دمشق في انتظار مون

20-04-2007

دمشق في انتظار مون

في ما يشبه تلازم المسارين, يرتبط تصاعد الأزمة في العراق مع تصاعد الأزمة في لبنان وفلسطين, على خلفية إمساك الإدارة الأميركية بدفة السياسة والحرب في المنطقة, فبعدما أنعشت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوزي الى دمشق آمال السلام, وبعدما احتلت الواجهة أخبار الوساطات بين سوريا وإسرائيل من أجل العودة إلى المفاوضات, عادت إدارة بوش المعارضة لزيارة بيلوزي الى التركيز على موضوع إقرار المحكمة الدولية ليتصدر قائمة الأحداث, مدعومة بمساعي الرئيس الفرنسي جاك شيراك, بغية إقرارها قبيل مغادرته رئاسة السياسة الفرنسية. وتبدو الأطراف الدولية المعنية بهذا المشروع في حالة سباق مع الزمن, فبينما تضغط كل من أميركا وفرنسا والحكومة اللبنانية وحلفاؤهم لإقرار المحكمة, تسعى أطراف أخرى كروسيا وبعض الدول الأوروبية وسوريا والمعارضة اللبنانية إلى التريث والافادة من الزمن, حيث ترى هذه الأطراف وفي مقدمتها روسيا خطورة كبيرة في دفع هذا المشروع إلى مجلس الأمن ليُقر وفق البند السابع من دون حصول توافق لبناني, إذ من الممكن أن يشعل فتيل حرب أهلية, من شأنها تفجير الوضع في المنطقة, وهو ما تسعى روسيا إلى تلافيه.
وفي زيارة نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف إلى دمشق سلم الأسد رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, وبحث مع المسؤولين السوريين موضوع المحكمة. وحسب مصادر مطلعة, حاول إقناع سوريا بالعمل على تشجيع الأطراف اللبنانية للتوصل إلى توافق وطني لحل خلافاتها للحيلولة دون إقرار المحكمة في مجلس الأمن تحت البند السابع؛ الأمر الذي تضغط به كل من أميركا وفرنسا على أوروبا ومجلس الأمن, فقد اتهم مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش الرئيس بشار الأسد و«حزب الله» و«عناصر داخل لبنان» بالعمل على «عرقلة» إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمقاضاة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري, ولوح بخيار الفصل السابع في حال عدم التوصل إلى حل توافقي بين اللبنانيين. فيما دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته إزاء المحكمة الدولية التي هي «ضرورة للعدالة ومحاكمة المجرمين كما انها ردع يمنع المزيد من الاغتيالات». جاء ذلك متزامناً مع تفويض مجلس الأمن للامين العام للأمم المتحدة بان كي­ مون إرسال بعثة خاصة لتقويم آليات مراقبة كامل الحدود اللبنانية لمنع تهريب الأسلحة, تضمنه بيان صدر قبيل توجه كي ­ مون إلى أوروبا ومن ثم إلى سوريا, عبر فيه عن «قلقه العميق إزاء تزايد المعلومات» عن تهريب الأسلحة عبر الحدود اللبنانية ­ السورية , وضمنه أيضاً مسألة ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان.
الدفع الأميركي بهذا الاتجاه يثير قلق المجتمع الدولي ويقلل الخيارات الأخرى للخروج من الأزمة, فإما أن تقر المحكمة تحت البند السابع, وهو ما ترغب فيه أميركا كورقة ضغط على سوريا لتقديم تنازلات مجانية في العراق, وإلا فلا خيار سوى تفجير الأزمة في لبنان وتهديد الاستقرار السوري, كمخرج للهروب من الوضع المتأزم في العراق, وزيادة فرص توجيه ضربات موجعة لإيران مع توسيع دائرة الفوضى, وهذا ما تعارضه روسيا والصين ولا ترغب فيه بعض الأطراف الدولية, التي ترى أن المخرج السياسي يكون في نزع فتيل مشروع المحكمة عبر إقناع سوريا والمعارضة اللبنانية بالقبول بها. وقد حاولت موسكو طمأنة السوريين واللبنانيين إلى أنها قد تعترض على أي بند من بنود مشروع المحكمة في مجلس الأمن, إذا رأت فيه محاولة لتسييس هذه المحكمة, أو استخدامها لأهداف غير قانونية وقضائية وجنائية.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك الموقف لن تستخدم حق «الفيتو» في حال اقرها مجلس الأمن لاسيما بعد ضمان تسعة أصوات, وهو ما فهم من سلطانوف خلال زيارته إلى بيروت ودمشق لدى بحثه مسألة الضمانات المفترض أن تعطى للاطمئنان إلى أن المحكمة ستكون جنائية لا سياسية... من خلال طرحه لأسئلة محددة تتعلق بجوانب من الموضوع والعراقيل التي تحول دون إقرار المحكمة عبر المؤسسات الدستورية والهواجس لدى قوى إقليمية ومحلية, واستفساره عن نقاط محددة بعدما أبدى تخوفه من أن يكون لاعتماد الفصل السابع تداعيات محلية تسهم في توسيع الشرخ والانقسام بين اللبنانيين وزيادة التباعد, ومن ثم تأكيده حرص روسيا على إقرار المحكمة عبر المؤسسات الدستورية وتأكيد ذلك وفي حال التعثر إقرارها عبر مجلس الأمن, مشيرا إلى أن الآلية لذلك ستكون طويلة.
وبحسب مراقبين فإن مهمّة سلطانوف في بيروت ودمشق لم تكن موفقة بالكامل, ولا تزال الأزمة تراوح مكانها, إذ لم يسجل أي تقدم في هذا الخصوص على الساحة اللبنانية, فيما لا تزال سوريا مصرة على مقاومة الضغط الأميركي, وقد ردت بشكل غير مباشر على معاودة تصعيد الضغوط الدولية بعد إعلان أولمرت لعدم وجود نية لدى إسرائيل بالعودة الى طاولة التفاوض, بتصعيد خطابها الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق المناهضة للاحتلال بحسب تصريحات وزير الإعلام محسن بلال لدى إعلانه عن عقد مؤتمر دولي في دمشق نهاية الشهر الحالي لدعم المقاومة.
مسألة التهديد بتفجير الأزمة في لبنان وجره إلى حرب أهلية ستكون انعكاساتها كارثية على جميع الأطراف لا على سوريا وحدها, لذا ما زالت دمشق تتمسك بشروط وضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال من العراق, والبحث عن حل سياسي من داخله, وبالنسبة إلى قضايا المنطقة العراق ­ لبنان ­ فلسطين­ مفاوضات السلام فوضعها في سلة واحدة والعمل على حلها معاً, طالما أن أميركا تصر على الضغط على سوريا من خلال لبنان. وقد تساءلت مصادر سورية, كيف تقبل سوريا الدخول في حل مجتزأ للأزمة في العراق, في وقت توضع رقبتها تحت سيف التهديدات الأميركية؟ وهو ما جرى مناقشته مع المبعوث الروسي الذي قال إن محادثاته في دمشق تناولت الأوضاع في لبنان والعراق وعملية السلام في المنطقة والاحتمالات والإمكانات لاستئناف الجهود الرامية إلى تسوية للنزاع العربي ­ الإسرائيلي, لافتاً إلى أن «المواقف ووجهات النظر السورية ­ الروسية كانت قريبة جدا ومتطابقة» بحسب وكالة الأنباء السورية «سانا», وأن الآراء بين الجانبين حول هذه المسائل كانت مهمة ومثمرة وايجابية, كما جرى الاتفاق بينهما على ضرورة تنشيط الجهود التي من شأنها تثبيت الأمن والاستقرار في هذه المنطقة. لكن التوافق الروسي ­ السوري بحسب تصريحات سلطانوف لا يمكن قياس فعاليته على الأرض, قبل ظهور نتائج زيارة بان كي ­ مون إلى دمشق في 24 نيسان /ابريل الحالي.

 

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...