دعاء زياد الرحباني:نجّنّا يا ربُّ وخفّف عنّا «التيسنة»
كان أحد الأمثال اللبنانية العفوية الممتازة يقول: ما بيصحّ إلاّ الصحيح (لا أدري إن كان لبنانياً بالتحديد). فأبت قوى التغيير والأرز والديموقراطية، وهي تصنع تاريخنا المعاصر، إلاّ أن تعدّل في جوانبَ عدّة من الموروث والمتداول الشائع خطأً، في رأيها، ومنه التعايش بين الملل، التوازن بين السلطات، المشاركة في السلطات، العلاقة مع الجوار، العداوة لإسرائيل، إلى آخره، الذي هو أمثالنا الشعبية، فأصبح المثل المذكور الجديد: ما بيصحّ إلاّ الشهيد. طبعاً، فكل ما تقوم به «قوى 14» الجذرية ليس آنيّاً. كيف وهي جذرية. إن العام المنصرم، والحمد لله أنّه انصرم يا إخوتي، عامُ الضوء، عام العجائب المشّعة، التي تعدّت الـ7 طبعاً والـ14. فقد شوهد، على سبيل المثال، ورغم فصل تموز ـــ آب الهستيري الخيالي، سلباً وإيجاباً، شيخٌ درزيٌ في ساحة الشهداء السابقة والسابقين، شيخٌ من الأجاويد، بعدما فلقته الاشتراكية العلميّة الأمميّة، بتحالفاتها المحليّة، فصار مضطراً لمغادرة الجبل مراراً إلى هذه الساحة المشؤومة ولحفظ بعض التراتيل المارونية للتضامنات المفتوحة المتوقعة مع بعض «القوات اللبنانية للإرسال»، شوهد وقد توقف عندما أصبح القدّاس للحظة باللغة السريانية، التي يجهلها 75% من المسيحيين على الأقل، وذلك تضامناً مع شباب المستقبل للسنّة الذين يقرأون الفاتحة في الوقت نفسه على ضريح الرئيس الحريري. أوليس هذا تعايشاً جديداً مذهلاً! أهذا معقول! أليس هذا فتحاً أخوياً لبنانياً مشعّاً لا يجرؤ على الاقتراب منه علماء الذرّة إلاّ بلباسهم الخاص الكامل!؟ إنها يا إخوتي محاولة أخرى متعبة اجتماعياً، سياسياً، دينياً وحتى لاهوتياً، لإشهار التعايش أمام شبكة الـCNN التي تعبد الحريّة فوراً وعندنا دون سوانا. إن هذا واحدٌ من المشاهد التي لا يصدقها «أبو العبد»، لا والله، ولا العيتاني، ولا شاتيلا، ولا شبارو، ولا الداعوق، ولا إله إلاّ هو. إنه عامٌ مضى، ملعونٌ. إنه عامٌ مريبٌ لشدّة الشدّ بعكس التاريخ وتراث الناس «والمَرْبى»، مريبٌ لشدّة ما هو عجيب. سُنّةٌ بيروتيون من تلامذة عبد الناصر يردّدون النشيد اللبنانيّ بصعوبة ويشدّون على مخارج الحروف، يحاولون اختراع القصص عن «الحكيم» و«القوات»، نحن مَنْ ربينا في المتن الشمالي لا نعرفها بل نعرفهم. قصصٌ لن يفهمها أطفالهم الذين تربّوا على أخبار الهويّة والخطف السيئين. دروزٌ مهاجرون من الجبل يتجوّلون في سوليدير الحريّة لا يجرؤون على الابتعاد كثيراً عن باصات التحالف التي أقلّتهم حتى لا تغادر وتتركهم في بيروت. وفي الوقت نفسه شيعةٌ مضطرّون لتسميع النشيد الوطني اللبناني للحزب التقدمي الاشتراكي الذي لم يكمل بعد حفظه ليأخذوا علامةً من عشرة على لبنانيتهم بعدما نجحوا في الفارسيّة بحسب مروان حمادة، أنطوان زهرا، منصور البون والأحدب! فهذه مثلاً لجنةٌ فاحصةٌ من لجان الأكثرية «البائظة» في آخر هذا الزمان للعام 2006 اللئيم.
كأنه المشهد شبه الأخير ما قبل «سدوم وعامورة» ابحثوا عنها في كتاب «التوراة»، والبحث في هذه الأثناء جارٍ عن «لوط» في المونتيفردي وعن النبي زكريا واحتمال صلات روحية له بـ«جند الشام» ـــ فرع القاعدة ـــ الرافدين وطيران الشرق الأوسط الجديد. فآخر التقارير يرجّح أن يكون لأحد أعضاء التنظيم المذكور علاقة بتعديل هيكل شاحنة الميتسوبيشي في أحد مرائب «المنشيّة» السرّي، ويبدو، رغم اعتذار براميرتس، أن في ذلك أحد أهم خيوط الجريمة ـــ الزلزال. ناهيك بأنه الخرقُ الخطير الأكبر لمربّعات حزب الله الأمنية.
نجّنّا يا ربُّ وهَبْ لنَا،
وخفّف عنّا «التيسنة» و«الهَبْلَنَة»
وطفِّ كلّْ ما هبّْ لنَا.
زياد رحباني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد