تشاؤم أوروبي ـ روسي: فقدان حضارة سوريا عار
ليس لدى الغرب ما يطمئن به السوريين. لا شيء سوى المناشدة والرثاء، وتبادل زاوية النظر خلال وصف كيف غرقوا في حربهم، وإلى أي قاع وصلوا، حتى بات أحد لا يجرؤ على رؤية بصيص تفاؤل.
ما من كلمات تطمئن في كل ما يقال حول مؤتمر سلامهم المزمع. بعض أقرب حلفاء المعارضة يتحدثون عن إنجاح «جنيف 2» بوصفه أحد أكبر التحديات أمام السياسة الخارجية الدولية حاليا. أبرز حلفاء النظام لا يقولون غير ذلك، وإن كان عبر وضع كامل المسؤولية لدى معسكر المعارضة، مستفيضين في الحديث عن انقسامها وفشلها، وإطلاق مخاوفهم من ازدياد سيطرة «الجهاديين المتطرفين» على ساحتها.
لقاء حلفاء طرفي الصراع كشف عن حدة التشاؤم هذه. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اجتمع في بروكسل بنظرائه الأوروبيين. كان يفترض أن يكون غداء عمل، لكنه طال إلى قرابة الساعتين ونصف الساعة. ملفات الخلاف تفسر امتداد المباحثات، وأكثرها سخونة أزمة أوكرانيا. الأوروبيون يشدونها إليهم، والروس يضغطون من الطرف الآخر. الأزمة السورية كانت ملفاً أساسياً على الطاولة، ولافروف خرج ليتحدث بلهجة انتقاد مبطن للولايات المتحدة. حمّلها مسؤولية سوء حال المعارضة كما وصفها باستفاضة، وعدم قدرة شريك جنيف على الوفاء بالتزاماته عبر جمعها في فريق تمثيل واسع ونافذ.
«الجهاديون» مصدر التهديد الأول برأي رأس الديبلوماسية الروسية. قال إن القلق وصل إلى درجة منذرة، مبرراً ذلك بأن «هناك في سوريا المزيد من الأدلة على أن الجهاديين المتطرفين يأخذون اليد العليا على أرض الواقع في معسكر أولئك الذين يعارضون جيش الرئيس بشار الأسد». وإن كان الأشد، لكنه ليس مصدر القلق الوحيد كما يوضح: «الائتلاف الوطني يخسر من أنصاره، وهناك علامة على وجود انقسام داخله. الجيش السوري الحر يشهد نوعاً من الأزمة، كما أفهم». لفت لافروف إلى تشكيل «الجبهة الإسلامية» وعبّر عن شكوك صريحة بما تخفيه واجهتها، وقال «نود أن ندرسها بعمق، ولكنها على السطح تروج لوجهات نظر متطرفة جدا».
هناك ما يدعم إشارات التحذير التي أطلقها لافروف، ومنها أن «هناك المزيد من التقارير أن الجهاديين يذبحون الناس، ومن ضمنهم المسيحيون والدروز والعلويون والسنة».
ما شرحه لافروف كاف برأيه لجعل «المهمة الأولى» أمام مؤتمر جنيف، هي دفع النظام والمعارضة لتشكيل حلف يحارب الإرهاب. هذه القضية قال الوزير الروسي إنها يجب أن تكون إحدى القضايا الرئيسية على جدول أعمال الاجتماع التحضيري لإطلاق عملية السلام، وسيعقد في 20 الحالي في جنيف. ذكّر بأن هذا «الحلف» هو ما دعا إليه جميع المشاركين في قمة مجموعة الثماني، خلال حزيران الماضي في ايرلندا.
وزير الخارجية الروسي لفت إلى أن عملية جنيف ستكون طويلة ومعقدة، موضحاً أسباب ذلك «لأنها أزمة عميقة جداً، وستتطلب مفاوضات طويلة جدا، ومراعاة مصالح جميع المجموعات الدينية والعرقية وجميع الأحزاب السياسية». يضاف إلى تلك الأسباب ضرورة تأمين «المشاركة الفعالة» من المعارضة، وهذا مرتبط بطبيعة وفدها الذي «يجب أن يكون ممثلاً عن جميع أولئك الذين يعارضون الرئيس الأسد». لكن القضية الرئيسية تكمن برأيه في النفوذ الذي تتمتع به المعارضة بما يمكنها من التفاوض، وهذا يلزمه أن يشمل وفدها «أولئك الذين يسيطرون على الوضع السياسي، والذين لديهم سلطة في أرض الواقع».
ووجه لافروف انتقاداً مضمراً لأداء الولايات المتحدة وعدم قدرتها على توحيد المعارضة، وتأمين تمثيلها الفعال، على اعتبار أن هذه كانت مسؤوليتها عند إطلاق جنيف. ولفت إلى أن دعوة موسكو «الائتلاف الوطني» المعارض إلى جنيف، تأتي في سياق محاولتها للمساهمة في توحيد المعارضة. وأكد أن «موسكو ستناقش قريباً مع الأميركيين كيفية التعامل مع الجبهة الإسلامية في سوريا»، مشيرا إلى أنه «يجب معرفة من سيحاور الحكومة السورية خلال جنيف 2 باسم المعارضة».
وجدد لافروف رفضه تقديم تفسيرات جاهزة وفرضها على طاولة جنيف. وقال إن ما يجب أن يفرض على السوريين هو مبدأ «أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الفوضى هو التعامل مع بعضهم البعض، من دون تدخل خارجي، ومن دون أي وصفات مفروضة من الخارج». غير ذلك، يلمّح لافروف إلى أن الثمن سيكون خسارة سوريا كما عرفها العالم، إذ اعتبر في خلاصة تقييمه أن «السوريين شعب عريق، وشعب عاقل ولديهم أطول تاريخ من التعايش بين الأديان والثقافات، وفقدان هذا التألق من تاريخ العالم سيكون عاراً لنا جميعاً، لذلك نبذل قصارى جهدنا».
لهجة الأوروبيين لم تكن أقل تشاؤماً، وإن كانت قد ركزت على الكارثة الإنسانية التي لا قعر لها حتى الآن، وأولوية البدء بإيجاد مخارج لها. بعضهم انتقد قيام روسيا بإعاقة إصدار مجلس الأمن قراراً دولياً حول إيصال المساعدات الإنسانية.
ورغم حديث لافروف عن عدم فرض صيغة على السوريين، وتركهم ليجدوا توافقهم داخل الهوامش الشاسعة لإعلان «جنيف 1»، لكن بعض الأوروبيين أكد أن العمل جار على إيجاد تفاهمات دولية تقلل هذا الهامش. القضية مجددا هي في إنتاج ترجمة دولية مشتركة تقلل من التفاوتات الكبيرة في قراءة جنيف الأول.
عندما سألنا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، إن كانوا يعملون مع روسيا على تفاهم كهذا، لم ينف ذلك، ووضعه في إطار التحضير لمؤتمر السلام السوري.
قال هيغ «بالطبع نناقش مع روسيا آفاق جنيف 2، ومجيء المعارضة والنظام إليه مع وفود مخوّلة لإجراء المفاوضات ويمكنها تقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى حل سلمي وسياسي في سوريا»، لكنه لفت إلى مشقة الوصول إلى التسوية النهائية. اعتبر أن هذا يشكل «واحداً من أكبر التحديات في السياسة الخارجية في الأشهر المقبلة»، مضيفا «لكن من المهم بالنسبة لنا العمل مع روسيا، ومحاولة تحقيق ذلك».
المهمة الأولى لمؤتمر جنيف يجب أن تكون تحقيق وقف لإطلاق النار وإيصال الإغاثة، كما أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون. وقالت، ردا على سؤال ، «أولا وقبل كل شيء، يجب الحصول على حالات من وقف إطلاق النار محليا أو في جميع أنحاء البلاد كي يتوقف قتل الناس وإصابتهم، ويجب وصول الغذاء والإمدادات إلى الناس». وأضافت «بالنسبة إلى جميع هذه القضايا يقف الاتحاد الأوروبي موحداً، وهذا ما سندفع إليه في جنيف 2».
لكن لافروف لم يكن الوحيد الذي لفت إلى خطورة التطرف. فعندما سألنا وزير الخارجية الهولندي فرانس تيمرمانس رأيه بما قاله نظيره الفرنسي لوران فابيوس حول «الأخطار الجدية» التي تواجهها المعارضة «المعتدلة»، قال «نعرف أن هناك قصصاً رهيبة قادمة من سوريا حول سلوك المتطرفين»، معتبراً أن ما يجري في هذا السياق «لا يوصف وغير مقبول، لهذا هناك مشكلة خطيرة لجهة المعارضة إذا أصبح لجماعات المتطرفين اليد العليا. لذلك أعتقد أن التأكد من أن يتم تعزيز القوات الأكثر اعتدالاً في سوريا سيكون في مصلحة الجميع».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد قال، في نيويورك، «يتعين وقف الأعمال القتالية قبل أن نبدأ الحوار السياسي بشأن سوريا في جنيف. هذا القتال لا بد أن يتوقف».
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد