زياد الرحباني: ...واتبعني
عيسى: يا أخي ما القصة؟ أوليس لديكم شيء آخر، أنتم الروم الأرثوذكس، سوى معاكسة الموارنة؟
مخايل: أعوذ بالله مَن قال ذلك؟
عيسى: هذا أمر واقعي يا مخايل، راجع التاريخ في العهود والمراحل المفصليّة، سترى، بل يُخيَّل إليَّ أنكم تنتظرون الموقف الماروني حتى يصدر لتعاكسوه.
مخايل: وحّد الله يا عيسى، ها هو عيد الفصح جاء مشتركاً هذا العام وقد عيّدناه معاً، روم وموارنة، ولم يسجّل أيّ حادث يذكر، حتى مصادر قوى الأمن والجيش أقرّت بأنها لم تسجّل ضربة كفّ واحدة، تصوَّر!
عيسى: ربّما، لكن كل ذلك في المظهر، أما الباطن فغيره تماماً. الروم باطنيون ولا يظهرون ما يضمرون إلاّ بعد أن يعلن الموارنة موقفاً واضحاً، وقتها فقط تسمع بالروم ويكونون عادة على عكس الموارنة تماماً.
مخايل: عيسى، أرجوك افهمني، نحن عادة نحبّ الصواب، لاحظ كيف أن الروم الأرثوذكس نادراً ما يفقدون صوابهم (إشارة من عيسى) لا تقاطعني أرجوك، وبما أن تاريخ «المارونية» في السياسة حافل وهم، بحسب الميثاق، الكلّ بالكلّ.
عيسى: أنت تهزأ.
مخايل: أبداً، إن الموارنة هم مَن يميّز لبنان، لكن الحاصل يا أخي، أنهم يمضون الوقت، وفي رأيي يضيّعون الفرص لإيجاد الصواب، وبدلاً من أن يجدوه، يجدون عوضاً عنه طرقاً لإضاعته.
عيسى: غير صحيح، هذه نظريات أرثوذكسية (قاطعه مخايل):
مخايل: دعني أُكمل، وبما أن الأرثوذكس يفضّلون أن يكونوا على صواب، كحال البشر عموماً، فقد تعلّموا مع مرور الزمن الماروني، أن ينتظروا حتى يأخذ الموارنة موقفاً ليأخذوا فوراً، دون جهد أو تفكير، الموقف المعاكس، فيجدوا أنفسهم على صواب. وبما أن «المارونية» مخطئة عموماً، عفواً، تجد الأرثوذكس دائماً على حق.
عيسى: ما هذا الكلام؟
مخايل: صدّقني، ليست مسألة تفوّق أو عبقرية، إنها مجرد خبرة اكتسبوها بعد أسابيع على الاستقلال.
***
الفرق بيننا وبين «محبّي الحياة ومريديها» الذين يتّهموننا بثقافة الموت وبخشب اللغة والتوابيت المرافقة، وبالاستشهاد والانتحارية، هو أننا اضطررنا لأن نكون انتحاريين وذلك لكسر الميزان المكسور تاريخياً بيننا وبين إسرائيل لمصلحتها. وقد نجحنا، لسوء حظ محبّي الحياة والربيع والربو والثورة البرتقالية التي انتهت البارحة بالضبط في أوكرانيا المُلْهِمَة، بالرغّم من أنها كانت، رحمها الله، أحقّ وأصدق نسبياً من «ثورة الأرز». فلا الأرز برتقالي ولا صحيفة «النهار»، فالديك مُزْرَقٌ كالمستقبل «الأسود السماوي» و«الحكيم» أبيض مثل الثلج، أما جنبلاط فـ«فوشيا». وخليط هذه الألوان، كيفما تغيّرت النسب، لا يعطي البرتقالي، إنه على ما بدا حتى الآن، يعطي مشاريع انتحارية لونها غريب ويضيف إلى العجائب السبع، ومنها أخيراً «البند السابع» نفسه، كمثل الحكومة الموعودة اللبنانية المؤلَّفة بموجبه، والأمم المتحدة هناك ونحن هنا! إن إسرائيل نفسها، اسألوا الإسرائيليين، تفضّل، وباستثناء مشروع دولتها، التعامل مع الانتحاريين على المشاريع الانتحارية.
حكمة الأسبوع: إن المشاريع الانتحارية تنتج، سبحان الله، مزيداً من الانتحاريين لصدّها.
***
... بعدها، وقف «سيّدنا» بهدوء، واتّجه صوب صخرةٍ ناتئةٍ مجاورة، واستدار موجّهاً حديثه إلى تلاميذه وبعض الرهبان (لم تذكرهم الأناجيل).
سيّدنا: أنتم مِلْحُ الأرض، هل فهمتم؟
الكل: (يهزّون الرؤوس موافقين).
سيّدنا: وإن فَسَدَ الملح، فبماذا يُمَلّح؟
راهب: بالثوم يا معلّم!
سيّدنا: «سدّ بوزك» واتبعني يا محترم (مشى ثم التفت) وأنتم أيضاً اتبعوني!
وعاد سيدنا ودخل الهيكل متشنّجاً واتّجه إلى زاويةٍ حيث التجار اليهود يعيثون فساداً.
زياد الرحباني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد