حقيقة التدخل الدولي في الخلافات السودانية واحتمالات الحرب والسلام
الجمل: تحدثت التقارير العالمية مجدداً عن تزايد التوترات بين الحكومة المركزية السودانية، وحكومة جنوب السودان، وذلك بسبب عدم حل الخلافات العالقة حول بعض القضايا المنصوص عليها في اتفاقية السلام السودانية بين الشمال والجنوب: فما هي حقيقة هذه الخلافات؟ وما هي أجندتها؟ وما هي حقيقة التدخل الدولي الجديد الذي بدأت نذره تظهر أكثر فأكثر ؟ على خلفية تحركات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها ومجلس الأمن الدولي؟
* مسرح جنوب السودان: توصيف المعلومات الجارية
حددت اتفاقية السلام السودانية يوم 11 كانون الثاني (يناير) 2010م كموعد لإجراء استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، بحيث إما أن يبقى السودان موحداً أو أن يتم تقسيمه إلى دولتين، إحداهما إفريقية خالصة وتقوم على مساحة جنوب السودان البالغ 650 ألف كم2 بما يعادل 20% من إجمالي مساحة السودان، والأخرى عربية تقوم على رقعة وسط وشمال السودان البالغ مساحتها 2 مليون كم2 بنسبة تبلغ 80% من إجمالي مساحة السودان الحالية البالغة 2.6 مليون كم2.
أوضحت اتفاقية السلام الشامل بشكل مفصل الاستحقاقات اللازم إجراءها خلال الفترة الممتدة من 9 كانون الثاني (يناير) 2010 لحظة توقيع الاتفاقية، و9 كانون الثاني (يناير) 2011 لحظة تنفيذ استفتاء تقرير المصير باعتباره الاستحقاق النهائي الذي بإنجازه تكون الاتفاقية قد انتهى سريانها. تقول المعلومات والتقارير بأن النقاط الآتية لم يتم إنجازها:
- الترسيم الكامل لحدود الجنوب-الشمال والبالغ طولها ألفي كم.
- تحديد تبعية منطقة أبيي المتنازع عليها بين الجنوب والشمال.
- توصيف الترتيبات الإجرائية المتعلقة بشفافية ونزاهة الاستفتاء.
- التوافق على كيفية اقتسام حصص الموارد المشتركة، وعلى وجه الخصوص مياه النيل.
- التوافق على الالتزامات المالية مثل المديونيات الخارجية.
- التوافق على كيفية التعامل مع نقل الملكيات وتصفية الأصول الثابتة والمنقولة والسائلة.
- التوافق على كيفية التعامل مع المواطنين الشماليين المقيمين في الجنوب والجنوبيين المقيمين في الشمال.
- التوافق على كيفية التعامل مع الحقول والمنشآت النفطية الموجودة في مناطق الحدود بين الشمال والجنوب.
- التوافق على كيفية التعامل مع حقوق القبائل الرعوية الشمالية التي تدخل المناطق الجنوبية والقبائل الرعوية الجنوبية التي تدخل المناطق الشمالية.
كل هذه النقاط وغيرها تم إخضاعها لجولات مفاوضات عديدة تحت اسم التفاوض على ترتيبات ما بعد استفتاء تقرير المصير، بحيث تم وضع سيناريو الانفصال وما يمكن أن يترتب عليه من استحقاق على الطرفين إذا صوت سكان الجنوب لصالح الانفصال. وسيناريو الوحدة وما يمكن أن يترتب عليه من استحقاقات إذا صوت سكان الجنوب لصالح الوحدة.
* بؤر التوتر الجديدة: السباقات المتجددة
تحدثت التقارير والتسريبات عن حدوث المزيد من عمليات الاصطفاف والاستقطابات الجديدة إزاء ملفات الاستحقاقات العالقة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- بالنسبة لترسيم الحدود، شهدت الأشهر الماضية عملية تغيب كامل لمناديب الجنوب عن لجنة ترسيم الحدود بما أدى إلى تعطيل عمل اللجنة، وبدأت عملية التغييب المستمر وكأنما هي مقصودة في حد ذاتها.
- بالنسبة لتوزيع حصص مياه النيل، لم تسعَ الحركة الشعبية المسيطرة على الجنوب حتى الآن نحو إنجاز الترتيبات اللازمة المتعلقة بملف اقتسام الموارد المائية.
- بالنسبة لتصفية الالتزامات المتعلقة بالمديونيات الخارجية، لم تسعَ الحركة الشعبية المسيطرة على الجنوب لجهة العمل من أجل تصفية الاستحقاقات.
