دمشق: بروفة انفتاح إعلامي مبكر
دعت "الجمعية السورية البريطانية" في نشاط غير معهود منذ بدء سنوات الحرب الست، مجموعة كبيرة من الباحثين والاعلاميين الغربيين، وبعض المسؤولين السابقين، إلى مؤتمر استمر يومين بداية الاسبوع المنصرم، بغاية تسليط الضوء على "تشعبات الحرب السورية"، المستمرة منذ 2011، وفقا لما حملت الدعوة من عنوان، وذلك تحت سقف الانضباط المتعلق بقواعد "تشاثام هاوس"، والتي تمنع النقل الحرفي عن المحاضرين أو الاشارة لأقوالهم حرصاً على صراحة النقاش.
وتعرض المؤتمر الذي أُريد له أخذ صيغة ورشة عمل، الى قضايا الصراع المختلفة وما نجم عنه، بما فيها موضوع المصالحات الوطنية، وآثار العقوبات الاقتصادية على المواطنين، ودور المجتمع المدني في فترة الحرب، كما العلاقات الخارجية وتأثيرها على سوريا، و "الحرب الاعلامية" التي ربما كانت السبب الرئيس وراء انعقاده، وأبرز ما تم تداوله بشأنه.
وتصدى لكل محور مسؤول من المسؤولين السوريين، مع فتح باب النقاش للحاضرين. وحضر مسؤولون بارزون كالمستشارة السياسية والاعلامية في القصر الجمهوري بثينة شعبان، ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، ووزراء كوزير المصالحة الوطنية علي حيدر ووزير الادارة المحلية حسين مخلوف، كما قدم المؤتمر أحد ضباط مكتب الامن الوطني للجمهور الذي عرض بدوره نظرة أمنية سياسية لمسار الاحداث في سوريا لا سيما في أشهرها الاولى من العام 2011.
لكن أهمية المؤتمر الذي لم يتحول لورشة عمل فعلية، وظل بشكل محاضرات يليها نقاش عام، انعكست في موضوع رئيسي، مكرر، في زمن الحرب وسابق من زمن ما قبل الحرب، بل وعائد إلى ما قبل القرن الحالي. وهو موضوع السماح للصحافيين الاجانب بالتغطية الحرة في سوريا.
أغلبية الصحافيين الغربيين الذين حضروا، هم ممن يعانون للحصول على "فيزا" (تأشيرة) دخول بغرض العمل إلى سوريا. وهم من مؤسسات كبيرة كـ "نيويورك تايمز" ، و "نيويوركر"، و "صنداي تلغراف"، و "لوس انجلس تايمز"، و "ان بي آر"، و "بي بي سي" وغيرها.
وعادة ما ترتبط عقدة "الفيزا" بالصحافي لا بالمؤسسة، فتُحرم المؤسسة من فرصة المشاركة، والتي يحتج الاعلاميون عموماً أنه لا تسمح لهم بالمتابعة الدقيقة والمباشرة لما يجري على هذا الطرف من الصراع، في مناطق سيطرة الدولة.
لكن المؤتمر الذي انعقد بقوة تأثير "الجمعية السورية البريطانية"، ورئيسها الدكتور فواز الاخرس، منح عدداً كبيراً من الاعلاميين الغربيين نافذة واسعة للتجول في سوريا، بداية بحلب محطة الخبر الساخن حالياً، وصولاً لدرعا والقنيطرة وحمص.
وبرغم أن عادة وزارة الإعلام السورية أن ترسل "مترجما أو مرافقا" مع كل مجموعة اعلامية، إلا أن عدد الاعلاميين الموجودين فاق قدرتها هذه المرة، ما سمح ببعض الحرية الشخصية للصحافيين.
بدوره، تبرع رئيس غرفة صناعة حلب وعضو مجلس الشعب فارس الشهابي، الذي قدم عرضا مؤثراً عن حلب في المؤتمر، بدعوة 30 صحافيا وصحافية لزيارة حلب وتفقدها، خلال هجمة "جيش الفتح" الأخيرة، مروراً بساعات الهدنة العشر يوم أمس أيضاً.
"ايام حرب حقيقية" في حلب وفق تعبير احدهم، بعد "ايام السلم الهانئ نسبيا في دمشق" قبل ذلك، لا سيما أن الكثير من الاعلاميين الغربيين قضى وقته متجولا بين حانات باب توما وباب شرقي، منتصف الاسبوع الماضي.
الازدواجية التي وجد البعض صعوبة في تصديقها، هي من صور الحرب الصادمة، ومن حقائقها، التي تجعل وحدة المصير متشعبة، ومن مستويات تختلف باختلاف الوقت، والموقع الجغرافي لكل فئة.
لكن برغم هذا، قد يكون من المبكر الحديث عن "انفتاح اعلامي" او سياسة جديدة كلياً تقوم بها الحكومة تجاه الإعلام الغربي.
في جلسة خاصة في منزل احد الديبلوماسيين المقيمين في دمشق، وبوجود اعلاميين واعضاء سلك ديبلوماسي، كان النقاش محتدماً حول ما الذي يجب فعله لإصلاح "ذات البين" بين الحكومة السورية والإعلام، وتحديداً الإعلام الغربي.
كثر يعتقدون "أن هنالك ما لا يمكن اصلاحه، فالصحافي الغربي الذي يتذرع برفض فيزا الدخول، يكتب بالسوء ذاته بعد أن يدخل". ثمة من يعتقد ايضا، أن "الزيارات قليلاً ما تغير حقيقة في رؤية الصحافي، الذي ينفذ سياسة مؤسسته، أو يفضل رؤية ما يرغب في رؤيته".
النقاش يحتدم احياناً بين الراغبين بمزيد من الانفتاح على الإعلام الغربي، والراغبين بربط "سمة الدخول" بـ "موضوعية الإعلامي". مسـؤول إعلامي قال إنه "يؤيد السماح للإعلاميين الغربيين بالدخول بغض النظر عن موقفهم من السلطة"، معتبراً أن "جملة موضوعية وايجابية، ربما تشكل مكسباً" وسط مقال من الانتقاد.
ثمة استثناءات برغم هذا يذكرها القائمون على المتابعة الإعلامية، عن إعلاميين، حافظو على "موضوعيتهم في تغطية الشأن السوري" وفقاً للمتحدث. بينهم المُفضَّل سورياً في "الاندبندنت" الكاتب روبرت فيسك، وكل من مقدمي الـ "بي بي سي وورلد" الإعلامي جيريمي بوينز والإعلامية ليز دوسيت.
لكن في السياق ذاته، وفي المؤتمر، قلل أحد المسؤولين السياسيين الحاضرين من "قدرة التحول المأمول في مسار الإعلام الغربي على التأثير في مسار الأزمة"، باعتبار أن "موقف الحكومات الغربية لا يقيم وزناً حقيقياً لرأي الجمهور". وتساءل أحدهم بعد عرض سياسي للمواقف الاقليمية والدولية، من على المنصة، في سؤال مزدوج للجمهور الغربي وللحاضرين المحليين قائلاً: "نريد أن نفهم لماذا يكرهوننا؟".
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد