حزب الله الكردي لمواجهة المد الوهابي شمالا

16-06-2012

حزب الله الكردي لمواجهة المد الوهابي شمالا

الجمل-قسم الترجمة- جولة (الجمل) على الصحافة الإيرانية:

حزب الله التركي "حلقة المقاومة المغيبة" :
 
تأسس تيار حزب الله الكردي التركي وهو حركة إسلامية متأثراً بأفكار الثورة الإسلامية الإيرانية بالرغم من أن قيادات هذا التيار وهيكليته التنظيمية هي من أهل السنة لكنه رسم لنفسه خطاً سياسياً ملهماً من أفكار الخميني.
اجتمع مئات الآلاف من الأكراد في 22 نيسان 2012 في مدينة "ديار بكر" أكبر مدينة تركية يقطنها الأكراد في جنوب شرق البلاد وذلك للاحتفال بعيد المولد النبوي. دعا إلى هذه الاحتفالية ائتلاف مكّون من المنظمات الحكومية المرتبطة بمنظمة إسلامية سنية في تركيا تطلق على نفسها اسم حزب الله.
في الواقع يظهر حزب الله التركي باستنفاره هذا الحشد الكبير من الناس قوته الاجتماعية والسياسية التي تضاعفت بشكل واضح. كما جاء استعراض القوة هذا بالتزامن مع إجراء مراسم الاحتفال بمناسبة دينية، حيث أوجد تحديات كبيرة ليس فقط لحزب العدالة والتنمية بل حتى للأحزاب الكردية العلمانية الأخرى كحزب السلام والديمقراطية (ب.د.ب) وحزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك).
في البداية كانت تقع مسؤولية القيادة في تيار حزب الله التركي على عاتق شخصيات بارزة كانت منضوية في صفوف هذا الحزب مثل "منصور كوزل" "ويدان كانكور" "حسين ولي أوغلو" و"عبد الله دالار"، ويعود زمان تأسيس حزب الله التركي إلى عام 1979 حيث قام "حسين ولي أوغلو" بتأسيس مكتب يدعى (مكتب العلم) الحركة المعروفة بـ"علمجية" وتعني أصحاب العلم، كما أسس فرعاً له في مدينة "باتمان" وقد تحول هذا المكتب إلى مرجع يقصده الشبان الإسلاميين، ولكن بعد انتقال مقر مكتب الحركة في الثمانينات إلى مدينة "ديار بكر" تحول حزب الله بعد فترة قصيرة إلى حركة شعبية تصاعد نفوذها في مدن ديار بكر, سيرت, أوروا, بنكول, ومدن أخرى في جنوب شرقي البلاد. كما عرفت فيما بعد حركة هذا التيار السياسي العقائدي بأسماء عدة مثل (الفجر, التوحيد, جيش الله, الحركة الإسلامية الشعبية, الاتحاد الوطني للأكراد المتدينين).
الهدف النهائي الذي يسعى إليه "ولي أوغلو" هو إقامة حكومة محمدية حسب قوانين الشريعة الإسلامية.
 في البداية كانت البنية الرئيسية لهذا التيار تتألف من الأكراد وتتموضع الكتلة البشرية الداعمة له في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا، وعلى هذا طرح حزب الله الكردي نفسه منافساً قوياً لحزب (ب.ك.ك) الذي كان لمدة طويلة يُعد نائباً وممثلاً للأقلية الكردية في تركيا. في شهر حزيران 1992 قامت عناصر من حزب السلام والديمقراطية الـ (ب.د.ب) بقتل أشخاص موالين لحزب الله في قرية "يولاج" في محافظة ديار بكر، مما أدى إلى نشوب نزاع عنيف بين المنظمتين قُتل في هذه المواجهات مالا يقل عن 700-800 شخص.
في النهاية فشلَ حزب الـ (ب.ك.ك) في القضاء على حزب الله وتقبل هذا الأمر وأوقف هجماته ضده بالرغم من أنه لن يتم إعلان وقف إطلاق النار بشكل رسمي ولم تُوقع أي اتفاقية سلام بين الطرفين. لكن في عام 1995 توقفت الحرب بشكل فعلي بين الطرفين.
 مع بداية استئناف حزب الله التركي لنشاطاته في أواخر عام 1992 طرح نفسه منافساً لعدة تيارات وحركات إسلامية، مثل حركة "منزلجية" المنشقة عن حزب الله التركي وحركة "أهل البيت" أيضاً. ونظراً لأن أيديولوجية حزب الله التركي تتناغم وتتماهى مع ما تصبو إليه إيران وثورتها الإسلامية، كما أنهما يعارضان الفكر الوهابي في المنطقة. فيمكن لهذا أن يسهل ويساعد في مواجهة التيار الوهابي على الصعد الثقافية والاجتماعية بإعادة تنظيم وترتيب المجتمع الديني التركي طبق هذه الإيديولوجيا لمواجهة الوهابية ومنعها من النفاذ والوصول إلى حدود الدول الإسلامية.
في أواخر التسعينات أدى تعاظم نفوذ حزب الله إلى زيادة الضغط وتضييق الخناق من قبل القوات الأمنية التركية عليه كما تصاعدت عمليات اعتقال عناصر هذه المنظمة في مناطق جنوب شرق تركيا. وفي حزيران 1999 انتقل "ولي أوغلو" إلى العاصمة اسطنبول، وفي 17 حزيران 2000 تم كشف وضبط مقر هذه المنظمة إثر قيام الشرطة بهجوم على مكاتب حزب الله في مدينة "بيكاز" في نواحي مدينة اسطنبول. بعد موجة الاعتقالات هذه تم تعذيب الكثير من المعتقلين على يد القوات الحكومية التركية وأعدم الكثير منهم. كما اعتقل 940 شخص من عناصر حزب الله في 44 مدينة تركية. وبعد عامين من وفاة "ولي أوغلو" اعتقلت الشرطة التركية ما يقارب 6000 شخص من أعضاء هذه المنظمة. ولأعضاء حزب الله التركي اعتقاد قوي وراسخ بالتعاليم الدينية وخصوصاً قضية الجهاد. كما أنهم ينتقدون الأوضاع التي وصلت إليها تركيا اليوم من حالة الالتزام بالدين والتدين، وعلى صعيد متصل وبهدف نشر وتعزيز الفكر الديني في تركيا يقوم حزب الله التركي كل عام بنشر العديد من الكتب والمجلات المتنوعة وحتى أنه يمتلك مكتبات خاصة لعرض وبيع هذه الكتب. يدير حزب الله صحيفة أسبوعية ومحطة إذاعية وقناة فضائية تلفزيونية وعدد من المواقع الالكترونية، وتتركز أغلب فعاليات ونشاطات المنظمات غير الحكومية التابعة لهذه الحركة في المناطق الفقيرة النائية وغير الخاضعة لأي عملية تنمية، حيث يقومون بمساعدة الفقراء وإقامة دورات تعلمية دينية كإجراء دورات لتعليم القرآن، كما أن إقامة مؤتمرات وإلقاء محاضرات حول الأمور الدينية من جملة نشاطات هذه الهيئات. وتلعب هذه المنظمة دور الوسيط في القضايا المحلية في المناطق الخاضعة لنفوذها وتسعى إلى حل مشكلاتها مثل: خلافات العائلات، الخلافات على الحدود والأراضي الزراعية وحق استخدام مياه السقاية والعداوات القديمة، وهذه بعض من نشاطاتها الاجتماعية. مع وجود عوائق ورقابة فرضت على هذه الحركة في الأعوام الماضية استؤنفت نشاطاتها خلال السنوات الأخيرة لعدة أسباب منها:
1– استمرار المواليين بالقيام بنشاطات داعمة لهذ الحزب في مناطق جنوب شرق تركيا.
2– تخلى هذا الحزب عن استخدام العنف بعد انتخاب "عيسى التسوي" زعيماً له. مع أنه قبل هذا لم يعط أي أهمية للدعايات والتبليغات المكتوبة لكنه في الوقت الراهن يعتمد عليها بشكل كبير ليجد له موطئ قدم وسط تكتلات الشعب التركي.
3– بعض أعضاء الجناح العسكري – العقائدي والزعماء البارزين لهذا الحزب انتقلوا إلى أوربا والبعض الأخر انتقل إلى سوريا وشمال العراق هرباً من الملاحقة.
4- اعتقال "عبدالله أوجلان" زعيم حزب العمال الكردستاني، زاد الشكوك بأن دور حزب الله التركي كان مؤثراً لإتباعه خطة إستراتيجية للتضييق على نشاط حزب الـ "ب.ك.ك" ومن ثمَ القضاء عليه. وهناك إشاعة تقول إن "حزب العمال الكردستاني" كان منافساً قوياً لحزب الله وتقليص عدد عملياته عاد بالفائدة على حزب الله التركي.
 في الوقت الراهن يسعى هذا الحزب ليتحول إلى قوة سياسية بلاءات دينية، كما تولدت لديه رغبة في الانخراط في الحياة السياسية التركية وخصوصاً بعد النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية إذ تضاعفت مغرياته للعمل السياسي بصفته حركة إسلامية.
5- لا ترغب الحكومة التركية أن تُخرج حزب الله بشكل كامل من ساحة المعادلات، إذ يعتقد بعض المحليين أن أنقرة تستخدم هذه الحركة كورقة رابحة في مواجهة المنظمات الكردية المتمردة في جنوب شرق تركية.
6- عندما أصدرت تركيا عفواً في عام 2003  عن أعضاء حزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك) شمل قانون العفو 70 عضو من هذه الحركة، 95 من المفرج عنهم التحقوا بصفوف الحركة في تركيا وأوربا. فعلى ما يبدو قام حزب الله على المستوى الدولي بتنظيم صفوفه في تركيا وأوربا وضّاعف من أنشطته وأعماله وسط الأكراد في أوربا خصوصاً في ألمانيا وهولندا والسويد والنمسا، كما قام ببناء مساجد و تشكيل شبكة اجتماعية من الأكراد المسلمين وشبكة اجتماعية أوربية بهدف الحصول على إعانات مالية عن طريق الزكاة والصدقات.
الإجراءات الناجحة التي اتخذها حزب الله في تركيا وأوربا لم ترق للولايات المتحدة وأعربت عن قلقها المتزايد فبدأت بالبحث عن طريقة لمواجهة هذه الجماعة الإسلامية الجهادية. وتتفق الكثير من الأجهزة الأمنية الأمريكية على الصعيد الدولي نظراً لاقتدار حزب الله خلال الظروف الحالية أنه يجب إقامة تعاون وتنسيق على نطاق واسع بين أجهزة الاستخبارات الأوربية والأمريكية لتشكيل رؤية نهائية عن قدرات حزب الله التركي الحقيقة.

حزب الله التركي وإيران: 
تشّكل التيار الإسلامي لحزب الله التركي متأثراً بالثورة الإسلامية الإيرانية، وهناك تطابق كبير في الأيديولوجية والأفكار مع أن قيادات هذا التيار وهيكليته وأعضائه هم من أهل السنة لكن قاموا برسم مسيرهم وخطهم بإلهام من أفكار الخميني. وتسعى هذه الحركة المتأثرة بحزب الله اللبناني لتوظيف التعاليم الدينية بهدف تعزيز دور وموقع الدين في تركيا وجعله منسجماً مع مجتمع المتدينين التركي. كما أن أحد البرامج المحورية لهذه الحركة إلى جانب أنشطتها الاجتماعية والسياسية هو تطوير وتعزيز حالة التدين والعودة إلى الدين في الدرجة الأولى في المناطق الخاضعة لنفوذ هذه الحركة ومن ثم في باقي مناطق تركيا.
نظراً لتطابق ايدولوجيا حزب الله التركي مع خط الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يستطيع هذا الحزب أن  يضطلع بمهمة مواجهة الفكر الوهابي ثقافياً واجتماعياً والذي يتمدد إلى حدود الدول الإسلامية، وذلك بإعادة تنظيم المجتمع الديني التركي وإعداده لخوض مواجهة مع التيار الوهابي. كما تستطيع هذه الحركة بعقيدتها الجهادية لعب دور مؤثر ومهم في مواجهة اشتراكية حزب العمال الكردستاني الذي يهدد من خلال أعماله ونشاطاته بعض مواقع الأمن القومي الإيراني والتركي.
من جهة أخرى أدى تعزير آليات تغلغل العلمانية في المجتمع التركي إلى ضرورة اتخاذ هذه الحركة إجراءات ملموسة للمتدينين مثل الدعوة إلى التجمهر وإقامة مظاهرات دينية، ومثال ذلك تجمع مئات الآلاف من أنصار هذه الحركة في عيد المولد النبوي. مسير هذه الحركة الإسلامية للحصول على القوة في المستقبل يمكن أن يؤمن مصالح كلً من إيران وتركيا على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي والأمني بصفتهما دولتين جارتين.
كون حزب الله التركي حركة كردية دينية منسجمة مع أفكار إيران الإسلامية يمكن التنبؤ بأن تقوم هذه المنظمة بإيجاد حالة انسجام منظم على نطاق واسع تهدف لمواجهة الأفكار الاشتراكية لبعض التيارات والمجموعات الكردية المتطرفة مثل حزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك) التي تسعى لجذب واحتواء عناصر جديدة من بين الأكراد، ليركز اهتمامه على عناصر المجموعات والمنظمات المرتبطة بها و يعمل على جذب واحتواء الأفراد ذوي الميول الدينية والإسلامية وبهذه الطريقة يوجد مانعاً أمام النشاطات والعمليات ذات الصبغة الاشتراكية.
نظراً للإمكانيات التي يملكها حزب اله  التركي وانسجامه مع توجهات إيران الإسلامية تستطيع طهران أن توظف قدرات هذه الحركة الإسلامية السنية المتأثرة بالأفكار الشيعية، والتي تعّد أرضية مناسبة لمنع ظهور أي تهديدات محتملة ضد المصالح القومية الإيرانية، من جهة أخرى قيام إيران بدعم هذه المنظمة الإسلامية مادياً ومعنوياً ساعدها على التطور والتعاظم وتستطيع أن تجعل منها ذراع ذو تأثير قوي على المجتمع التركي بصفتها حركة إسلامية وليست حركة كردية.

حسن أشرفي: متخصص في الشؤون التركية- موقع "برهان" الإيراني

الجمل-قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...