زيادة سخية على الأجور، لكن!
الجمل - إسماعيل حجو:
لاشك أن الزيادة الأخيرة على أجور العاملين، تُعد سخيّة بجميع المقاييس، خاصةً في الظرف الذي تمرُّ به البلاد، إذ تعاني من تراجع الإيرادات العامة، وركود الوضع الاقتصادي نتيجة للحصار الجائر، وتباطؤ إقلاع القطاعات الرئيسية المنتجة، وتراجع التصدير، واستمرار ارتفاع أسعار القطع الأجنبي، وانعكاسات كل ذلك على الوضع الاجتماعي والمعيشي لملايين السوريين، وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، ومن ضمنهم العاملين في الدولة والمتقاعدين.
وإذا كانت تكلفة هذه الزيادة تساوي نحو 500 مليار ليرة، كما ذكرت وزارة المالية، فإننا نهيب بالحكومة وأدواتها الاقتصادية والمالية والرقابية والرادعة ألا تدع هذه المليارات تتسرب من أيدي العاملين قبل أن تصل إلى جيوبهم.
مشكلتنا نحن أننا لانفصل بين زيادة الأجور وعجز الحكومات عن تحقيق الحكمة من منحها للعاملين، هكذا علمتنا تجارب الماضي.
إن الأيادي الخفية للحيتان والمضاربين وكبار المحتكرين وشركائهم في الإدارة الحكومية،والمضاربين في أسواق القطع الأجنبي، ستسرق هذه الزيادة إذا ما تقاعست الحكومة عن التدخل،لاعن طريق الردع والتهديد والوعيد – الذي بدأ يعلو- بل بالتدخل الإيجابي في مساعدة القطاعات المنتجة على النهوض، وتسهيل تأمين مستلزمات الإنتاج، ومساعدة المزارعين في تأمين المازوت والسماد، وفتح أسواق جديدة مع الدول الصديقة وباستخدام الليرة السورية بدلاً من الدولار في التعامل معها، والتدخل الإيجابي في الأسواق من خلال المجمعات الاستهلاكية الحكومية، وبأسعار مدروسة، والرقابة على الأسواق بدءاً من المستوردين وتجار الجملة وتجار المفرق. ونسأل هنا: (ماذا عن عمال القطاع الخاص؟ صحيح أن الحد الأدنى للأجور أصبح بحدود 47 ألف ليرة، ولكن من يراقب ومن يحاسب؟ وماذا عن تشميلهم بهذه الزيادة؟)
الكتلة النقدية بحدود 500 مليار ليرة، وهذه الكتلة في الأحوال العادية تخلق زيادة في الاستهلاك والادخار، وينعكس ذلك على تحفيز الطلب، وزيادة الإنتاج. أما في حالتنا الراهنة فأكثر ما نخشاه أن تستقر في خزائن مقتنصي الفرص، ويعود العامل بعد ذلك إلى المربع الأول (الفاقة والعوز).
الموازنة العاشرة
إنها الموازنة العاشرة في ظل محاولة الغزو الإرهابي والعدوان المباشر والحصار الجائر التي ما تزال تداعياتها تمارس تأثرها السلبي على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في بلادنا، رغم اقتراب النصر النهائي على الإرهابيين وداعميهم. إنها ظروف استثنائية بجميع المقاييس، فمفاعيل هذه الأزمة وبخاصة الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضه التحالف الدولي المعادي لسورية بقيادة الإمبريالية الأمريكية وغزو الإرهابيين الذي دمر البشر والحجر والشجر، تركت تأثيرها السلبي على مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد وتأثرت به القطاعات الإنتاجية العامة والخاصة.
جاء في بيان الحكومة المالي حول مشروع موازنة 2020حزمة من الأوليات التي ستتركز عليها جهود الحكومة في العام القادم، ولعل أبرز الهموم الغائبة عن هذه الأوليات هو الهم المعيشي الذي بات مصدر القلق الرئيسي للفئات الفقيرة والمتوسطة. إذ سكتت الحكومة في بيانها المالي عن أولوية تحسين القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق رفع الأجور.
بلغت اعتمادات مشروع الموازنة 4000 مليار ليرة سورية، منها 2700 مليار للعمليات الجارية و1300 مليار للعمليات الاستثمارية، أي بزيادة قدرها 3% عن موازنة 2019. السمة البارزة في مشروع الموازنة هي تضخم الاعتمادات الناتج عن تراجع قيمة الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، إذ جرى اعتمادها استناداً إلى سعر صرف يعادل 435 ليرة سورية للدولار الواحد، وهي تعادل نحو9 مليار دولار.
تعد الموازنة العامة للدولة خطة مالية اقتصادية اجتماعية لعام قادم، وبهذا المعنى فهي تعبِّر عن نهج الحكومة للتأثير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلد ما، وهي أداة تستخدمها هذه الحكومة للتأثير في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتنفيذ سياستها الاجتماعية، وتحقيق أكبر قدر من الاستقراً، لكن ما عبرت عنه وزارة المالية حول اعتماد الموازنة على الإيرادات المحلية رغم انخفاض هذه الإيرادات عن موازنة العام الماضي يثير القلق، فمادام الاقتصاد السوري مازال يعاني من الركود، فالبديل هو جيوب المواطنين، وهنا يكمن تخوفنا من رفع معدلات الضرائب المباشرة وغير المباشرة، لتدارك تراجع الإيرادات العامة، وهذا ما أشارت إليه وسائل الإعلام مؤخراً حول ضريبة مبيعات السجائر، وضريبة سنوية على ترسيم السيارات، وضرائب غير مباشرة أخرى تفرض دون الرجوع إلى الهيئة التشريعية.
ملاحظات حول(النفقات)
1-بلغ إجمالي الدعم الاجتماعي حسب ما جاء في بيان الحكومة المالي نحو 1084 مليار ليرة سورية، وتم إظهار 373 مليار ليرة منها في مشروع الموازنة، وظهر هذا المبلغ رغم زيادة أسعار المشتقات النفطية التي ألهبت الأسعار، وتأثرت بها جميع القطاعات المنتجة لقد أعلنا سابقاً ونعلن اليوم أننا لا نؤيد رفع أسعار المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية، إذ تتحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة وقطاعات الإنتاج انعكاساتها على جميع السلع والخدمات .
2-خصص نحو 502 مليار ليرة كاعتماد مخصص للرواتب والأجور، بزيادة بلغت نحو 19 مليار ليرة عن موازنة العام الماضي، وبلغت فرص العمل التي ستوفرها الموازنة65474 فرصة في القطاع الإداري،وهي لا تتناسب مطلقاً مع عدد طالبي فرص العمل الذي يقدر بنحو 230 ألف فرصة عمل سنوياً، وهذا ما يتطلب زيادة استثمارات الحكومة في قطاعها الصناعي والإنشائي لخلق فرص عمل جديدة، فالقطاع الخاص لا يمكنه توفير هذه الفرص، كما أنها ليست من صلب مهامه بالأصل
3-لم يكشف مشروع الموازنة الطريقة التي يعتمد عليها في حساب مبالغ الدعم المختلفة،ففي كل موازنة يتم حساب هذه المبالغ بطريقة مختلفة،ونسأل هنا : بعد زيادة أسعار البنزين والمازوت والغاز، هل ما زالت الحكومة تدعم أسعار المشتقات النفطية؟
4-بلغت اعتمادات الإنفاق الاستثماري 1300 مليار ليرة، أعطيت الأوّلية لمشاريع الكهرباء والمياه ومشاريع الإدارة المحلية وانخفضت اعتمادات الزراعة والنقل والصناعة التحويلية، وهو توجه لا ينسجم مع احتياجات المرحلة، كنا وما زلنا نطالب بدعم الصناعة التحويلية في القطاع العام الصناعي، بعد أن همشت مشاكل هذا القطاع في العقد الماضي، وهذا لا يتم دون زيادة الاستثمارات الحكومية في معامله ومصانعه، وتطويرها، وإنشاء صناعات جديدة .
5-انخفضت اعتمادات النقل بنحو 2 مليار ليرة سورية عن موازنة العام الماضي، وهذا لا يساعد في معالجة معاناة المواطينن السوريين في جميع المدن من أزمة التنقل والانتقال بسبب غياب قطاع النقل الحكومي، ونتمنى أن تحول هذه الاعتمادات المخفضة إلى شراء وسائل نقل جماعية، وأن لا يخصص منها لشراء السيارات السياحية للمسؤولين والمحظوظين.
6-خصص ضمن الاعتمادات الاستثمارية مبلغ 433مليار ليرة كاعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية، ونأمل أن تصرف هذه الاعتمادات، على تكملة المشاريع الاستثمارية، وإقامة مشاريع جديدة .
نحن مع تنفيذ المشاريع المحددة في الموازنة بتكلفتها الواردة فيها،والتدقيق في كل كلفة إضافية،ومتابعة مراقبة تنفيذ هذه المشاريع عن طريق تقارير التتبع الربعية، واستخدام هذا الاحتياطي لإصلاح القطاع العام الصناعي، وإنشاء مشاريع صناعية جديدة. ملاحظات حول الإيرادات
بلغت في المشروع نحو2546 مليار ليرة سورية،بانخفاض قدره 397 مليار ليرة عن موازنة 2019، منها 1431 ملياراً إيرادات جارية،ونحو 872 ملياراً إيرادات استثمارية.