وإضافةً لذلك، فقد شهدت الأسابيع الماضية تحركات أمريكية أوروبية غربية مكثفة في جنوب السودان، وإضافةً لذلك، سعت الحركة الشعبية من جانبها إلى المطالبة بإنجاز استفتاء تقرير المصير في موعده المحدد في الاتفاقية بغض النظر عن إكمال الترتيبات والاستحقاقات المنصوص عليها في الاتفاقية. ثم جاءت واشنطن بعد ذلك لتطالب الخرطوم بنفس ما طالبت به الحركة الشعبية، ثم جاء بعد ذلك مجلس الأمن الدولي ليطالب الخرطوم بتنفيذ ما طالبت به الحركة الشعبية والإدارة الأمريكية.
لم تكتفِ حكومة الجنوب ومعها واشنطن بمجرد المطالبة، وخلال اليومين الماضيين سعت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي سوزان رايس إلى مطالبة مجلس الأمن الدولي بإرسال قوات دولية ونشرها على طول الحدود بين شمال وجنوب السودان. وفي توقيت متزامن مع ذلك تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما قائلاً بأن ملف السودان يقع في مقدمة أولوياته الحالية وذلك لأن اندلاع الحرب مجدداً بين الطرفين معناه سقوط ملايين القتلى.
أعلنت الخرطوم عن استعدادها لإجراء الاستفتاء في موعده، وطالبت المجتمع الدولي بضرورة الضغط على الحركة الشعبية لإكمال إنجاز استحقاقات اتفاقية السلام، وإضافةً لذلك أعلنت الخرطوم رفضها لموضوع نشر القوات الدولية على حدود شمال وجنوب السودان وذلك لأن الحدود أصلاً لم يتم ترسيمها، وبالتالي فعلى الأمم المتحدة أن تدعم موضع ترسيم الحدود ثم بعد ذلك تقوم بنسر قواتها وحصراً على الطرف الجنوبي، طالما أن حكومة جنوب السودان الإقليمية هي التي طلبت إحضار القوات الدولية.
* حلقات الصراع المغلقة واحتمالات الحرب والسلام
شهدت الأسابيع الماضية قيام الحكومة السودانية بنشر 7 فرق عسكرية على طول خط حدود المواجهة المحتملة مع الجنوب. وإضافةً لذلك، سعت الحكومة السودانية إلى المشاركة في اجتماع العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لجهة حل الصراع حول تبعية منطقة أبيي. وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية المتعلقة بالصراع حول أبيي والتي أطلق عليها بعض خبراء النزاعات تسمية «كشمير السودان»:
- تقع منطقة أبيي على الحدود بين الشمال والجنوب
- تقطن في منطقة أبيي قبيلة دينكا نقوك الأفريقية، وقبيلة المسيرية العربية.
- حدث خلاف حول مساحة منطقة أبيي بسبب الخارطة التي أعدتها أمريكا والتي وضعت حقول النفط داخل منطقة أبيي. ولكن، أصدرت محكمة التحكيم الدولي في لاهاي قرارها بتغيير خارطة منطقة أبيي بحيث استبعدت خارطة المحكمة العديد من حقول النفط الواقعة ضمن أراضي الشمال.
حالياً، يدور الخلاف حول من المخول له المشاركة في التصويت في استفتاء تقرير مصير منطقة أبيي، وتقول الحكومة بأن اتفاقية السلام قد حددت بأن دينكا نقوك والأطراف الأخرى الموجودة في المنطقة هما المخول لهما حق التصويت، أما الحركة الشعبية فأكدت بأن التصويت هو حق حصري لقبيلة دينكا نقوك الأفريقية التي تمثل السكان الأصليين، أما قبيلة المسيرية، فهم عبارة عن "مستوطنين عرب" لا يحق لهم التصويت حول تقرير المصير.
سعت أطراف الوساطة في اجتماع أديس أبابا إلى تقديم الحوافز للأطراف من أجل حثها على تقديم التنازلات. ولكن، وبسبب تشدد الطرفين، فقد فشلت جولة الاجتماع الدولي، وهناك فرصة أخيرة ثانية بحلول مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 القادم.
تشير التحليلات إلى أن ملف صراع استفتاء أبيي وملف صراع استفتاء جنوب السودان، سوف يشكلان بؤرة الحرب التي يمكن أن تندلع بين الطرفين بالرغم من جهود الدبلوماسية الوقائية الأفريقية المعتدلة، وجهود الدبلوماسية الوقائية الدولية التي بدت وهي أكثر تحيزاً للطرف الجنوبي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد