ساحل العاج: دولة برأسين وحكومتين وجيشين

20-12-2010

ساحل العاج: دولة برأسين وحكومتين وجيشين

الجمل: تدهورت أزمة ساحل العاج بما أدى إلى وضع الصراع السياسي على حافة الحرب، وبقليل من التصعيد سوف يصبح في حكم المؤكد سقوط ساحل العاج في هاوية الحرب الداخلية المدمرة: فما هي حقيقة الأزمة؟ وما هي أطراف النزاع؟ وما هو دور الأطراف الثالثة في إدارة الصراع؟
* توصيف الأزمة العاجية: ماذا تقول المعلومات؟خارطة ساحل العاج والدول المحيطة
أسفرت جولة الانتخابات العاجية الأخيرة عن وضع مثير للغرابة والاهتمام، فمن جهة أعلنت لجنة الانتخابات رسمياً فوز المرشح الرئاسي المعارض الحسن وتارة، ومن الجهة الأخرى أعلنت المحكمة الدستورية العليا فوز الرئيس الحالي لورانت غباغبو.
الخلاف على النتيجة كان بسبب الآتي:
•    تأكيد لجنة الانتخابات على صحة النتيجة.
•    تأكيد المحكمة الدستورية العليا على إلغاء أصوات بعض المناطق بجحة حدوث التزوير والتلاعب.
تقول التفسيرات والمعلومات، بأن لجنة الانتخابات العاجية كانت مستقلة وكانت تدير العملية الانتخابية بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، إضافةً إلى وجود عدد كبير من المراقبين الدوليين الذين أرسلتهم المنظمات المدنية غير الحكومية الدولية.
على خلفية تمسك كل طرف بموقفه، فقد حدثت عملية استقطاب سياسي واسع، وذلك على أساس عمليات التعبئة السلبية الفاعلة المصحوبة بالرغبة في استهداف الآخر.
-    سكان شمال ساحل العاج ذوي الخلفيات المرتبطة بالثقافة العربية الإسلامية وقفوا بالإجماع إلى جانب فوز المرشح الحسن وتارة.
-    سكان جنوب ساحل العاج ذوي الخلفيات المرتبطة بالثقافة المسيحية الكاثوليكية والمرتبطين أيضاً بفرنسا والفرانكفونية وقفوا إلى جانب فوز المرشح لورانت غباغبو.
جاءت عمليات الاصطفاف السياسي هذه المرة بشكل يتطابق تماماً مع عمليات الاصطفاف السياسي الذي أدى إلى تعبئة الاحتقانات وتوليد العنف السياسي-العرقي-الطائفي خلال فترة ما قبل عام 2000، وتجدر الإشارة إلى أن الحرب لم تتوقف بعد إن تم الآتي:الرئيس لورانت غباغبو
-    توقيع اتفاقية سلام بين المعارضة المسلحة الشمالية والسلطة الحاكمة الجنوبية.
-    نشر قوات الاتحاد الأفريقي والقوات الفرنسية إضافة إلى عناصر بقية الأمم المتحدة على طول الخط الفاصل بين سكان الشمال والجنوب العاجيين.
هذا، وقد نصت اتفاقية السلام العاجية إلى عقد جولة انتخابات رئاسية منذ عام 2000، وبرغم ذلك ظل الرئيس لورانت غباغبو –الذي تم تعيينه كرئيس جمهورية مؤقت- يقوم بعمليات تأجيل مستمرة، وفي هذا الخصوص فقد تم تأجيل هذه الانتخابات لحوالي ست مرات بما أدى إلى تأخير عقدها لفترة عشرة سنوات كاملة، ولم يتم عقدها الآن إلا بعد ضغوط شديدة بواسطة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
* لعبة ساحل العاج: دور الأطراف الثالثة
تتميز لعبة ساحل العاج الحالية بالازدواجية الخطرة، وذلك بسبب التضارب الشديد بين السيناريو المعلن والسيناريو غير المعلن:
•    تتحدث فرنسا وبريطانيا وأمريكا والأمم المتحدة عن ضرورة اعتماد فوز المرشح الحسن وتارة وبالتالي قيام الرئيس غباغبو بتسليمه السلطة.
•    تقوم فرنسا وبريطانيا وأمريكا سراً بدعم الرئيس غباغبو بما يدفعه إلى التشبث بالسلطة.
الأمر المريب في الموقف الغربي يمكن تفسيره على أساس اعتبارات الآتي:المرشح الرئاسي الفائز بالانتخابات الأخيرة الحسن وتارة
-    فرنسا ترغب في استمرار غباغبو ولكنها تعلم أن الأغلبية العاجية لا تريده.
-    أمريكا تمسك العصا من المنتصف فهي تريد إخراج فرنسا وفي الوقت نفسه ترغب برئيس ليس له توجهات إسلامية الطابع.
المؤامرة المتقاطعة على خط واشنطن-باريس تكمن في أن واشنطن تسعى لإخراج فرنسا من بلدان غرب أفريقيا بما يتيح لأمريكا تصفية النفوذ الفرانكفوني في المنطقة، وبالتالي فإن تولي الحسن وتارة السلطة سوف يكون بمثابة فرصة للإطاحة بغباغبو ثم لاحقاً يمكن العمل لجهة الإطاحة بالحسن وتارة.
أما بالنسبة لفرنسا، فهي تفهم تماماً أن واشنطن قد سبق وحلت محل لندن في المستعمرات البريطانية الأفريقية السابقة مثل أوغندة وكينيا، وبالتالي، فإن الجهود الأمريكية الحالية تركز على الدفع باتجاه إنهاء النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية، وبالتالي، لا بد لفرنسا من عدم المخاطرة بالتمسك بغباغبو طالما أن هناك فرصة لفرنسا في استمالة الأغلبية العاجية عن طريق دعم الحسن وتارة وكسبه كورقة رابحة تمهد لاستخدامه لاحقاً في مواجهة النفوذ الأمريكي.
أما بالنسبة لإسرائيل، فهي تميل إلى دفع واشنطن وباريس معاً باتجاه اعتماد السيناريو المعلق، الذي لا يؤدي إلى الحل، وإنما إلى الحرب، و"الفوضى الخلاقة" التي تتيح للإسرائيليين بيع الأسلحة للطرفين مقابل الذهب والألماس، ويرى الخبراء الإسرائيليون حالياً بأنه من الأفضل أن تظل ساحل العاج دولة في شكل التوأم السيامي: دولة برأسين وحكومتين وجيشين، وبذل أكبر جهد ممكن لإبقاء التوأم السيامي العاجي على قيد الحياة عن طريق الدعم الفرنسي والأمريكي للطرفين.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...