1- صحيح أن تراجع الإيرادات العامة الناتج عن مرحلة الركود التي يمر بها اقتصادنا الوطني يمارس تأثيره على الإنفاق الجاري والاستثماري للحكومة، ويحجم دورها في خلق فرص العمل، وزيادة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية العامة، لكن هذا التراجع يمكن التخفيف من آثاره عن طريق تحفيز المشاريع الصغيرة، وتعديل التشريعات الضريبية وملاحقة المتهربين ضريبياً. ونسأل الحكومة هنا عن أسباب توقعاتها بتراجع الإيرادات رغم التحسن النسبي في بنية الاقتصاد السوري بعد استعادة معظم الأرض السورية من الإرهابيين، وارتفاع حجم التبادل التجاري الداخلي، وتحسن النشاط الصناعي والحرفي، وظهور أغنياء جدد؟
2-بلغت الضرائب والرسوم المباشرة 225 ملياراً، مرتفعة من نحو 158 ملياراً في موازنة العام الماضي، وهو أمر إيجابي، ولم يظهر في المشروع قيمة الضريبة على الأرباح والريوع، ومن الطبيعي انخفاض الحصيلة الضريبية في حالة ركود الاقتصاد، لكن هناك من استغل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، وراكم أرباحاً فلكية بواسطة رفع أسعار المواد والسلع الأساسية، مما يستوجب ملاحقته ضريبياً، كذلك نرى أهمية ملاحقة المتهربين المزمنين من دفع ضرائب الأرباح والريوع والدخل المقطوع بهدف زيادة حصيلة الضرائب المباشرة التي تعد الضريبة الأكثر عدلاً،وتخفيض الضرائب والرسوم غير المباشرة التي تفرض على الجميع دون الأخذ بالحسبان الفوارق بين الأغنياء والفقراء، ونرى أهمية تعديل التشريعات الضريبية باتجاه زيادة معدل الضريبة المباشرة على الأرباح الحقيقة.
3-بلغت الضرائب والرسوم غير المباشرة 467 مليار ليرة سورية، بزيادة قدرها 148 مليار ليرة وهنا نكرر ما سبق أن ذكرناه مراراً بأننا مع زيادة الضرائب المباشرة على الأرباح والريوع، وتخفيض الضرائب غير المباشرة التي يتساوى في دفعها الفقير والغني.
عجز الموازنة
كيف السبيل إلى خفض العجز في مشروع الموازنة البالغ نحو 1454 مليارات ليرة سورية؟ هل عن طريق سندات الخزينة، أم اللجوء إلى القروض، أم فرض ضرائب ورسوم جديدة تزيد من أعباء المواطنين؟
مشروع الموازنة وضع بعض الخطوات: كزيادة الفوائض الاقتصادية، وترشيد الإنفاق العام، ووقف الهدر، وتوجيه الدعم الحكومي لمستحقيه، وإجراءات أخرى، لكن هذه الخطوات غير كافية حسب اعتقادنا، لذلك نرى ضرورة وقف التكسب من الأموال العامة، ومكافحة الفساد الذي يفوِّت على خزينة الدولة المليارات، وترشيد استيراد المواد والسلع من الخارج، وعودة الدولة بقوة إلى ممارسة دورها في العملية الاقتصادية إنتاجاً وتسويقاً داخلياً وخارجياً عن طريق مؤسساتها المتخصصة التي همشت في العقد الماضي، وحل مشكلات القطاع العام الصناعي، وتسهيل إقراض الصناعيين الصغار والحرفيين وأصحاب المعامل والورش الصناعية الصغيرة في المناطق الآمنة.
المشاريع الواردة في مشروع الموازنة
كما جرت العادة في كل مشروع للموازنة،تدرج الوزارات مشاريعها، لكن من يراقب، من يتابع تنفيذ هذه المشاريع؟ من يحاسب ؟ وهل توجد لدى الحكومة آلية لمتابعة تنفيذ هذه المشاريع وتحديد المسؤوليات؟
نقترح إنشاء مصانع للعلف والسماد في أكثر من محافظة، بعد أن خضع المزارعون والمربون لتحكم التجار بأسعار السماد والعلف المستورد.
إنها ملاحظات سريعة على مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2020، التي وضعت متأثرة بالظروف الناشئة في البلاد بعد أزمة عاصفة، وحصار ظالم، وتدخل مباشر من الحلف المعادي لسورية، وغزو إرهابي سعى إلى تهديم كل ما بنته الأيدي السورية الخيرة عبر عقود.
ونحن على يقين بأن إنهاض اقتصادنا الوطني مرتبط أولاً بنجاح المساعي الدولية لحل الأزمة السورية سلمياً، وثانياً بالعمل على إعادة الإعمار بعد نجاح المساعي السلمية وفق خطة حكومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة بالمشاركة مع الرساميل الوطنية المنتجة، والاعتماد على الإمكانات الذاتية الكامنة في قوة وصلابة شعبنا،ومواردنا الغنية، وأيضاً على مساعدة الدول الصديقة .
*نائب في مجلس الشعب السوري
إضافة تعليق جديد