخ في وجهي (ما إلنا علاقة، فخّار يكسر بعضو)، وأقول لها (وحدك تعلمين أن الشجاعة تبدأ من جدران البيت نحو جدران البلاد..).
سأكون متفائلاً وأطالب مجلس الشعب القادم والحكومة القادمة، بطلب بسيط جداً نريد أرصفة بلا إشغالات، وشوارع مثل شوارع البشر’ فقط لا غير وإذا تمكّن المجلس القادم والحكومة القادمة من تحقيق هذين المطلبين فقط سيعود لي عقلي.. فانتظروا..
الجمل
إضافة تعليق جديد