روسيا تتمسك بموقفها: لا سبب وجيهاً للتخلي عن الأسد
شغل الموقف الروسي من الأزمة السورية مساحة واسعة من تحليلات المتابعين طيلة الأسبوع الماضي. كثيرون جزموا بانحراف موسكو عن مسارها الداعم للنظام السوري، وحجتهم في ذلك: إحراج روسيا بعد مجزرة الحولة، تقاطع المصالح الروسية – الأميركية، والضغوط الدولية... لكن الكرملين قال كلمته أمس، مؤكداً التزامه بـ«الحلّ السياسي»، دون سواه، للخروج من الأزمة.
قد لا يحسم الخطاب الروسي الجدل القائم في الغرب حول ضرورة استمالة الروس بعد أن باتوا «المفتاح الرئيسي» للحلّ، ولا يقلّل من الأهمية التي يكتسبها لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الأميركي باراك أوباما منتصف الشهر المقبل في ظلّ ما يحكى عن صفقات منتظرة. ولكن المؤشرات الحالية تؤكد أن «روسيا ملتزمة بدعمها للأسد، ما لم تحصل على سبب وجيه لتهجره»، بحسب ما قال الكاتب في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» فريد واير.
ويلخص محلل روسي، قريب من دوائر صنع القرار، سبب الموقف الروسي الرسمي بالقول «نحن نعتقد أن الغرب لا يدرك ما يفعله، ولن نصغي إلى تلك الثرثرة البتة».
كثيرة كانت التأويلات التي واكبت تحميل الروس «المسؤولية مزدوجة للنظام والمعارضة» بعد مجزرة الحولة، وأكثر منها كانت الدعوات لهم للانضمام إلى الحل وفق النموذج اليمني الذي يقضي بتغيير الرئيس مع الحفاظ على النظام. ولكن ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، ردّ أمس مؤكداً أن «موقف روسيا لن يتغيّر تحت الضغط»، وقال إن «روسيا بلد له سياسة خارجية ثابتة وأي ضغوط ليست ملائمة».
في الواقع، يشير الخبراء والمسؤولون الروس إلى أن موقف موسكو الرافض لأي تدخل أجنبي في سوريا يستند إلى عوامل عدة أهمها «المصلحة الوطنية». ويرى هؤلاء أن أي تدخل عسكري هو بمثابة انتهاك للسيادة الوطنية من قبل «امبريالية جديدة». هذه الامبريالية، وإن أتت تحت شعار «التدخل الإنساني»، فهي تتعارض مع المصالح الجيوسياسية، كما لا تحقق الكثير على الصعيد الإنساني. ولا ينسى المحللون التذكير بـأن روسيا «خُدعت» في ليبيا، ثم يسألون «لماذا نسمح لهم بخداعنا ثانية؟».
وليس بعيداً عن تلك العوامل كذلك، المصالح السياسية والاقتصادية الهائلة التي تجمع روسيا بالحليف السوري منذ أيام الاتحاد السوفياتي، مع العلم أن المحللين يصرون على أن الأمر لا يتوقف عند المصالح المادية، وإلا كانت صفقات أخرى متاحة، بل إن الغرب عجز عن تقديم سبب مقنع لروسيا كي تترك النظام السوري.
ويؤكد الروس بدورهم «إدراكهم الجيد للآلية التي يعمل وفقها العالم، وتحررهم التام من وهم أن من سيخلف الأسد سيكون أفضل منه.. فالغرب أثبت مراراً أنه بمجرّد سقوط أي نظام، فهو يهمل المشاكل الإنسانية التي تظهر في مرحلة ما بعد السقوط».
ويختم هؤلاء بأن «روسيا تعلمت بأن تضع مصالحها الوطنية أولاً، ولا تتوهم بأي وعد صغير يقدمه الغرب، وعليه سيبقى الموقف الروسي على ما هو عليه، ولا مجال لنقاش الأمر حتى داخل المؤسسة الروسية نفسها».
من جهة ثانية، كان لافتاً موقف الكنيسة الأورثوذكسية الروسية من الأزمة الدائرة في سوريا، حيث عبرت عن مخاوف واضحة من أن «تقضي موجة الإسلام الأصولي إذا سقط الأسد على الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، ومعظمها من الطائفة الأرثوذكسية».
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أنه في الوقت الذي يسعى فيه الغرب للضغط على الكرملين كي يسهم في إسقاط النظام السوري، استُقبل الدبلوماسيون الوافدون من دمشق داخل واحد من أهم المزارات الروسية الأرثوذكسية، بحفاوة بالغة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الديبلوماسيين السوريين ورجال الدين الروس تشاركوا مشاعر الحزن والمخاوف المشتركة إزاء مستقبل سوريا إذا أجبر الاسد على التنحي، وذلك خلال افتتاح أحد العروض المكرسة للمسيحيين السوريين داخل كاتدرائية تقع بالقرب من الكرملين.
وفيما لفتت الصحيفة إلى أن «موقف الكنيسة الأورثوذكسية الروسية من التدخل الأجنبي في سوريا غير مطروح بعد بوضوح»، استبعدت فكرة تدخل الكنيسة في تحديد المعالم الرئيسية للسياسة الروسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن موقف الكنيسة اليوم «يعد واحداً من العوامل التي تجعل من الاتفاق مع الغرب أمرا بعيد المنال»، وذلك على خلفية المقابلات التي تعقدها الكنيسة بانتظام مع وزارة الخارجية الروسية لمناقشة أجندتها خارج الحدود الروسية، وقد لمس لديها بعض الخبراء حماسة لدعم الكرملين في مواقفه.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد