خلفيات الانقلاب في جورجيا وآفاق نظام الرئيس ساخاشيفيلي

الجمل: شهدت الساحة السياسية الجورجية تطوراً جديداً من خلال محاولات الإطاحة بنظام الرئيس الجورجي ميخائيل ساخاشفيلي وتشير التحليلات والتقارير إلى أن جورجيا سوف تظل لفترة طويلة قادمة تمثل إحدى بؤر الصراع المركزية في القوقازين الشمالي والجنوبي.
* ماذا تقول المعلومات؟
شهدت جورجيا تمرداً عسكرياً قامت به في يوم 5 أيار 2009 كتيبة دبابات تابعة للجيش الجورجي والمتمركزة في منطقة موخروفاتي الواقعة على بعد 30 كلم شرق العاصمة تبليسي.
وحتى الآن لم تصدر السلطات الجورجية إحصائية دقيقة حول عدد القتلى والجرحى وكل ما تم الإعلان عنه رسمياً هو قيام وزير الداخلية الجورجي بإصدار بيان أعلن فيه حدوث التمرد ونجاح النظام في إخماده، إضافة إلى قيام بعض عناصر التمرد بالاستسلام، أما الذين لم يستسلموا ومن بينهم قائد الكتيبة، فقد تم اعتقالهم إضافة إلى وجود بعض الهاربين الذين تقوم السلطات الجورجية بتعقبهم ومطاردتهم.
تقول التقارير بأن التمرد العسكري الجورجي قد اندلع بعد حدوث تطورين رئيسيين هما:
• نجاح المعارضة الجورجية في تسيير بعض المواكب والمظاهرات الحاشدة لجهة التنديد بسياسات نظام ساخاشفيلي والمطالبة بتنحيته عن السلطة.
• إعلان السلطات الجورجية أن أجهزة أمنها نجحت في اكتشاف وإحباط محاولة لاغتيال الرئيس الجورجي ميخائيل ساخاشفيلي.
وتجدر الإشارة إلى أن مزاعم وإفادات كبار المسؤولين في نظام الرئيس ساخاشفيلي ظلت تسعى بشكل دائم إلى الحديث عن ارتباط تحركات خصومها الجورجيين الساعي إلى تمديد هيمنة روسيا على جورجيا.
* العملية السياسية الجورجية ومحفزاتها المتعاكسة: إلى أين؟
ظل الرئيس ساخاشفيلي وحزبه (حزب الحركة الوطنية المتحدة) يسيطران على السلطة السياسية في جورجيا منذ 25 كانون الثاني 2004 وحتى الآن وخلال هذه الفترة حدثت التطورات الآتية:
• تزايد روابط جورجيا مع واشنطن وتل أبيب بما أدى بالمقابل إلى تزايد الدعم الروسي للمعارضة الجورجية.
• اندلاع الحرب الأهلية الجورجية الأولى والثانية بما أدى إلى تزايد النزعات الانفصالية في الأقاليم الجورجية الثلاثة: أوسيتيا الجنوبية – أبخازيا – أدجاريا.
• دعم واشنطن وتل أبيب لجهود نظام ساخاشفيلي ضد الأقاليم الانفصالية وبالمقابل دعم موسكو لهذه الأقاليم وبقية فصائل المعارضة.
• اندلاع الحرب الروسية – الجورجية التي انتهت بهزيمة جورجيا.
• اعتماد خطة سلام الستة نقاط التي قدمها الرئيس الفرنسي ساركوزي وساندها الاتحاد الأوروبي لحل الصراع الجورجي – الروسي.
• أعلنت روسيا اعترافها باستقلال الأقاليم الجورجية المنفصلة.
• تزايد مساعي نظام ساخاشفيلي للحصول على المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية.
• خروج إدارة بوش الجمهورية الداعمة لنظام ساخاشفيلي وصعود إدارة أوباما الأقل حماساً لدعم نظامه.
• اعتماد تفاهمات إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي لسياسة جديدة تعطي الأولوية للتفاهم مع موسكو.
• تخلي إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي عن دعم نظام ساخاشفيلي وتقديم النصح لهذا النظام بضرورة السعي لتحسين علاقاته مع موسكو.
على خلفية هذه التطورات تزايدت حالة الانقسام الداخلي الجورجي بما أدى إلى تزايد حدة الخلافات داخل البرلمان وفي أوساط الرأي العام الجورجي.
برغم ذلك سعى نظام ساخاشفيلي إلى التمادي في معاداة موسكو وبرغم تزايد المعارضة الداخلية لأمريكا والغرب فقد أقدم النظام على السماح بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع حلف الناتو داخل الأراضي الجورجية الأمر الذي اعتبرته موسكو إجراءاً عدائياً ضدها، وقامت باتخاذ إجراء انتقامي ضد جورجيا تضمن قيام موسكو بتوقيع اتفاقيات عسكرية – أمنية مع الأقاليم الجورجية المنفصلة.
تشير معطيات توازن القوى إلى توجهات وبوادر حدوث المزيد من الاستقطابات لجهة الآتي:
• اختلال التوازنات الخارجية الإقليمية والدولية في غير صالح نظام ساخاشفيلي بسبب انفراج توترات علاقات موسكو – واشنطن إضافة إلى مساعي الاتحاد الأوروبي الهادفة إلى عدم السقوط في العداء مع موسكو عبر الساحة الجورجية.
• اختلال التوازنات الداخلية في غير صالح نظام ساخاشفيلي بسبب تزايد الاحتجاجات المطالبة بإقصائه واعتماد توجهات سياسة تقوم على أساس عدم التورط في أي صراعات بالوكالة عن محور واشنطن – تل أبيب والسعي إلى اعتماد علاقات حسن الجوار مع الجميع بما في ذلك روسيا.
برغم تخلي واشنطن والاتحاد الأوروبي عن نظام ساخاشفيلي فإن إسرائيل ظلت تقدم الدعم السري له بما يتيح لها الاحتفاظ به انتظاراً لحدوث تحولات جديدة في الساحة الدولية تؤدي إلى تخلي إدارة أوباما عن توجهاتها الجديدة والارتداد إلى توجهات إدارة بوش السابقة بما يفسح المجال لتوظيف واستغلال نظام ساخاشفيلي مرة أخرى.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة