تركيا وهجوم طرابلس: هل ينتهي التحفّظ؟
خلال الاجتماع التقييمي لحزب «العدالة والتنمية»، الذي انتهى يوم الأحد الفائت، تحدث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مختلف الملفات الإقليمية التي تهمّ تركيا، ومن بينها ليبيا. ومن ضمن ما ورد في حديثه، اعتباره أن ليبيا صارت ساحة لـ«سيناريوات مظلمة تستهدف المنطقة»، ورأى أنه توجد «حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ومن جهة أخرى ديكتاتور مدعوم من أوروبا وبعض الدول العربية»، وختم بالتشديد على أن بلاده «ستستنفر كلّ إمكاناتها لإفشال تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة».
بشكل ينسجم مع حديث أردوغان، تعمل تركيا منذ أعوام على دعم المحور المعادي لحفتر، عبر عدد من السياسات الدبلوماسية والعسكرية. أثناء حملتها للسيطرة على بنغازي، قالت قوات حفتر إنها وجدت مواد متفجرة وأخرى تستخدم لأغراض عسكرية جاءت من تركيا. لكن لم يكن ذلك إلا بداية لسلسلة من الأخبار المشابهة. بداية العام الماضي، أوقفت السلطات اليونانية باخرة قرب جزيرة كريت ترفع علم تنزانيا، وقالت إنها تحمل شحنات من ميناءَي مرسين وإسكندرونة، وحدّدت وجهتها جيبوتي وعمان، لكنها كانت عملياً تتجه إلى ميناء مصراتة الليبي وفق أوامر تلقّاها طاقمها. وتحمل الباخرة صواعق وأدوات يمكن استخدامها عسكرياً ومدنياً، سواء في حروب أو في مناجم.
بداية هذا العام، ضُبطت أيضاً في ميناءي مصراتة والخمس، غرب ليبيا، شحنتان من الأسلحة. تداولت أوساط خليفة حفتر الخبر بكثافة، واعتبرته حلقة أخرى في سلسلة دعم تركيا لميليشيات في غرب البلاد، ضمن مشروعها لتمكينهم. لكن، لاحقاً، قالت سلطات الميناءين إن الشحنات تتكون أساساً من مسدسات صوت ومتفجرات صوتية، ويظهر ذلك على نحو جلي في الصور التي نُشرَت لمحتوى الحاويات، حيث تشمل مسدسات من طراز «إكول 29» (EKOL 29) وذخائر من طراز «أوزكرسان» (ozkursan). ومن الجدير الإشارة إلى ما ورد في التقرير الأخير للجنة الأممية لمراقبة حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، حيث أشار إلى ازدياد الطلب على هذا النوع من الأسلحة، خاصة في جنوب ليبيا وشمال تشاد، وذلك بغرض الحماية، نظراً لتزايد نشاط التنقيب غير الشرعي على الذهب والمعادن النفيسة. وأشار أيضاً إلى إمكانية إدخال تغييرات عليها لجعلها قادرة على إطلاق رصاص حقيقي.أما آخر الشحنات المثيرة للجدل، فكانت تحمل عدداً من العربات المدرعة وسيارات مصفحة، وقد وصلت إلى ميناء الخمس بداية هذا العام من تركيا. حينها، احتجزت سلطات الميناء الشحنة، ولم تحتجّ عليها فقط جماعة حفتر، بل كذلك الميليشيات الطرابلسية التي كانت حينها على خلاف مع وزير الداخلية الجديد فتحي باشاغا، حيث اعتبرت أن «مشاريعه غير واضحة»، وأنه يعمل على حلّها. فيما بعد، قال باشاغا إن العربات موجّهة إلى وزارته بصفة رسمية كمساعدة من تركيا. وفي واقع الأمر، ورغم الجدل الإعلامي والتنديد، فإن الشحنة لا تعتبر خرقاً للحظر الدولي، حيث لا تحمل أسلحة قاتلة، وقد تلقّى حفتر أيضاً ـــ ولا يزال ـــ عربات «تايغر» إماراتية مصفحة، ويستخدمها في عملياته.
هذا الدعم التركي، الذي يحمل قيمة دعائية لمحور حفتر أكثر من قيمته الفعلية، لا يعني أن حكومة الوفاق لا تسعى إلى تحصيل مساعدات عسكرية تركية. فمنذ تأسيسها ودخولها طرابلس بداية عام 2016، تدعو الحكومة إلى رفع الحظر العسكري عليها، وذلك بصفتها جهة شرعية تحظى باعتراف دولي (حفتر أيضاً يطلق من ناحيته دعوات مماثلة). نهاية العام الماضي، وبداية هذا العام، صعّدت «الوفاق» من زخم علاقاتها مع تركيا، بهدف أساسي هو تحصيل أشكال مختلفة من الدعم الدبلوماسي والعسكري واللوجستي. وفي تشرين الثاني من العام الماضي، استقبل رئيس الحكومة فائز السراج، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في طرابلس، وحضر الاجتماع أيضاً مسؤولون أمنيون وعسكريون من الجهتين. بعد ذلك بشهر، زار وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، طرابلس، حيث التقى السراج ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعدداً آخر من المسؤولين. وجاءت تلك الزيارة بعد يومين من استقبال باشاغا في إسطنبول. لكن، على عكس ما كانت تتمنى حكومة الوفاق، لم يُظهر الأتراك رغبتهم في تقديم دعم عسكري مباشر لليبيّين، حيث ركّزوا على الجوانب الدبلوماسية، مثل دعم خطة المبعوث الدولي، والدعم في البنى التحتية الصحية والتعليمية، وتبادل المعلومات الاستخبارية.
رغم هذا التحفّظ في تقديم الدعم العسكري، تستقبل تركيا جرحى وقيادات من تنظيمات مثيرة للجدل، ومن أبرز هؤلاء مقاتلون من «مجلس شورى مجاهدي درنة» و«مجلس شورى ثوار بنغازي»، وقد استقبلت سابقاً إبراهيم الجضران المصنّف على قائمة العقوبات الدولية، نظراً لدوره في الإضرار بقطاع النفط. وهي تحتضن حالياً الشيخ صادق الغرياني، الذي يناصب حفتر العداء وتعتبره تنظيمات عسكرية مرجعاً دينياً لها، وكذلك عبد الحكيم بلحاج الذي أسهم في إسقاط القذافي وتحوّل إلى رجل أعمال.
ولعلّ من أهم أسباب تحفّظ تركيا عن تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق، حذرها إزاء ميليشيات طرابلس التي لا تتبنّى منهجاً أيديولوجياً واضحاً، وطردت سابقاً تشكيلات متشددة مساندة لـ«حكومة الإنقاذ» كانت تسيطر على طرابلس. وتركيا تفضّل مساندة الميليشيات الثورية المتشددة، وتلك المنتمية إلى مدينة مصراتة، وبدخول هذه الأخيرة إلى جبهات طرابلس لمساندة حكومة الوفاق في صدّ هجوم حفتر، قد تتخلّى أنقرة، ولو جزئياً، عن تحفّظها، خصوصاً أنه بدأت تبرز بالفعل أخبار غير مؤكدة عن إرسالها مستشارين عسكريين وطائرات مسيّرة إلى مصراتة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد