حلب على مفترق طرق: هجمات فاشلة لـ«النصرة»
حلبُ الكمائنِ والهجمات الفاشلة، لكن أيضاً، حلبُ التصعيدِ والانقلاب على الهدنة، تقف أمام مفترق طرق خطير.
طريق الهدنة التي انقضت مهلة الأربع والعشرين ساعة التي أعطتها فصائل «غرفة فتح حلب» لإنهائها والتنصل منها، أو طريق التصعيد العسكري، الذي لسوء الحظ تحث عليه العديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية، والذي أخذت إرهاصاته الأولى بالظهور خلال الأسبوع الماضي عبر تنسيق الفصائل لهجمات كبيرة لم تشهدها المدينة منذ سنوات.
وبين هذين الطريقين، تبدو المحافظة كأنها دخلت في نفق مظلم، لا أحد يدري إلى أين سيقودها؟ خصوصاً في ظل تصاعد حدة التدخلات الإقليمية والدولية على خط الصراع فيها، والتي كان آخرها التبني الألماني لفكرة «المنطقة الآمنة» الذي يشكل جوهر الإستراتيجية التركية، ورفض واشنطن لها.
وللمرة الثانية يتمكن الجيش السوري، أمس، من صد هجوم كبير شنته «جبهة النصرة» وفصائل أخرى، مثل «أحرار الشام» و «حركة نور الدين الزنكي»، على محور المدينة الجنوبي الغربي، بعد أيام من إفشاله هجوماً استهدف مدينة خان طومان في الريف الجنوبي. وقد وُصِف كلا الهجومين بأنهما من أضخم الهجمات التي تشنها الفصائل منذ سنتين وأكثر على جبهات حلب. وهذا ليس القاسم المشترك الوحيد بين الهجومين، فكلاهما انتهى بفشل ذريع، وتحول في جانب منه إلى كمين محكم أوقع الجيش السوري المهاجمين في شباكه.
ويشير انطلاق الهجمات الأخيرة من حي الراشدين، واستهدافها القوس الجنوبي والجنوبي الغربي لحلب، إلى أن «جبهة النصرة» ما تزال تقود العمليات العسكرية في المنطقة، وتلعب دوراً كبيراً في توجيه بوصلة الفصائل. ويبدو أن أهداف المهاجمين متفاوتة في ما بينها، ولا تقع على الخط نفسه، إذ بينما تريد «جبهة النصرة» الانقلاب على الهدنة وإجهاض العملية السياسية بكاملها، فإن فصائل أخرى لا تستهدف سوى ممارسة الضغوط عسكرياً لزيادة مكاسبها المرتجاة سياسياً. وقد يكون هذا التباين من أهم العوامل التي عكست سوء التنسيق الواضح بين الفصائل أثناء الهجومين، وهو ما دفع بعض الناشطين إلى الحديث، للمرة الأولى، عن وجود «فصائل مازوتية» في حلب، في إشارة إلى اللقب الذي أطلق على «جبهة ثوار سوريا» التي قضت عليها «جبهة النصرة» في إدلب أواخر العام 2014.
وتأتي خطورة الهجوم الأخير الذي انطلق، فجر أمس، من جهة الراشدين الرابعة باتجاه ضاحية الأسد والفاملي هاوس، بوابتي أحياء حلب الغربية التي يسيطر عليها الجيش السوري، أنها نقلت مركز الثقل العسكري من الريف الحلبي الذي ظل طوال الأشهر الماضية يشكل بؤرة التصعيد المفضلة من الأطراف كافة، إلى قلب المدينة التي يشهد مصيرها تجاذباً إقليمياً ودولياً متصاعداً.
وما إشارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أن ألمانيا تسعى لإقامة «مناطق آمنة» لإيواء اللاجئين الفارين من سوريا، وهي الحلم الذي تسعى إليه أنقرة منذ سنوات، إلا الجانب الأخير من جوانب هذا التجاذب الذي تتداخل فيه مصالح العديد من الدول، على خلفية ملفات شائكة كملف اللاجئين الذي تخشاه أوروبا، وملف الأكراد الذي يشكل هاجساً تركياً.
ويتحدث بعض المراقبين عن وقوع الفصائل المسلحة في حالة يرثى لها من التخبط والتردد منذ بدء الحديث عن سيناريو «معركة حلب الكبرى»، لأن مخاوفها من احتمال تحقق هذا السيناريو دفعها إلى شن هجمات واسعة، في ظل سوء تخطيط وتنسيق واضحين، من أجل ما تعتقد أنه تشتيت جهود الجيش السوري وحلفائه لمنعهم من إطلاق أي معركة كبيرة، لكن النتيجة كانت سلسلة متتالية من الهزائم التي أثبتت عجز هذه الفصائل عن إحداث أي تغيير استراتيجي في خريطة السيطرة في مدينة مهمة من وزن حلب. وذكرت مصادر ميدانية أن مجموعة من المهاجمين وقعت في كمين، بينما كانت تتسلل إلى مينان غرب حلب عبر مرور أفرادها داخل مجرور الصرف الصحي، حيث تم رصدهم من قبل الجيش الذي سارع إلى تفجير المجرور وقتل من كان فيه.
وفي إطار التصعيد، قتل 14 مدنياً، أمس، جراء القصف المتبادل بين القوات السورية والفصائل المسلحة، لليوم الثالث على التوالي في مدينة حلب.
وقال مصدر في «الدفاع المدني»، لوكالة «فرانس برس»، إنه «سقط خمسة قتلى جراء غارة جوية استهدفت سوقاً للخضار في حي الصاخور، كما قتل مدنيان في غارة على حي الشعار وثالث في حي الأتارب».
وفي الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرة القوات السورية، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إلى «مقتل ستة مدنيين، بينهم طفلتان، جراء قذائف استهدفت أحياء منيان وحلب الجديدة والموكامبو».
وكان «المرصد» أشار، أمس الأول، إلى أن «ماجد حسين الصادق، قائد أركان حركة أحرار الشام الإسلامية، قتل إلى جانب ثلاثة مقاتلين من الحركة، جراء استهداف انتحاري مقراً للحركة في بلدة بنش في ريف مدينة إدلب».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد