حرب الاشاعات تقتل أيضاً
بموازاة الحرب العسكرية التي تشنها الآلة العسكرية الاسرائيلية على لبنان منذ عشرة أيام، نشبت حرب أخرى قوامها الاشاعات والاخبار الكاذبة التي كان لها أثر الصواريخ في نفوس سامعيها.
«تعرض جسر الكولا المؤدي الى مطار بيروت للقصف، لكن عدد الضحايا غير محدد بعد». يكاد الخبر يبدو صحيحاً، وتنهال الاتصالات حتى تتعطل الشبكة. وتمر ساعتان أو ثلاثة قبل أن يجيب أحد سكان المنطقة على الطرف الآخر من الخط ليقول: «لا لم نسمع شيئاً، لم يقصف الجسر، لكنه على الارجح مستهدف». وتبقى الاعصاب مشدودة الى أن تنتقل الإشاعة الى جسر سليم سلام، فتحوم هناك أياماً، مثيرة ذعراً وهلعاً أكثر مما لو وقعت القذائف فعلاً. فترقب الموت يقتل أحياناً.
والمشكلة أن هذه الإشاعات وغيرها لم تقتصر على الناس العاديين الذين اصطلحت القنوات الاخبارية أخيراً على تسميتهم «مواطنين»، بل وقع في فخها المراسلون الصحافيون انفسهم الذين راحوا يحللون الإشاعة ويروجونها عن قصد أو غير قصد، قبل التأكد من صحتها.
منشورات كفرشيما التي قيل في النشرات الصباحية إن طائرات إسرائيلية وزعتها ليلاً وتدعو السكان إلى إخلاء المنطقة، لم تتبدد إلا في المساء مع نداءات رسمية وشعبية متكررة لإبراز ولو نسخة واحدة منها. لكنها كانت أفزعت السكان وأخضعت البعض الآخر للرحيل.
وبلغت حرب الإشاعات تلك، ذروتها مع قناة ناطقة بالعربية، تأكدت قبل سواها إن الشاحنات التي تعبر الحدود باتجاه لبنان محملة بالسلاح. وتعاملت المحطة مع هذا الخبر بصفته خبراً يقيناً إلى أن عرف لاحقاً بأن الشاحنات تنقل مساعدات ومواد غذائية للنازحين. وحولت إشاعة من هذا النوع كل شاحنة هدفاً محتملاً للقصف الصاروخي سواء على الحدود أو داخل المدن.
أما الافظع فكان إسراع بعض وسائل الإعلام في نقل كلام على لسان رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بأنه يجب نزع سلاح حزب الله قبل التأكد من ترجمة النص الحرفي لكلامه عن الايطالية. واستغرق الأخذ والرد في هذه المسألة يوماً كاملاً كاد أن ينفجر معه الوضع الداخلي، قبل صدور بيان رسمي ينفي القول نفياً قاطعاً.
ولعل الإشاعة الوحيدة التي أثلجت قلب المشاهدين، كانت «تعهد» قائد عسكري اسرائيلي بأن القصف لن يستهدف البنى التحتية في لبنان. الخبر نقلته قناة فضائية تحظى بثقة عالية ونسبة مشاهدة أعلى، لكن المريب في الأمر أنها لم تذكر اسم المسؤول ولا موقعه. غير أن اللبنانيين الباحثين عن قشة يتعلقون بها وسط الإعصار لم يتوقفوا كثيراً عند هذا التفصيل، وتناقلوا الخبر في ما بينهم بما يشبه التطمين المتبادل الى ان تبين ان الخبر غير صحيح بفضل استئناف ضرب البنى التحتية.
لعل الاعلاميين والمراسلين ليسوا بمنأى عن الهلع الذي ينتاب «المدنيين»، وهم في سعيهم الدؤوب لنقل الخبر وربما بسبب طموح جامح أحياناً الى إنجاز سبق صحافي، تزل بهم القدم فيقعون في فخ الإشاعة، يتناقلونها، ويروجونها ويشيعونها...
أما التسابق المحموم بين قناة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» مع «إعلام العدو الصهويني»، فقصة أخرى!
بيسان الشيخ
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد