زكريا تامر يكتب عن حكومة جديدة ووطن متثائب
أميركا أميركا
تشاجرت الجارتان أم أحمد وأم مسعود, فهل ستتدخل أميركا لتمنع الشجار من أن يمتد إلى مناطق أخرى من العالم?
تخاصم زوج وزوجة خصاماً أدى إلى أن تهجر الزوجة سرير الزوجية العريض وتنام وحدها في غرفة مقفلة الباب والنوافذ, فهل ستتدخل أميركا لتعيد الزوجة إلى الوطن الذي هربت منه?
ضرب زيد عمراً, فهل ستتدخل أميركا وتضرب زيداً وعمراً ضرباً لا غاية له سوى تأديب المعتدي والمعتدى عليه وإرغامهما على دفع الأجور للمؤدبين?
نشب نزاع مسلح بين أهل جولييت وأهل روميو, فهل ستتدخل أميركا لإقناع المتنازعين بالحسنى بفوائد التفاوض السلمي تحت إشرافها وتوجيهها?
اختلف الشاعر الكبير مع الشاعر الصغير خلافاً يهدد سلامة البيئة بعظائم الأمور, فهل ستتدخل أميركا لتنبيههما إلى الجهة الوحيدة التي تحدد من هو كبير ومن هو صغير?
اختلفت القطط والفئران خلافاً دامياً يعرض الكرة الأرضية للفناء, فهل ستتدخل أميركا لصنع النهاية السعيدة للمجازر الوحشية وإعادة بسمة الطمأنينة إلى وجوه البشر?
اختلف المتنبي مع سيف الدولة, فهل ستتدخل أميركا للتذكير بحقيقة منسية, وهي أن الكلمة تهزم وتقهر وتذل إذا ما حاولت تحدي السيف والهزء به وعصيان ما يأمر به?
اختلفت اليد اليمنى مع اليد اليسرى, فهل ستتدخل أميركا لنشر الوئام وبتر اليدين من دون أن تطلخ الأرض بقطرة دم واحدة?
اختلف آدم مع حواء حول من سيأكل تفاحة واحدة, فهل ستتدخل أميركا لإنهاء الخلاف وتأكل التفاحة وشجرة التفاح?
الوطن المتثائب
يتثاءب الناس كلما سمعوا أقوالاً عن عدل سيعم وحرية ستسود وقانون لا يفرق بين كبير وصغير, وهم العالمون أن تجميل القبور ببعض الورد لا يعيد موتاها إلى الحياة.
يتثاءب المتعلمون, ويوبخون القائلين إن العلم خير من الجهل, فالجهل إذا كان مجبولاً ببعض الرياء والغباوة هو أقصر الطرق إلى القمم.
يتثاءب الورق الأبيض طالباً من الكلمات أن تتواضع وتتخلى عن غرورها, فهي ليست سوى مجموعة من الحروف غير القادرة على قهر ذبابة.
يتثاءب الأدباء رداً مهذباً على القائلين إن النقد أب يرعى كل أبنائه, ولكنه أب غريب الطباع, يهوى تضخيم الطالحين وتصغير الصالحين.
تتثاءب البرامج التلفزيونية السمجة, فالمحملقون إليها هم أشبه بأناس يذهبون إلى المآتم طالبين منها أن تمنحهم الفرح.
تتثاءب القطط راغبة في النوم, ولكن الفئران تكذب ما تراه, وتفسر التثاؤب بأنه جزء من خطة أعدها صياد ماكر.
تتثاءب الجدران في المجالس النيابية متضجرة من كلام أجوف ورجال جوف.
تتثاءب الأشجار, فحتى العصافير اختلف غناؤها, وبات مكرساً لمديح الأقفاص ومالكيها.
تتثاءب النساء,فالرجال يحتلون البر والبحر والجو,ويحلمون باحتلال المزيد.
تتثاءب النمور مزدرية سذاجة أبنائها الصغار, وتقول لهم : في الغابة, لا مكان لمحايد أو متردد أو مسالم, فالضعيف يفترس الأضعف منه, والقوي يفترس الضعيف, والقوي نفسه يفترسه من هو أقوى منه.
تتثاءب الغيوم, فما تراه كل يوم في عالم البشر لا يجلب لها إلا التوق إلى النوم الطويل.
يتثاءب الحكام, فقد سئموا شعوبهم المصابة باكتئاب لاعلاج له, ويحق لهم التخلص منها واستيراد شعوب أخرى.
بعض الكتاب
من يرغب في معرفة الأحوال الراهنة في البلاد العربية عن طريق ما يكتب في صحافتها, فسيباغت بالآتي:
كاتب يكتب وهو سعيد شامت بكل مسلم يقتل في العالم, ويعتبر قتله انتصارا على الإرهاب وخدمة للإنسانية.
وكاتب ثان يكتب عما يبدو أنه موضوعه المفضل , وهو أن العرب متخلفون وهذا ليس بالأمر الجديد غير المعروف, فكثيرون من العرب يعترفون بأصوات عالية بأنهم متخلفون, ولكن ذلك الكاتب يكتب عن تخلف العرب بشماتة ونزق ومقت كأنه ليس عربيا, وكأن غولدا مائير هي أمه.. وكاتب ثالث معجب بنصائحه التي لايكف عن توجيهها لكل حاكم في العالم معتقدا أن أزمات العالم ليست باقية إلا لأن نصائحه لايعمل بها وتهمل..
وكاتب رابع يلهث مغتاظا ويوشك أن يختنق بسبب كثرة رسائل المعجبين والمعجبات,و لا يجد وقتا لإلقائها في سلال المهملات..
وكاتب خامس كلما تحدث عن قضية من القضايا, تحايل للتكلم عن شعر رأسه الذي يعبث الهواء بخصلاته, وبلغة توحي بغيرته من النساء, ولو قيض له يوما أن ينضم إلى عباد الله الصلع لاختفى حافزه على الكتابة, وخسرت دنيا الكلمة صوتا يقطر دلالا وأنوثة وإغراء..
وكاتب سادس ناقم حانق على الطب والأطباء والممرضين والممرضات لأنه قصد مستشفى لم ينل فيه الرعاية المتناسبة مع شخصه الثمين, ولم يدهم الإغماء الممرضات عندما أخبرهن باسمه الذائع الصيت..
وكاتب سابع متضايق من أية دعوة إلى الحرية والديمقراطية, ويرى أنها خيانة منكرة لتاريخ البلاد كأن تاريخ البلاد هو تاريخ العبيد.
من يرغب في معرفة الأحوال الراهنة في البلاد العربية عن طريق ما يكتبه بعض كتابها, لا مفر له من الإيمان بأن قهر التخلف ينبغي له أن يبدأ من قهر كتابه المتخلفين.
حكومة جديدة
قررت السلطات المختصة تأليف حكومة جديدة , وقد ضمت كلا من أبي الفرج الأصفهاني وزيرا للإعلام وأبي حيان التوحيدي وزيرا للثقافة وموسى بن نصير وزيرا للحربية وتأبط شرا وزيرا للداخلية وعبد الله بن المقفع وزيرا للخارجية وابن سينا وزيرا للصحة وجعفر البرمكي وزيرا للمالية وابن فضلان وزيرا للسياحة وأبي جعفر الطبري وزيرا للتربية والتعليم وابن خلدون وزيرا للتعليم العالي وشجرة الدر وزيرة للاقتصاد, فكانت بحق وزارة المواهب والكفاءات, آمنت بالعمل اليومي الجاد لا بالكلام الدعائي المنمق, وحققت النجاح تلو النجاح, وأسكتت كل المعارضين, ولم يعد في عالم الموتى لا فقر ولا بطالة ولا ظلم ولا حريات منقوصة, نشطت السياحة من عالم الأحياء إلى عالم الموتى.
زكريا تامر
المصدر : الثورة
إضافة تعليق جديد