بيـان مشــترك لزكريــا تامــر والماغــوط
صدر في العدد 163 من جريدة «تشرين» تاريخ 20 نيسان عام 1976 بيان مشترك من قبل الكاتبين زكريا تامر ومحمد الماغوط جاء فيه:
في هذا اليوم الأغر، نفتتح هذه الزاوية التي سنتعاقب على كتابتها بدءاً من يوم غد، بعزف مزدوج، حرصاً منا على تقديم صورة طازجة للتضامن، تكون قدوة لمن تناسوا محاسن وحدة الصف العربي، ونؤكد من خلالها أيضاً إحساسنا بالمسؤولية تجاه الكلمة والقارئ.
أن أحوال القراء في بلدنا باتت، بفضل بعض الكتاب الأوثان وعابدي الأوثان، لا تختلف كثيراً عن أحوال الهنود الحمر قديماً، إنهم محاصرون كجنود طارق بن زياد، البحر من ورائهم والعدو من أمامهم، ليس لهم إلا الصبر والندم إذا ما قرؤوا أو الإحساس بالذنب والتقصير إذا ما أحجموا، ولذلك فإن مخاطبة القارئ واكتساب وده مهمة شاقة وصعبة كمحاولة اكتساب ود العصافير الدورية، ولكن النزيهة ستنتصر في النهاية، لأن قائليها هم الأغصان التي تحط عليها عصافير الدوري وليسوا الصيادين الذين يغدرون بها.
صحيح أن الكلمة لا تستطيع أن تهزم عدواً أو أن تبني السدود والمعامل والمستشفيات، ولكنها تستطيع ان تنبه الغافل وتوقظ النائم وتحرض المستكين، فمهمتها ان تصرخ ان هناك جوعا وجائعين، ولكنها لا تستطيع ان تبني فرناً أو مطعما، أن تعلن أن هناك مرضى ومشردين ولكنها لا تستطيع أن تبني مستوصفا أو مأوى للعجزة.
تستطيع الكلمة أن تحرض على إشعال النار في البنى المتداعية، ولكنها لا تستطيع أن تكون اليد التي تحمل العاصفة.
وكل من يقول بغير ذلك مزاود من رأسه حتى أخمص قدميه، وهو في النتيجة مضلل للحقيقة، وحفرة أمام الزهور المتجهة إلى أدغال الأميين. الكلمة إذا أريد لها أن تكون مصادفة، وتلعب دورها كاملاً في المجتمع يجب أن تفضح أول ما تفضح أولئك الذين يلعبون على حبالها والسكاكين في أيديهم، وما يطمئن أن قصة القرد الذي نشر الغصن الذي يجلس عليه لا تزال ماثلة في الأذهان.
لن نعد القراء بأكثر مما نستطيع، ولن نغرقهم في مزيد من الآمال والأحلام، فما أنتج حتى اليوم من كلام عربي لم يترك فرصة لمستزيد، ولكننا نؤكد لهم، لجياع الكلمات الحرة الصادقة أننا لن نغشهم، لن نستخدم الحصى في قدورنا المغلقة، وحين نبصر كأساً مليئاً حتى منتصفه بالماء، فسنحاول ان نصفه دونما كذب، ولن نتجاهل الماء، ولكننا في الوقت نفسه لن نتجاهل القسم الفارغ، مؤمنين ان اطلاق النار على كل ما هو سلبي في حياتنا هو وحده واجب الكلمة بعيداً عن الرياء والزلفى.
وبالمقابل لا نريد اعطاء الدروس إلى احد في الحب أو الوفاء أو الصحافة، فلو كنا من هواة الدروس والتدريس لواظبنا على دراستنا منذ الصغر، ولزرنا المركز الثقافي العربي ولو مرة في الشهر. ولكننا نحاول ان نلفت النظر، وإعادة الاعتبار، إلى بعض القيم الأدبية التي كادت تندثر ملامحها كالعملة الورقية من كثرة التداول والاستعمال في بقاليات الأدب والمتأدبين.
والثمن الذي نطلبه لا يوجد في درج المحاسب بل في ابتسامة عامل أو زفرة ارتياح من مواطن لا نعرفه ولا يعرفنا.
محمد الماغوط- زكريا تامر
إضافة تعليق جديد