حصيلة ثلاثة أيام من المشاورات الوطنية للسكان
نظمت الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة ملتقى المشاورات الوطنية للسكان في ضوء الخطة الخمسية العاشرة وذلك خلال الفترة مابين /17 ـ 19/ تموز 2006 في فندق الشام.
وذلك بهدف الوصول الى اجماع وطني عام فيما يخص أولويات القضايا المرتبطة بالسكان في سورية وبالتالي بلورة استراتيجية وطنية محددة وواضحة للسكان وتحويلها الى خطط عمل تشمل مختلف الجوانب المرتبطة بالسكان.. وطبعاً ضمن مشاريع وجداول زمنية وتأمين الميزانية الكافية والمؤشرات المتفق عليها للقياس والمتابعة بشكل مستمر لمراحل التنفيذ..
عمرها /6/ سنوات ومازالت مسودة!!
وقد تم تقسيم المشاركين الذين تجاوز عددهم الـ /200/ مشارك من معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية والمنظمات الشعبية الى فرق عمل كل حسب اختصاصة لمناقشة /19/ محوراً هي: النمو السكاني، الفقر، التعليم، النمو الاقتصادي الصحة الانجابية، العمل، النوع الاجتماعي وتمكين المرأة، الشباب، الأسرة، الهجرة الخارجية، الهجرة الداخلية، اللامركزية والإدارة المحلية لقضايا السكان، الإطار المؤسساتي لتنفيذ السياسات السكانية، الاعلام، المجتمع الأهلي، الاسكان، المياه والموارد الطبيعية والبيئة، الطاقة، الزراعة والأمن الغذائي..
ولكن قبل الحديث عن أهم المحاور التي أخذت حيزاً مهماً من المناقشات والحوار الجانبي والعلني لابد من إلقاء نظرة سريعة على أهم جوانب مقترح الاستراتيجية الوطنية للسكان في الجمهورية العربية السورية في الفترة /2000 ـ 2025/ والتي تبدأ بقول السيد الرئيس بشار الأسد: «علينا ان لاننسى الاهتمام بالمشكلة الأكثر إلحاحاً وهي النسبة العالية لتزايد السكان في سورية والتي تستهلك أي ارتفاع في نسب النمو الاقتصادي» وقد بينت الاستراتيجية أن هناك اختلافاً واضحاً في معدلات النمو السنوية للسكان في المحافظات بين التعداد الاحصائي وسجلات الأحوال المدنية مبررة ذلك بتيارات الهجرة الداخلية والخارجية.
وأوضحت أن هناك عدم توازن في التوزع الجغرافي للسكان حيث يقيم حوالي 44% من سكان سورية في ثلاث محافظات هي دمشق وريفها وحلب ما أدى الى كثافة سكانية عالية وصلت في دمشق الى /14195/ فرداً/ كم2 في عام 2003.
كما تضمنت الاستراتيجية مؤشرات أخرى عن الصحة والتعليم والاسرة إضافة الى اتجاهات مستقبلية متوقعة وتحديات.. الخ..
علماً انها معلومات سبق نشرناها مراراً على صفحات جرائدنا ولم نلحظ حتى الان مبادرات وبرامج تنفيذية وضعت على أرض الواقع وحققت نتائج ملموسة للحد من أزمة النمو السكاني.
بل ان الاستراتيجية مازالت مجرد مقترحات ومسودة خاصة أنه قد مضى عليها أكثر من ست سنوات ولا تزال غير معتمدة.. فمتى سيتم اعتمادها.. هل في العام /2025/.. ؟!!
نقاش ساخن ولكن؟
أما محور النوع الاجتماع وتمكين المرأة فقد حظي بنقاش واسع حتى إن بعض الحضور وصفه بالساخن وعزا ذلك الى المستوى الرفيع من المشاركين في هذا المحور من مجلس الشعب والاتحاد النسائي ومركز الدراسات الاستراتيجية وجمعية تنظيم الأسرة السورية وهيئة تخطيط الدولة ووزارتي التربية والشؤون الاجتماعية والعمل.. الذين أكدوا على أن الخطة الخمسية العاشرة عكست الدعم السياسي اللامحدود الذي يقدمه السيد رئيس الجمهورية والقيادة السياسية والحكومة لتعزيز دور المرأة في عملية التنمية الاجتماعية معتبرين أن الدستور والاتفاقيات الدولية تشكل دعماً قانونياً لقضايا المرأة...
كما تعرض المشاركون الى القروض التي تقدمها المنظمات الدولية للمرأة وتشجيع المجتمع الأهلي وذلك في تطوير مفهوم العمل الطوعي وفي تحسين صورة المرأة في المناهج التعليمية..
وقد ختم هذا المحور بعدة توصيات ومقتر حات ركزت على :
ـ اعادة النظر بجميع القوانين النافذة الخاصة بالمرأة من أجل تحقيق مبدأي المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص وجمعها وتوحيدها بتشريع واحد.
ـ إدماج منظور النوع الاجتماعي في جميع الاستراتيجيات الوطنية.
ـ اعتماد اليات محددة تساعد المرأة في المشاركة السياسية والوصول الى مواقع صنع القرار وتدريب المرأة على القيادة السياسية.
ـ إطلاق حملات وطنية لمحو الأمية بمشاركة جميع القطاعات.
ـ تمكين النساء من آليات العمل التشاركي والانتخابي على جميع المستويات.
ـ ايجاد مكاتب لتلقي شكاوى المرأة ورصد حالات العنف تتولى تقديم المساعدة والدعم المعنوي والطبي والقانوني.
ـ إنشاء دور ضيافة أو ملاجئ للنساء المعنفات واعتماد خطوط ساخنة.
ـ تشديد العقوبة على الطرفين إذا وقع الجرم خلال الحياة الزوجية.
ـ إلغاء وقف الملاحقة وسقوط العقوبة التي تترتب على زوج المعتدى عليها المنصوص عليها في المادة /508/ عقوبات عام.
ـ إلغاء العذر المحل المنصوص عنه في المادة /548/ عقوبات عام.
مخاطر الهجرة الداخلية
وأثناء مناقشة محور الهجرة الداخلية أكد المشاركون إن الهدف من التطرق لهذا المحور هو الحد من الهجرة الداخلية والانتقال من الارياف الى المدن.. مشيرين الى أن لهذه الهجرة جوانب ضعف لابد من مواجهتها وأهمها: تمركز المشاريع الاقتصادية والانمائية والخدمية في المدن، وعدم تشجيع المهجرين والمستثمرين وتعريفهم بأهمية الأرياف، وإن الانتقال من الأرياف الى المدن يؤدي الى زيادة الضغط على الخدمات بشكل عام.
وطبعاً هذه الهجرة ستؤدي الى عدة تحديات ومخاطر منها : إهمال الريف من النواحي كلها وترك العمل في الأراضي الزراعية وبالتالي تحولها الى جرداء وقاحلة وصحراوية.. ولاننسى زيادة المشكلات الاجتماعية في المدن بسبب تفشي البطالة وزيادة معدلات الجرائم والتفكك الأسري وسوء التوزيع السكاني والمشكلات التي تنجم عن ذلك.
وقد اقترح المشاركون جملة من التوصيات للحد من الهجرة الداخلية تبدأ بالتركيز على التخطيط الاقليمي بين المحافظات من ناحية والأرياف والمدن من ناحية أخرى.. وتحسين التنمية الريفية من خلال انشاء المشاريع الانمائية وتقديم الخدمات والدعم للأرياف صحياً وتعليمياً وزراعياً.. إضافة الى تشجيع العمل على بناء مدن سكنية خارج نطاق الاراضي الزراعية ومحيط المدن والحد من السكن العشوائي بتطبيق القوانين النافذة..
وسلبيات الخارجية
أما فيما يتعلق بمحور الهجرة الخارجية فقد طالب المشاركون بضرورة الحد من الهجرة الخارجية من خلال ايجاد مناخات مناسبة للأفراد في بلادهم وأيضاً بناء وتقوية الجسور بين المغتربين ووطنهم الأم ووضع التشريعات المناسبة والحازمة للحيلولة دون الهجرة غير الشرعية من وإلى سورية..
منوهين ان لهذه الهجرة عدة نقاط سلبية تتعلق بالبطالة وضعف الرواتب والأجور للشهادات والخبرات العلمية العالية، إضافة الى قلة الأبحاث والدراسات والبيانات حول هذا النوع من الهجرة. وبعد مناقشة هذا المحور خلص المشاركون الى المقترحات التالية:
ـ الاهتمام بالبحث العلمي والدراسات العليا داخل القطر.
ـ تخفيض البدل النقدي للمغتربين.
ـ تنظيم حملات توعية وندوات حول الهجرة من قبل السفارات ووزارة المغتربين.
ـ تشجيع دور المغتربين والطلبة الموفدين في الترويج السياحي للقطر.
أجرت «تشرين» على هامش ملتقى المشاورات الوطنية للسكان في ضوء الخطة الخمسية العاشرة اللقاءات التالية:
ـ الدكتور وائل الإمام عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية قال: عرض الملتقى مجموعة من البنود الأساسية لوضع استراتيجية عامة للسكان في سورية.. واصفاً البنود بالدقيقة ومشيراً الى انه تم توزيع المشاركين على هذه البنود تبعاً لاختصاصاتهم ومسؤولية وزاراتهم عن تنفيذها..
وحول تقويمه لهذا الملتقى قال د. الإمام: هناك نقاط سلبية وأخرى إيجابية ولنبدأ بالسلبيات وهي:
ـ تم نقاش البنود في خطوطها العريضة ولم ندخل في تحديد الآليات التي يجب تنفيذها للوصول الى الأهداف المرجوة بمعنى انه تمت إعادة صياغة ما ورد في الاستراتيجية الموضوعة للسكان في الخطة الخمسية العاشرة..
ـ بعض المشاركين بالملتقى لم يكونوا على اطلاع فيما جاء في الخطة الخمسية العاشرة وخاصة الفصل السابع عشر المتعلق بقطاع السكان والصحة الانجابية والنوع الاجتماعي.
ـ لعدم وجود معلومات واحصاءات دقيقة حول الهجرة الداخلية والخارجية فإن المشاركين لم يتوصلوا في مناقشة هذين المحورين الى رؤية واضحةحول الهجرة وخاصة الخارجية منها..
أما الإيجابيات ـ والكلام للسيد العميد ـ فهي:ـ إن الملتقى جمع المعنيين بشؤون السكان من مختلف وزارات الدولة والعاملين في مجال السكان ووضعهم على طاولةواحدة للحوار والنقاش.
ـ ظهر تفاعل كبير وايجابي بين المشاركين ضمن كل مجموعة عمل ما ولد نقاشاً عملياً ودقيقاً بين معظم هذه المجموعات..
ـ أظهر النقاش المعوقات التي تواجه قضايا السكان في سورية من خلال واقع التنفيذ.. وعبر الجميع عن بطء الإجراءات الخاصة بتطبيق بنود الاستراتيجية السكانية الموجودة في الخطة العاشرة..
وأضاف: بشكل عام تبين من خلال الحوار والنقاش ان الاجراءات التنفيذية هي المسؤولة عن عدم تطور الاستراتيجيات السكانية في سورية ما عدا بعض المجالات الصحية منها وخاصة في مجال الصحة الانجابية وبعض الاجراءات الفقيرة في الشؤون الاجتماعية.. أما الجوانب الأخرى البيئية منها وسوق العمل والهجرة وموارد الطاقة فتحتاج الى التخطيط الدقيق البعيد المدى والقصير أيضاً..
وركز جميع الحاضرين على ضرورة إعداد الدراسات العلمية والتعاون العلمي بين مؤسسات التعليم العالي وخاصة المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية للقيام بمثل هذه الدراسات حتى يستطيع متخذو القرار اتخاذه بشكل علمي دقيق.
وتم التركيز أيضاً على وضع شروط ميسرة وبسيطة خالية من التعقيد لإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تعتبر من الآليات الحديثة في الإدارة والاقتصاد للوصول الى نمو اقتصادي عال ولمكافحة البطالة وأيضاً تعتبر جسراً بين حالة الإبداع الفردية لرواد الأعمال الشباب وبين السوق المحلية.. ما يفرض على الحكومة دعمها بشكل جيد..
السيد أحمد كيلاني مدير السكان والشباب والطفولة في هيئة تخطيط الدولة قال: إن قطاع المرأة غير منظم.. وبالتالي فإن تخفيض معدل النمو السكاني يتطلب تخفيض معدلات الانجاب ورفع معدل الالتحاق بالتعليم خاصة للإناث، وأيضاً إدراج المرأة في عملية التنمية وإلحاقها بقطاعات العمل وهكذا يمكننا الحصول على تناسب مطرد بين معدل النمو الاقتصادي مع معدل النمو السكاني..
وأشار الى أن السياسة السكانية «النوعية» ترتبط بالولادت والوفيات والهجرة الخارجية مؤكداً على مسألة العمل على النوعية حيث عندما طرحت مسألتا الصحة والهجرة أخذنا بعين الاعتبار النوعية ومن المهم ان يكون هناك رؤية واضحة لقضايا السكان في الإعلام.. مشيراً الى أنه عند يتم بحث مسألة الهجرة الخارجية يكون هناك خلط في المصطلح والمحتوى والعوامل المؤثرة والفرص المتاحة لتقليل الهجرة الخارجية كتوفير فرص العمل مثلاً.. وتمنى ان يكون هناك تفعيل للمقترحات وخطط العمل الموضوعة من قبل مجموعة الملتقى موضحاً ان الملتقى السكاني سيكون تقليداً سنوياً..
الدكتور علي رستم ـ عضو اللجنة الفنية للملتقى قال: لم يتطرق أحد من المشاركين الي موضوع الزواج المبكر والحمل المبكر رغم أهمية ذلك في المسألة السكانية.. مشيراً الى وجود قواعد وبيانات حول العرض والطلب في قوة العمل إلا ان أحداً لم يطلع عليها.. والآن صار إعداد هذه البيانات يتم بشكل فصلي لكل سنة نظراً لوجود تغيرات سريعة تحصل في سوق العمل..
وبالنسبة لعمالة الأطفال أكد وجود بيانات عنها ومسوحات متخصصة تتم كل عشر سنوات لكن القصور في الوصول الى هذه البيانات يفسر دائماً بعدم وجودها..
وأوضح انه تم وضع خطة للبحث العلمي راعت وجود مرشد علمي لكل طالب يساعده في اختيار الموضوعات المطلوبة حول السكان وذلك خلافاً لما كانت تقوم به وزارة التعليم العالي سابقاً لجهة توجيه الطلاب لإعداد دراسات سكانية عن جميع الدول ما عدا سورية.. أما بخصوص عدم وضوح الرؤية حول الهجرة الداخلية والخارجية فأشار د. رستم إلى ان وزارة الداخلية تبذل جهوداً كبيرة لحل هذه الإشكالية وبالتالي وضع قواعد بيانات خاصة بها..
وتطرق الى مسألة الفقر فقال: ان هذا الموضوع طرح للنقاش في القطر منذ فترة قصيرة وأخذ نصيبه من الاهتمام والحوار وأعدت حوله الدراسات والتحليلات لافتاً الى أن ضعف الاطلاع على تلك الدراسات قد يؤدي الى إطلاق أحكام غير واضحة..
الدكتور وائل زكار معاون رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة قال: هناك توجه جديد لتفعيل واقع الملف السكاني وهذا الملتقى هو خطوة حتمية لتفعيله وبلورة استراتيجية للسكان تكون مرتبطة بخطط وبرامج عمل.. ومشاريع على أرض الواقع تغطي الثغرات الموجودة على الصعيد الميداني كقطاعات أو الجغرافي من خلال البحث عن المناطق الأكثر إلحاحاً والتي تحتاج الى تفعيل جهود التنمية فيها..وبالتالي هدفنا النهائي تحديد الأولويات في قطاع السكان مثل معالجة الارتفاع الكبير في معدلات النمو السكاني لبعض المحافظات، وموضوع الربط ما بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، والضغط الحاصل على الموارد البيئية، وتفعيل الشباب وايجاد حلول لمشكلاتهم وما ينجم عنها من فقر وبطالة وضياع لهم نتيجة عدم الحصول على فرص عمل وتعليم مناسبة وأيضاً زواج.. وزيادة دخولهم وطبعاً تنفيذ ذلك يحتاج الى فرق فنية من المختصين بالتعاون بين جهات حكومية وأهلية داخلية ومؤسسات دولية تعمل على تفعيل نقاط الضعف في السياسات والاستراتيجيات التي تم إعدادها حول السكان وبالتالي بلورتها وتحويلها الى برامج وخطط ومشاريع عمل تتضمن الميزانيات الكافية ومراحل التنفيذ ومؤشرات المتابعة وقياس خطوات التنفيذ ومدى فعاليته بشكل ندخل في مجال الملموس على أرض الواقع..
عمران محفوض
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد