خان العسل بين الموقع الإستراتيجي وروايات السقوط
لم يسمع كثير من السوريين باسم بلدة خان العسل إلا قبل أشهر، حين شهدت انقلاب كابوس الأسلحة الكيميائية إلى حقيقة، واليوم تعود المنطقة إلى الصدارة من جديد، بعدما سيطر عليها المسلحون، حيث نشرت صور إعدام ميداني لعشرات الضباط والجنود في الجيش السوري، بينما تدور أسئلة جدية حول قدرة فريق الأمم المتحدة الوصول إليها، وأهميتها في معركة تحرير حلب التي يتحدث عنها قادة «الجيش الحر»، مع وصول أسلحة نوعية، وحديث رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا عن مهلة شهر لتغير الوضع الميداني. فيما بدا لافتاً دخول «جبهة النصرة» مع فصائل «الجيش الحر» إلى خان العسل، وهو مؤشر على تماسك العلاقة بينهما ضد «دولة العراق والشام الإسلامية».
تقع خان العسل في الريف الغربي لمحافظة حلب، حيث تكمن أهميتها الإستراتيجية في كونها آخر معاقل النظام في الريف الغربي، بالإضافة إلى أنها تعتبر ممراً لإمدادات الجيش النظامي عبر «أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية»، ومن جهة أخرى يسهل من خلالها التوجه إلى السيطرة على القسم الغربي من مدينة حلب، وتحديداً حي الحمدانية، ومنها إلى باقي الأحياء التي يسيطر عليها النظام. وهي عملية ليست بالأمر السهل، في ظل وجود عدة مقرات أمنية وعسكرية داخل المدينة في غاية التحصين، بالإضافة إلى مواقع في محيط المدينة أهمها «مطار حلب الدولي»، ومطارا كويرس ومنغ العسكريان. والأخير ما زال تحت حصار مسلحي «الجيش الحر».
وتعتبر هذه العمليات بالمجمل، بمثابة استكمال بسط السيطرة على معظم مناطق حلب، ثم الاتجاه غرباً إلى محافظة إدلب، بالتزامن مع العمليات العسكرية لمسلحي المعارضة على مواقع الجيش السوري، إلى قلب إدلب المدينة وما تبقى من الريف.
تلتزم القيادات العسكرية الصمت بشأن ما جرى في خان العسل، وسط جدل شعبي وسياسي وإعلامي كبير، لما كان لهذه الواقعة من أثر «إنساني» كبير، خاصة أمام تسجيلات مصورة أظهرت جثث عشرات الأشخاص، بعضهم بزي عسكري والبعض الآخر مدني، ملقاة على أطراف طرق داخل البلدة، نجحت وساطة «الهلال الأحمر السوري» بإخلائها ونقلها إلى المستشفى العسكري، لتبدأ عملية البحث عن هوية أصحاب الجثث، التي تقول مصادر رسمية سورية إنها بلغت 124 جثة، حيث أكد مصدر طبي أن «أكثر من 50 جثة منها تعود لمواطنين من أبناء البلدة تم إعدامهم ميدانياً»، مشيراً إلى أن عملية التعرف على هوية أصحاب الجثث «صعبة بسبب تشوه بعض الجثث التي تعرضت للتنكيل والحرق».
تختلف الروايات حول أسباب سقوط البلدة المحاذية لمدينة حلب، بالتزامن مع الجهود السياسية التي توصلت إلى اتفاق بين الحكومة السورية والأمم المتحدة حول آلية التحقيق في استخدام أسلحة كيميائية، حيث تعتبر خان العسل أحد أهم مسارحها، ما قد يعيق التوصل إلى نتائج فعلية حول الكيميائي.
وأكثر الروايات شيوعاً، تتحدث عن «هجوم مباغت نفذه نحو خمسة آلاف مسلح متشدد استهدف النقاط العسكرية في البلدة المؤلفة من مجموعة مزارع وفيلات، وترافق مع كثافة نارية، تزامنت مع عملية اغتيال لقائد القوة العسكرية المتمركزة في البلدة العقيد حسن حسن، الذي اغتيل في ظروف لا تزال مجهولة، ما تسبب بحالة من الفوضى ساهمت بشكل كبير باستسلام بعض العناصر، وفرار آخرين إلى منطقة الراشدين، وهو ما يفسر السقوط السريع للبلدة وأسر عدد كبير من الجنود».
وهي رواية يصفها مصدر عسكري بأنها «الأكثر واقعية»، مستطرداً «كل هذه التفاصيل هي مجرد رواية تستند إلى شهادات منقوصة وتكهنات»، طالباً انتظار «نتائج التحقيق».
لا معلومات دقيقة عن عدد العناصر الذين تم «أسرهم» خلال اقتحام المسلحين للبلدة، إلا أن مصادر معارضة قالت إن عدداً من العناصر، بينهم ضابط، لا يزالون على قيد الحياة ولم يتم إعدامهم.
إلا أن صفحات وناشطين إعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي، تحدثوا عن رواية أخرى تقول إن الجنود والضباط لم يتم إعدامهم، وجاء ذلك بأوامر من «هيئة الأركان في الجيش الحر»، التي أشرفت على المعركة، بحسب قولهم، وهناك عدد من الأسرى للمبادلة بهم بآخرين من المعارضة.
وأشار آخرون الى حالات انشقاق حصلت في «الفرقة 46»، وكانت السبب الأساسي في تسهيل دخول مسلحي «الجيش الحر» إلى البلدة، فيما تحدثت «جبهة النصرة»، في بيان لها، عن عمليات تمشيط قام بها مسلحو التنظيم السلفي، وصولاً إلى مبنى في أطراف خان العسل، وقاموا بإحكام السيطرة عليه مجبرين قرابة الـ63 عنصراً على تسليم أنفسهم، بينما نجح الباقون بالفرار إلى موقع آخر حاصره مسلحو «النصرة»، قبل تفخيخ المبنى ونسفه، ثم اقتحامه والاشتباك مع من تبقى من جنود الجيش.
من جهته، يرفض «الهلال الأحمر السوري» الخوض في تفاصيل وساطته، وآلية نقل الجثث، إعلامياً. مدير فرعه في حلب هائل عاصي، فضل خلال اتصال هاتفي الاكتفاء بما أوردته المنظمة في بيان صحافي جاء فيه أنه «قام فريق التدخل الميداني في فرع حلب لمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري يومي 25 و26 تموز 2013، وبعد التنسيق مع الجهات والأطراف على الأرض، بإخلاء 124 جثماناً من منطقة خان العسل وتسليمها إلى المستشفى العسكري في حلب، على أن يستكمل تدخل الهلال الأحمر الإنساني الحيادي في المنطقة خلال الأيام القليلة المقبلة».
وعلى الرغم من خلو البيان من أية تفاصيل توضح طبيعة الجثث التي تم نقلها إلى مستشفى حلب العسكري، إلا أنه يحمل إشارة تفيد بوجود جثامين أخرى سيتم نقلها لاحقاً.
يبدو لافتاً في الهجوم على خان العسل هذه المرة، تنسيق مختلف فصائل المعارضة مع بعضها البعض، ومع «جبهة النصرة»، وهي رسالة ربما أراد «الجيش الحر» التأكيد من خلالها على علاقته بـ«النصرة»، بغض النظر عن الخلاف مع «دولة العراق والشام الإسلامية»، حيث صدرت البيانات بذكر اسم التنظيم السلفي، ومشكلين معاً ما يسمى بـ«غرفة عمليات خان العسل» بقيادة لواء «أنصار الخلافة»، ومطلقين عملية السيطرة، بداية من الجزءين الشمالي والجنوبي من البلدة، وصولاً إلى مبان تابعة للحكومة، ثم منطقة مساكن الصحافيين، وصولاً إلى الجزء الغربي، متحدثين عن استهداف طائرة حربية للجيش، سقطت في حي الراشدين المجاور، بالتزامن مع توزيع صور تحمل شعار «جبهة النصرة»، وتظهر عدداً من جنود وضباط الجيش الذين وقعوا في قبضة المسلحين. فيما تحدثت مصادر هناك عن إعدام ميداني تعرض له هؤلاء العناصر مع نشر أسمائهم، حيث وصل عددهم إلى 52 عنصراً.
وتشير مصادر ميدانية إلى أن المشاركين في الهجوم، ينتمون إلى «تيار إسلامي متشدد»، لافتة إلى أن ثمة اعتقاداً سائداً يقول إن المقاتلين في هذه المجموعة ينتمون إلى «جبهة النصرة»، وإنهم اختاروا النشاط تحت اسم آخر (لواء أنصار الخلافة)، لأسباب تتعلق بالاتهامات الموجهة إليهم باستخدام السلاح الكيميائي في البلدة، في 19 آذار الماضي، الذي قتل فيه 29 شخصاً، بينهم 16 جندياً سورياً. وقد تعيق سيطرتهم عليها عمل لجنة التحقيق الأممية الخاصة التي حطت رحالها في دمشق قبل ايام وتوصلت إلى اتفاق مع الحكومة السورية للبدء بالتحقيق حول استخدام أسلحة كيميائية في سوريا.
وفي السياق نفسه، أكد مصدر عسكري أن عملية عسكرية يتم الاستعداد لها لاستعادة البلدة، بالتزامن مع عملية عسكرية أخرى لا تزال تجري في منطقة الراشدين القريبة التي بات الجيش السوري يسيطر على معظمها، مشيراً إلى أن «بلدة خان العسل إستراتيجية، وتعتبر خط الدفاع الأول المواجه لأكاديمية الأسد للهندسة العسكرية، التي تعتبر أحد اهم نقاط تمركز قوات الجيش السوري».
علاء حلبي وطارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد