حركة 14 آذار في عيدها من التراجيديا إلى الكـوميديا
لا يحتاج المرء إلى ساعة مُنبّه للنهوض من الفراش في يوم 14 آذار في كل عام. فارس سعيد يتكفّل بالمهمّة. خُصّص منذ عام 2005 بـ«استنهاض» جمهور 14 آذار، وجمهور باقي المسارح العالميّة. والرجل ـ الحق يُقال ـ يستنهض كما لا يستنهض غيره. والاستنهاض واحدة من المهمات الثوريّة لحركة 14 آذار وثورتها (المسخ). والحركة السياسيّة المذكورة تحتاج إلى مُستنهِض، خصوصاً أن الرجل يعاني، على ما يبدو، من المرض الذي يعانيه ميشال سليمان، ألا وهو الشقاء من غياب الدور. ها هو ميشال سليمان يجمع حول طاولة زجاجيّة تعتليها لعبة شطرنج فينيقيّة مجلس مستشاريه المُصغّر (ويضم خيرة من المفكّرين من وزرائه الذين يحرص عليهم مثل بؤبؤ العين). وسليمان هو الآخر يبحث في إنشاء مجلس وطني تابع له، كما أن سعيد سعى على مدار عقد من الزمن لتجميع مجلس وطني.
طبعاً، كان يمكن توفير جهد مزدوج لو أن المجلس السليماني تطابق مع مجلس فارس سعيد الموقّر. وفارس سعيد في موقع حرج: كان يمكن له أن يكون صادحاً في مجلس النوّاب اللبناني، لكن رحيل رستم غزالة وغازي كنعان عن لبنان أفقده منصباً وازناً له. لقد حاول سعيد أكثر من مرّة أن يستنهض الناخبين في جبيل، لكن محاولته في الاستنهاض هناك باءت بالفشل بالرغم من نجاحاته في الاستنهاض خارج جبيل. جمهور 14 آذار الذي يبدع سعيد في استنهاضه ما عاد يلبّي النداء
أما عن سبب تشكيل «المجلس الوطني»، أو اللجنة التحضيريّة له، فيعود إلى ضرورات الاختزال. سرديّة 14 آذار عن يوم 14 آذار 2005 بسيطة للغاية: إن كل الشعب اللبناني (بمكوّناته ـ والمكوّن في لبنان هو كلمة مهذبة لعبارة «الطائفة الكريمة» التي تلحقها عادة إهانة من قائلها) نزل إلى ساحة الحريّة و«الكبّة النيّة» باستثناء الغوغاء والزعران الشيعة. وتقدير أرقام التظاهرة تلك يتراوح في السرديّة الرسميّة بين مليون ومليونيْن، أي إن كل الشعب اللبناني، باستثناء العاملين في دول الخليج وأوروبا وأميركا وباستثناء الرضّع والمسنّين، نزلوا وتظاهروا ـ وبهذا تكون تلك التظاهرة الوحيدة التي شهدت نزول كل سكّان البلد إلى ساحة واحدة اتسعت لمليوني شخص. وكما أن تظاهرة 14 آذار يبالغ فيها في كل يوم، فإن تظاهرة 8 آذار تتقلّص في نفس السرديّة الرسميّة. وفي حوار على برنامج «نهاركم تعيس» على محطة «إل.بي.سي.» (حيث يقوم المحاور بإلقاء مونولوج إذا كان الضيف من 8 آذار، وحيث يقوم الضيف بإلقاء مونولوج دعائي إذا كان هو من 14 آذار)، قدّر سعيد حجم تظاهرة 8 آذار بدقّة، قال إنها لم تتعدّ 350 ألف نسمة فقط. كاد أن يقول: زائد أربعة أشخاص أتوا من قرية «علي النهري»، إذ إن لغة الأرقام شديدة العلميّة في خيال الجماعة.
لكن جمهور 14 آذار الذي يبدع سعيد في استنهاضه ما عاد يلبّي النداء بالرغم من شدّة وحدّة الاستنهاض المُتكرّر. لهذا، فإن الشعب اللبناني الذي اختُزل بتظاهرة 14 آذار، ثم اختزل بالأمانة العامّة لـ14 آذار، يُختزل اليوم عن جديد بـ«اللجنة التحضريّة» التي تختزل الـ«مجلس وطني» لـ14 آذار المُزمع إنشاؤه. طبعاً، لا ينسى سعيد أن يضيف أنه سيكون هناك تمثيل لـ«المجتمع المدني». وعبارة «المجتمع المدني» في لبنان، خصوصاً في استعمال خطاب 14 آذار، باتت تقارب استعمال «الشارع» في خطاب ساسة لبنان في الستينيات. والشارع ميّال حيث يميل الزعيم، كما أن «المجتمع المدني» ميّال ويلبّي النداء، حتى إن «المجتمع المدني» يتفوّق على «داعش» في تطرّفه أحياناً، ويوالي خطاب 14 آذار أكثر ممّا يواليها مثلاً الكاردينال صفير. لكن الصحف اللبنانيّة أوضحت التعريف الخاص بـ«المجتمع المدني»، فكانت صور ممثّلي «المجتمع المدني» تضمّ في ما تضم توفيق الهندي وسيرج داغر. ووفق هذا التعريف الحصري، فإن عائلة الحريري برمّتها هي «عائلة مدنيّة» وتشكّل مكوّناً أساس في نسيج «المجتمع المدني» هذا.
والذي (أو التي) حار في أمر تشكيل «المجلس الوطني»، تبدّدت حيرته في المقابلة التي أجرتها دوللي غانم (ما قصّة دوللي غانم؟ ظريفة وقريبة على القلب بالرغم من انحيازها السياسي والطائفي إلى فريق 14 آذار، حتى كاد ظرفها ينسيك ثقل دم باقي محاورات ومحاوري المحطة البشيريّة الإنشاء والتوجّه) مع سعيد. سعيد فسّر الأسباب الحقيقيّة للمقصد. قال: لو أننا نريد أن نقابل أوباما أو المجموعة الأوروبيّة، فإن «الأمانة العامّة» لا تفي بالغرض، وإن اللقاء مع أوباما ـ ركّز سعيد كثيراً على اللقاء مع أوباما في هذه المقابلة الصريحة ـ يصبح أكثر أهليّة وسهولة لو أنه (هو وصحبه، على ما فهمنا) ذهب ممثّلاً لـ«مجلس وطني» يضمّ كل طوائف و«مكوّنات» الشعب اللبناني مع ـ لا تنسى ـ ممثّلين (وحتى ممثّلات إذ إن الاجتماع الأخير للأمانة العامّة لـ14 آذار ضمّ للمرّة الأولى رأس امرأة، لكن سرعان ما تبيّن أنها كاتبة في نشرة عائلة الحريري، «المستقبل»، لكنها عادت واختفت ـ أي المرأة ـ من الاجتماع اللاحق)، عن الشعب اللبناني. واللقاء مع أوباما يبدو ملحاحاً عند فارس سعيد. لكن دوللي (التي تساءلت قبل أسابيع بظرف عن سبب عدم إطلاق اسمها على واحدة من العواصف والأعاصير التي اجتاحت لبنان) عاجلته بالسؤال عن إمكانيّة استضافة حكومات الغرب لهم بعد أن خيّبوا لهم آمالهم. أجابها سعيد: حقّقنا لهم (أي أوباما وصحبه من حكومات الغرب) نصراً كبيراً في 14 آذار، ثم استدرك أن النصر كان لهم (أي للشعب اللبناني، بمكوّناته طبعاً، أيضاً).
وبدأ سعيد لقاءه الحزين بالاعتراف بأن لبنان لم يعد ذا أهميّة عند حكومات الغرب، وبأن لبنان لا يعني عند الغرب إلا مسألة حزب الله ومسألة اللاجئين السوريّين. لم تعد «ثورة (حرّاس) الأرز» في الواجهة. وتحدّث سعيد بحنين عن أيّام بوش الخوالي وعن الحديث شبه اليومي عن لبنان، لا بل إنه زعم أن استعراض الهمروجة الطائفيّة في 14 آذار 2005 هو الذي ألهم بوش حروبه، لا العكس. وعدّد سعيد إنجازات الحركة، ومنها انسحاب الجيش السوري من لبنان وإنشاء المحكمة الدوليّة، أي إن فارس سعيد ورفيق سلاحه اللاعنفي، سمير فرنجيّة، هما اللذان فرضا إنشاء المحكمة على مجلس الأمن الدولي. من يدري، لعلّ مجلس الأمن يسترشد أيضاً في عمله بمقالات شارل جبّور الحازمة والصارمة. ولكن لماذا لم يستجب «المجتمع الدولي» (الاسم الحركي للتدخّل الأميركي العسكري في بلادنا) لطلبات الأمانة العامّة لقلب النظام السوري؟ ولماذا لم يستجب لهم بالقضاء على حزب الله بالكامل؟
لكن سعيد يريد لقاء أوباما، ولقب «المُنسّق العام» لـ«الأمانة العامّة» لم يعد محرزاً، وهو لا يفتح أبواباً. ولقب النيابة والوزارة عصيّ عليه في زمن ما بعد المخابرات السوريّة. فقد سعيد الأمل في الوصول إلى لقب نيابي، وجهد كي يُنشئ مجلس ظل، نيابياً، للمجلس الأصلي، لأن الانتقاء فيه يكون بالتعيين لا بالإنتخاب. ولو ندرت الوجوه النسائيّة، نادوا على الحضور، كما فعلوا قبل أسبوع: نحتاج إلى وجه نسائي رمزي أو اثنيْن، رجاءً. أو كما ينادون: هل هناك شيعي بين الحضور؟ نحتاج إلى تمثيل رمزي تجنّباً للإحراج أمام الطوائف، يا مجلس الطوائف الثوريّة الموقّر. ولم ينس المجلس العابر للطوائف أن يأتي بعلويّ إمعاناً في العبور إلى الدولة.
وسعيد رشيق في حديثه، إذ ينتقل من الحديث عن العبور إلى الدولة وعبور الطوائف (على عبّارات غير طائفيّة ومصونة من قبل النظام السعودي الراعي ـ والعابر للطوائف والأديان) ومن تحميل حزب الله مسؤوليّة «دفع» الناس في 14 آذار إلى طوائفهم، إلى الحديث الطائفي الصريح من نوع: «نحن الموارنة» أو «أنا كماروني» أو الاعتداد الطائفي المعهود في لبنان على طريقة ردّ فارس سعيد على وليد جنبلاط بالقول إن الأخير «مُحق في أن هناك منحى انتحاريّاً لدى الموارنة، إنما أيضاً هناك جوانب أخرى لدى الموارنة بأنهم عشّاق حريّة وتجاوزوا حتى انتسابهم إلى لبنان، مقابل انتسابهم إلى الحريّة». بكلام آخر، يريد سعيد أن يقول إن الموارنة هم ليسوا مثل المسلمين عشّاق عبوديّة. (من الطريف أن سرديّة خياليّة عن لبنان وعن الطوائف المحظيّة فيه اخترعها المُستعمِر وصدّقها واعتنقها بعض المحليّين، ومن دون أي اعتبار للعلم أو التاريخ، ومن الطريف أيضاً أن الكل يغفر لوليد جنبلاط، المُلهم الأوّل في حركة 14 آذار ـ قبل «علقة 7 أيّار ـ إهاناته المُتكرّرة للموارنة، هذا الذي كان يقول في حضرة حسن نصرالله وغيره إن الموارنة لا يستحقّون إلا الدوس «تحت الصرماية»).
لكن سعيد فشل في مسعاه الحثيث، ولم يستطع إعلان المجلس الوطني وإعلان رئيسه، بل اكتفى بإعلان اللجنة التحضيريّة للمجلس الوطني، أو اللجنة التحضريّة للأمانة العامّة للجنة التحضريّة للمجلس الوطني لـ14 آذار (على وزن مساعد ولي العهد لولي العهد لولي العهد، في مملكة القهر الوهّابيّة). وقد يبصر هذا المجلس النور بعد عقد أو عقديْن من الزمن، عندما تكون قائمة الشهود في محكمة الحريري على وشك النفاد.
لكن المشكلة في سرديّة 14 آذار أنها كانت مبنيّة على أكاذيب حتى قبل أن تنطلق، وحتى قبل أن تنشأ الأمانة العامّة لها. والأساطير المنتشرة (بالمال) عن الحركة باتت تحتاج إلى تفنيد أو إلى أطروحة جامعيّة.
أولاً، ليس صحيحاً أن حركة 14 آذار وما تمثّل هي بنت ساعتها. هي ولدت قبل اغتيال الحريري وليس بعده. كان الحريري، خلافاً لأكاذيبه ولمزاعم 14 آذار من بعده، ضالغاً حتى الأذنيْن في مؤامرة القرار 1559، وهذا هو الإعلان المؤسّس الحقيقي لـ14 آذار، كما أن «إعلان بعبدا» هو الإعلان المؤسّس للحزب الجماهيري الذي يعمل ميشال سليمان على إنشائه على نطاق الكرة الأرضيّة بسبب انتشار فكره السياسي حول العالم. فجأة، قبل أسابيع فقط، أعلن جوني عبده رفع الحظر، وسُمح «لشهود» عائلة الحريري بالإدلاء بالحقيقة عن ضلوع رفيق الحريري الكلّي في صياغة وإعداد والترويج للقرار 1559، مع أنه كان يُكرّر القول حتى آخر أيّامه (أو قبل ساعات في المقابلة مع «السفير») إنه ضد القرار ومع «الطائف» كبديل من القرار. إن تبنّي الحريري للقرار كان إيذاناً بتلقّف عقيدة بوش في لبنان من قبل كل الفريق الحريري، وذلك من أجل فرض أجندة واضحة بفرض الهيمنة الإسرائيليّة على القرار السياسي اللبناني، كما أن الحريري نفسه كان هو قد شارك في فرض هيمنة النظام السوري على القرار السياسي اللبناني.
ولقد حصلنا صدفة على رواية أقرب إلى الحقيقة عن ولادة وعمل حركة 14 آذار من جان لوي قطريب، في حديثه مع الزميل أحمد محسن في هذه الجريدة قبل أيّام. والقطريب (القيادي السابق في حركة «لبناننا» التابعة لسامي الجميّل والباحث الزائر السابق في «مؤسّسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» ـ الذراع البحثية للوبي الإسرائيلي في واشنطن) استفاض في الحديث عن دور «كوانتم»، وهي ذراع سياسية ناشطة لشركة «ساتشي وساتشي» التي ساهمت في تلميع صورة الاحتلال الأميركي للعراق باللغة العربيّة، في أذهان العرب. لكن القطريب يميّز بين «الدعاية السياسيّة» وما يسميّه «الرسالة». كل ما يتوافق مع عقيدة بوش هو رسالة سماويّة مُنزّلة لا تستحق إلا العبادة، أما ما يروّج لحق مقاومة الاحتلال والعدوان فيدخل حكماً في باب الدعاية السياسيّة الصفيقة.
ثانياً، لم تكن علاقة الحريري مع المخابرات السوريّة على ما رُوي بعد اغتيال الحريري. إن تسريب شريط التسجيل بين رفيق الحريري وصديقه، رستم غزالة، كان صريحاً في مضمونه، وأربك في اليوم التالي نشرة عائلة الحريري، «المستقبل»، التي طفقت تختلق الأعذار والتبريرات لمضمون التسجيل. إن التسجيل يظهر أن غزالة كان يتعامل مع صديقه ومُموّله رفيق الحريري بغير ما أوحي لنا، من تهديد ووعيد وشتم. كانت هناك علاقة صداقة حميمة بين الرجليْن، ولم يبدر عن الحريري ما يوحي بأنه كان مُكرهاً. ثم خبريّة الإكراه: هل تستمرّ على مدى أكثر من عشر سنوات عاشها الحريري في غياهب... السراي الحكومي والسلطة (التي أرادها مطلقة)؟ لقد كشفت التسجيلات القصيرة والمبتسرة، بأمر من عائلة الحريري، أن الرجل كان على وفاق مع طاقم المخابرات السوريّة في عهد غازي كنعان وفي عهد رستم غزالة، ولم تكن الخلافات إلاّ على مناصب وعلى السلطة والمغانم. لم يكن يزعج الحريري إلا المسؤول اللبناني الذي لم يكن يرضخ لرشاويه، وهذا كان في صلب الخلاف المزمن بينه وبين إميل لحّود، اختلفتَ معه أو اتفقت. الهراوي كان رئيس جمهوريّة بدرجة موظّف عند رفيق الحريري. وسرديّة نضال الحريري هي أساس في حكاية 14 آذار.
ثالثاً، حكاية تدخّل حزب الله في سوريا. لم تعد القصّة تنطلي على أحد. إن معارضة فريق الحريري وحلفائه ضد سلاح حزب الله سبقت الانسحاب الإسرائيلي المُذلّ له في عام 2000. كان الحريري على نسق السنيورة في عام 2006 وما بعد: من دعاة النضال الديبلوماسي الذي لا يحرّر شبراً من الأرض العربيّة لكنه يجلب رضى أميركيّاً وموافقة إسرائيليّة. كانت خطب رفيق الحريري في الحملة الانتخابيّة في عام 1996 تنصبّ ضد فريق المقاومة في لبنان (وشبّع خطابه آنذاك بجرعات إضافيّة من التحريض المذهبي ضد سليم الحصّ بسبب مناصرته للمقاومة). حاول فريق 14 آذار أن يزعم أنه كان مع سلاح المقاومة حتى التحرير، لكنه كان في السرّ ضدّه. وبعد عام 2000، حاول هذا الفريق أن يقول إنه كان مع المقاومة لكن قبل التحرير فقط. هو بكلام آخر يقول إنه من الوطنيّة منح العدوّ الإسرائيلي ما يختاره من أراض لبنانيّة. وبعد 7 أيّار، حاول هذا الفريق أن يزعم أنه غيّر موقفه ضد المقاومة بسبب استعمال السلاح، كأن صواريخ الحزب استعملت يوماً في الداخل اللبناني. لكن التدخّل في سوريا مسألة أخرى. إن فريق 14 آذار على حق في أمر واحد: إن الفريق الذي سبق الجميع في التدخّل في سوريا هو الذي ورّط لبنان في حرب ضروس وأدّى إلى تسلّل الخراب والدمار والتفجير إلى داخل الحدود اللبنانيّة. كذلك فإن هذا الفريق أجّج الصراع السوري ويتحمّل مسؤوليّة عن دماء أبرياء في سوريا، وعن صعود حركات إرهابيّة في صفوف الفرق المعارضة المُسلّحة. هذا كله صحيح، والفريق هذا الذي بادر إلى التدخّل يتمثّل في وسام الحسن و«فرع المعلومات»، لا في حزب الله كما يروون. لقد صرّحت مجلّة «إيكونوميست» (المنحازة إلى فريق 14 آذار مثل معظم الإعلام الغربي الصهيوني) بذلك، كما صرّحت «نيويورك تايمز»، ثم تأكّد دور الحسن في التقرير الذي كتبه محمّد بلّوط في «السفير» قبل أيّام، مع أن الجريدة اختارت أن تخفي اسم الحسن، رغم أن التورية لم كن خافية، أي إن فريق 14 آذار هو الذي أقحم لبنان في الشأن السوري، قبل معركة القصير بكثير.
رابعاً. قصّة إلهام «الثورات العربيّة». أخطأ فارس سعيد العنوان. بوش زعم أن غزوه للعراق، لا «ثورة (حرّاس) الأرز»، هي التي ألهمت أصدقاءه في لبنان، لا العكس. وليس هناك من عربي واحد زعم أن فارس سعيد أو سمير فرنجيّة أو سعد الحريري ألهمه في ثورته أو في انتفاضته. والطريف أن حركة 14 آذار أثنت على محمد مرسي وتملّقته في حقبة حكمه، ثم اعتنقت السيسي بمجرّد أن انقلب على مرسي، أي إنها لا تلهم بقدر ما هي تتبع سياسات آل سعود وتتملّق على أساسها.
قبل أشهر فقط من عدوان إسرائيل في حزيران 1967، ومن دون إنذار مسبق أو متحضّرات، تقدّم النوّاب (عن حزب الكتائب) راشد الخوري وبيار الجميّل وموريس الجميّل وجوزيف شادر بسؤال إلى الحكومة عن جدوى الاستمرار في مقاطعة العدوّ الإسرائيلي (راجع جريدة «العمل»، 7 كانون الثاني 1967)، مطالبين بإلغاء المقاطعة التي كانت آنذاك محل إجماع من قبل كل الحكومات العربيّة، بما فيها تلك التي كانت تنسّق سرّاً مع العدوّ. كان جليّاً أن السؤال كان دفعة على حساب مسبق تجاه دولة موّلت حملات الحزب الانتخابيّة منذ الخمسينيات، كما ثبت في وثائق الأرشيف الصهيوني. وليس فريق 14 آذار إلاّ استمراراً للفريق الذي مثّل المصالح الإسرائيليّة في لبنان، والنطق باسمها. لم يفتقر العدوّ الإسرائيلي يوماً منذ عام 1948 ـ لا بل منذ الثلاثينيات ـ إلى فريق لبناني مؤازر ومساند له، في مقابل المال والسلاح والدعم الخارجي (من جيب أميركا).
لكن فريق 14 آذار بدأ تراجيديّاً (مصطنعاً ودراميّاً وسينمائيّاً بإعداد دعائيّين من درجة خامسة وسادسة، لكن الدرجة لا تضرّ في وجود الخطاب التحريضي الطائفي المذهبي، الصريح والمضمر، بصريح العبارة أو بالإشارة) وهو يحتضر لكن كوميديّاً. ينتظر فارس سعيد اللحظة التي يُعلن فيها إنشاء مجلس وطني يظنّ أنه سيقدّمه على عجل إلى أوباما. لكن في انتظار ذلك، يستطيع سعيد أن يتسلّى وأن يسلّينا، خصوصاً أنه معروف بتحليلاته الفريدة في العلاقات الدوليّة، والتي يربط فيها بين عراك في شارع بين رجليْن تصادما في سيارتهما، وتخصيب اليورانيوم في إيران. لا نفاجأ لو أن سعيد هذا طلع بنظريّة قريباً مفادها أن محل «حدادة وبويا» في الضاحية الجنوبيّة يقوم بتخصيب اليورانيوم الإيراني. واجتماعات الأمانة العامّة يمكن ان تبقى مفتوحة، وأن يأتزر أعضاؤها بلباس الفولكلور اللبناني، بالشروال واللبّادة والزنّار الملوّن. ويمكن لفارس سعيد عندها فقط تمثيل لبنان بحاضره وماضيه (المُشوّه والمُتخيّل) أمام أوباما في المكتب البيضاوي. هو في انتظارك على أحرّ من الجمر، يا فارس. اهرع.
أسعد أبو خليل
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد